فلما كانت الليلة ٥٦٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد البحري لما طلع من الفلك على جانب الجزيرة، ورأى فيها جماعة من الهنود والحبشة، وارتاح من تعبه، سألوه عن خبره، فأخبرهم بقصته. ثم إنهم تكلَّموا مع بعضهم وقالوا: لا بد أن نأخذه معنا، ونعرضه على ملكنا ليخبره بما جرى له. قال: فأخذوني معهم، وحملوا معي الفلك بجميع ما فيه من المال والنوال والجواهر والمعادن والمصاغ، وقد أدخلوني على ملكهم، وأخبروه بما جرى، فسلَّمَ عليَّ ورحَّبَ بي، وسألني عن حالي، وما اتفق لي من الأمور، فأخبرته بجميع ما كان من أمري، وما لاقيته من أوله إلى آخِره، فتعجَّبَ الملك من هذه الحكاية غاية العجب، وهنَّأني بالسلامة؛ فعند ذلك قمت وأطلعت من ذلك الفلك شيئًا كثيرًا من المعادن والجواهر والعود والعنبر الخام، وأهديته إلى الملك، فقَبِله مني، وأكرمني إكرامًا زائدًا، وأنزلني في مكان عنده، وقد صاحبتُ أخيارهم وأكابرهم، وأعزوني معزةً عظيمة، وصرت لا أفارق دار الملك، وصار الواردون إلى تلك الجزيرة يسألونني عن أمور بلادي، فأخبرهم بها، وكذلك أسألهم عن أمور بلادهم فيخبرونني بها، إلى أن سألني ملكهم يومًا من الأيام عن أحوال بلادي، وعن أحوال حكم الخليفة في بلاد مدينة بغداد، فأخبرته بعدله في أحكامه، فتعجَّبَ من أموره وقال لي: والله إن الخليفة له أمور عقلية، وأحوال مرضية، وأنت قد حبَّبْتَني فيه، ومرادي أن أجهِّز له هدية، وأرسلها معك إليه. فقلت: سمعًا وطاعةً يا مولانا، أوصلها إليه وأخبره أنك محب صادق.
ولم أزل مقيمًا عند ذلك الملك وأنا في غاية العز والإكرام، وحسن المعيشة مدةً من الزمان إلى أن كنت جالسًا يومًا من الأيام في دار الملك، فسمعت بخبر جماعة من تلك المدينة أنهم جهَّزوا لهم مركبًا يريدون السفر فيها إلى نواحي مدينة البصرة، فقلت في نفسي: ليس لي أوفق من السفر مع هؤلاء الجماعة. فأسرعت من وقتي وساعتي وقبَّلت يد ذلك الملك، وأعلمته بأن مرادي السفر مع الجماعة في المركب التي جهَّزوها؛ لأني اشتقت إلى أهلي وبلادي، فقال لي الملك: الرأي لك، وإن شئتَ الإقامة عندنا فعلى الرأس والعين، وقد حصل لنا أنسك. فقلت: والله يا سيدي لقد غمرتَني بجميلك وإحسانك، ولكني قد اشتقت إلى أهلي وبلادي وعيالي. فلما سمع كلامي أحضر التجار الذين جهَّزوا المركب، وأوصاهم عليَّ، وقد وهب لي شيئًا كثيرًا من عنده، ودفع عني أجرة المركب، وأرسل معي هدية عظيمة إلى الخليفة هارون الرشيد بمدينة بغداد.
ثم إني ودَّعت الملك، وودَّعت جميع أصحابي الذين كنتُ أتردَّد عليهم، ثم نزلت المركب مع التجار وسرنا وقد طاب لنا الريح والسفر، ونحن متوكلون على الله سبحانه وتعالى. ولم نزل مسافرين من بحر إلى بحر، ومن جزيرة إلى جزيرة، إلى أن وصلنا بالسلامة بإذن الله تعالى إلى مدينة البصرة، فطلعت من المركب، ولم أزل مُقِيمًا بأرض البصرة أيامًا وليالي حتى جهَّزت نفسي وحملت حمولي، وتوجهت إلى مدينة بغداد دار السلام، فدخلت على الخليفة هارون الرشيد، وقدَّمْتُ إليه تلك الهدية، وأخبرته بجميع ما جرى لي، ثم خزنت جميع أموالي وأمتعتي، ودخلت حارتي، وجاءني أهلي وأصحابي، وفرَّقت الهدايا على جميع أهلي، وتصدَّقت ووهبت، وبعد مدة من الزمان أرسل إليَّ الخليفة، فسألني عن سبب تلك الهدية، ومن أين هي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، والله لا أعرف للمدينة التي هي منها اسمًا ولا طريقًا، ولكن لما غرقتِ المركب الذي كنتُ فيه، طلعت على جزيرة، وقد صنعت لي فلكًا ونزلت في نهر كان في وسط تلك الجزيرة. وأخبرته بما جرى لي في السفرة، وكيف كان خلاصي من ذلك النهر إلى تلك المدينة، وبما جرى لي فيها، وبسبب إرسالي الهدية؛ فتعجب الخليفة من ذلك غاية العجب، وأمر المؤرخين أن يكتبوا حكايتي، ويجعلوها في خزانته ليعتبر بها كلُّ مَن رآها، ثم إنه أكرمني إكرامًا زائدًا، وقد أقمت بمدينة بغداد على ما كنت عليه في الزمن الأول، ونسيت جميع ما جرى لي، وما قاسيته من أوله إلى آخِره، ولم أزل في لذة عيش ولهو وطرب. وهذا ما كان من أمري في السفرة السادسة يا إخواني، وإن شاء الله تعالى في غدٍ أحكي لكم حكاية السفرة السابعة، فإنها أعجب وأغرب من هذه السفرات. ثم إنه أمر بمد السماط، وتعشوا عنده، وأمر السندباد البحري للسندباد الحمال بمائة مثقال من الذهب، فأخذها وانصرف إلى حال سبيله، وانصرف الجماعة وهم متعجبون من ذلك غاية العجب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.