فلما كانت الليلة ٥٦٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد البحري لما ذهب مع الشيخ إلى شاطئ البحر، ورأى الفلك الذي جاء فيه من خشب الصندل مفكوكًا، ورأى الدلَّال يدلِّل عليه، جاء التجار وفتحوا باب سعره، وتزايدوا فيه إلى أن بلغ ثمنه ألف دينار، وبعد ذلك توقَّفَ التجارُ عن الزيادة، فالتفتَ إليَّ الشيخ وقال: اسمع يا ولدي، هذا سعر بضاعتك في مثل هذه الأيام، فهل تبيعها بهذا السعر، أم تصبر وأنا أحطها لك عندي في حواصلي حتى يجيء أوانُ زيادتها في الثمن، فنبيعها لك؟ فقلت له: يا سيدي، الأمر أمرك فافعل ما تريد. فقال: يا ولدي، أتبيعني هذا الحطب بزيادة مائة دينار ذهبًا فوق ما أعطى فيه التجار؟ فقلت له: نعم بعتك وقبضت الثمن. فعند ذلك أمر غلمانه بنقل ذلك الخشب إلى حواصله، ثم إني رجعت معه إلى بيته، فجلسنا وعَدَّ لي جميع ثمن ذلك الحطب، وأحضر لي أكياسًا، وحطَّ المال فيها، وقفل عليها بقفل حديد وأعطاني مفتاحه، وبعد مدة أيام وليالٍ قال الشيخ: يا ولدي، إني أعرض عليك شيئًا، وأشتهي أن تطاوعني فيه. فقلت له: وما ذاك الأمر؟ فقال لي: اعلم أني بقيتُ رجلًا كبير السن، ليس لي ولد ذكر، وعندي بنت صغيرة السن ظريفة الشكل عندها مال كثير وجمال، فأريد أن أزوِّجها لك، وتقعد معها في بلادنا، ثم إني أُملِّكك جميع ما هو عندي وما تملكه يدي، فإني بقيت رجلًا كبيرًا وأنت تقوم مقامي. فسكتُّ ولم أتكلم، فقال لي: أَطِعْني يا ولدي في الذي أقوله لك؛ فإن مرادي لك الخير، فإن أَطَعْتَني زوَّجْتُك ابنتي، وتبقى مثل ولدي وجميع ما في يدي، وما هو ملكي يصير لك، وإن أردتَ التجارة والسفر إلى بلادك لا يمنعك أحد، وهذا مالك تحت يدك فافعل به ما تريده وما تختاره. فقلت له: والله يا عم الشيخ أنت صرتَ مثل والدي، وأنا قاسيت أهوالًا كثيرة، ولم يَبْقَ لي رأي ولا معرفة، فالأمر أمرك في جميع ما تريده.
فعند ذلك أمر الشيخ غلمانه بإحضار القاضي والشهود، فأحضروهم وزوَّجني ابنته، وعمل لنا وليمة عظيمة، وفرحًا كبيرًا، وأدخلني عليها، فرأيتها في غاية الحُسْن والجمال، بقَدٍّ واعتدال، وعليها شيء كثير من أنواع الحلي والحلل، والمعادن والمصاغ والعقود والجواهر الثمينة، وما قيمتها إلا ألوف الألوف من الذهب، ولا يقدر أحد على ثمنها. فلما دخلت عليها أعجبتني ووقعت المحبة بيننا، وأقمت معها مدة من الزمان وأنا في غاية الأنس والانشراح، وقد توفي والدها إلى رحمة الله تعالى، فجهَّزْناه ودفناه، ووضعت يدي على ما كان معه، وصار جميع غلمانه غلماني، وتحت يدي في خدمتي، وولَّاني التجار مرتبتَه؛ فإنه كان كبيرهم، ولم يأخذ أحد منهم شيئًا إلا بمعرفته وإذنه؛ لأنه شيخهم، وصرت أنا في مكانه. فلما خالطتُ أهل تلك المدينة وجدتهم تنقلب حالتهم في كل شهر، فتظهر لهم أجنحة يطيرون بها إلى عنان السماء، ولا يبقى متخلفًا في تلك المدينة غير الأطفال والنساء، فقلت في نفسي: إذا جاء رأس الشهر أسأل أحدًا منهم، فلعلهم يحملوني معهم إلى أين يروحون.
فلما جاء رأس ذلك الشهر تغيَّرَتْ ألوانهم، وانقلبت صورهم، فدخلت على واحد منهم وقلت له: بالله عليك أنك تحملني معك حتى أتفرج وأعود معكم. فقال لي: هذا شيء لا يمكن. فلم أزل أتداخل عليه حتى أنعم عليَّ بذلك، وقد وافقتهم وتعلقت به، فطار بي في الهواء، ولم أُعْلِم أحدًا من أهل بيتي ولا من غلماني ولا من أصحابي، ولم يزل طائرًا بي ذلك الرجل وأنا على أكتافه حتى علا بي في الجو، فسمعت تسبيح الأملاك في قبة الأفلاك، فتعجَّبْتُ من ذلك، وقلت: سبحان الله والحمد لله. فلم أستتم التسبيح حتى خرجَتْ نار من السماء كادت تحرقهم، فنزلوا جميعًا، وقد ألقوني على جبلٍ عالٍ، وقد صاروا في غاية الغيظ مني، ورحلوا وخلوني، فصرت وحدي في ذلك الجبل، فلمتُ نفسي على ما فعلتُ، وقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أنا كلما أخلص من مصيبة أقع في مصيبة أقوى منها! ولم أزل في ذلك الجبل، ولا أعلم أين أذهب، وإذا بغلامين سائرين كأنهما قمران، وفي يدِ كلِّ واحد منهما قضيب من ذهب يتعكز عليه، فتقدَّمْتُ إليهما، وسلَّمت عليهما، فَردَّا عليَّ السلام، فقلت لهما: بالله عليكما مَن أنتما؟ وما شأنكما؟ فقالا لي: نحن من عباد الله تعالى. ثم إنهما أعطياني قضيبًا من الذهب الأحمر الذي كان معهما، وانصرفا في حال سبيلهما وخلياني، فصرت أسير على رأس ذلك الجبل وأنا أتعكَّز بالعكاز، وأتفكر في أمر هذين الغلامين، وإذا بحية قد خرجت من تحت ذلك الجبل وفي فمها رجل بلعته إلى تحت سرته، وهو يصيح ويقول: مَن يخلِّصني يخلِّصه الله من كل شدة؟ فتقدَّمْتُ إلى تلك الحية وضربتُها بالقضيب الذهبي على رأسها، فرمت الرجل من فمها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.