فلما كانت الليلة ٥٦٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد البحري لما ضرب الحية بالقضيب الذهب الذي كان بيده، وألقت الرجل من فمها قال: فتقدَّمَ إليَّ الرجل وقال: حيث كان خلاصي على يديك من هذه الحية، فما بقيت أفارقك، وأنت صرت رفيقي في هذا الجبل. فقلت له: مرحبًا. وسرنا في ذلك الجبل، وإذا بقومٍ أقبلوا علينا، فنظرت إليهم فإذا فيهم الرجل الذي كان حملني على أكتافه وطار بي، فتقدَّمْتُ إليه واعتذرت له وتلطفت به، وقلت له: يا صاحبي، ما هكذا يفعل الأصحاب بأصحابهم! فقال لي الرجل: أنت الذي أهلكتنا بتسبيحك على ظهري. فقلت له: لا تؤاخذني، فإني لم يكن لي علم بهذا الأمر، ولكنني لا أتكلم بعد ذلك أبدًا. فسمح بأخذي معه، ولكن شرط عليَّ ألَّا أذكر الله ولا أسبِّحه على ظهره، ثم إنه حملني وطار بي مثل الأول حتى أوصلني إلى منزلي، فتلقَّتْني زوجتي وسلمت عليَّ، وهنتني بالسلامة وقالت لي: احترس من خروجك بعد ذلك مع هؤلاء الأقوام، ولا تعاشرهم؛ فإنهم إخوان الشياطين، ولا يعلمون ذكر الله تعالى. فقلت لها: كيف حال أبيك معهم؟ فقالت لي: إن أبي لم يكن منهم، ولم يعمل مثلهم، والرأي عندي حيث مات أبي أنك تبيع جميع ما عندنا وتأخذ بثمنه بضائع، ثم تسافر إلى بلادك وأهلك، وأنا أسير معك وليس لي حاجة بالقعود هنا في هذه المدينة بعد أمي وأبي. فعند ذلك صرت أبيع من متاع ذلك الشيخ شيئًا بعد شيء وأنا أترقب أحدًا يسافر من تلك المدينة، وأسير معه.
فبينما أنا كذلك وإذا بجماعة في المدينة قد أرادوا السفر ولم يجدوا لهم مركبًا، فاشتروا خشبًا وصنعوا لهم مركبًا كبيرة، فاكتريت معهم ودفعت إليهم الأجرة بتمامها، ثم نزلت زوجتي وجميع ما كان معنا في المركب وتركنا الأملاك والعقارات، وسرنا ولم نزل سائرين في البحر من جزيرة إلى جزيرة، ومن بحر إلى بحر، وقد طاب لنا ريح السفر حتى وصلنا بالسلامة إلى مدينة البصرة، فلم أقم بها، بل اكتريت مركبًا أخرى، ونقلت إليها جميع ما كان معي، وتوجهت إلى مدينة بغداد، ثم دخلت حارتي، وجئت إلى داري، وقابلت أهلي وأصحابي وأحبابي، وخزَّنت جميع ما كان معي من البضائع في حواصلي، وقد حسب أهلي مدة غيابي عنهم في السفرة السابقة، فوجدوها سبعًا وعشرين سنة حتى قطعوا الرجاء مني، فلما جئتهم وأخبرتهم بجميع ما كان من أمري وما جرى لي، صاروا كلهم يتعجبون من ذلك الأمر عجبًا كبيرًا، وقد هنوني بالسلامة، ثم إني تبت إلى الله تعالى عن السفر في البر والبحر بعد عدة السفرة السابقة التي هي غاية السفرات، وقاطعة الشهوات، وشكرت الله سبحانه وتعالى وحمدته، وأثنيتُ عليه حيث أعادني إلى أهلي وبلادي وأوطاني؛ فانظر يا سندباد يا بري ما جرى لي وما وقع لي، وما كان من أمري. فقال السندباد البري للسندباد البحري: بالله عليك لا تؤاخذني بما كان مني في حقك. ولم يزالوا في عِشْرة ومودة، مع بسط زائد وفرح وانشراح، إلى أن أتاهم هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ومخرب القصور ومعمر القبور، وهو كأس الممات، فسبحان الحي الذي لا يموت.
حكاية مدينة النحاس
بلغني أيضًا أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان بدمشق الشام، ملكٌ من الخلفاء يُسمَّى عبد الملك بن مروان، وكان جالسًا يوم من الأيام وعنده أكابر دولته من الملوك والسلاطين، فوقعت بينهم مُباحَثَة في حديث الأمم السالفة، وتذكروا أخبارَ سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام، وما أعطاه الله تعالى من الملك والحكم في الإنس والجن والطير والوحش وغير ذلك، وقالوا: قد سمعنا ممَّن كان قبلنا أن الله سبحانه وتعالى لم يُعْطِ أحدًا مثل ما أعطى سيدنا سليمان، وأنه وصل إلى شيء لم يصل إليه أحد، حتى إنه كان يسجن الجن والمَرَدة والشياطين في قماقم من النحاس، ويسبك عليهم بالرصاص، ويختم عليهم بخاتمه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.