فلما كانت الليلة ٥٧١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العفريت قال: لما نزل نبي الله سليمان عليه السلام بجيوشه حول الجزيرة، أرسل إلى ملكنا يقول له: ها أنا قد أتيتُ فاردد عن نفسك ما نزل، وإلا فادخل تحت طاعتي وقرَّ برسالتي، واكسر صنمك، واعبد الواحدَ المعبود، وزوِّجني بنتك بالحلال، وقُلْ أنت ومَن معك: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سليمان نبي الله. فإن قلتَ ذلك كان لك الأمان والسلامة، وإن أبيتَ فلا يمنعك تحصُّنُك مني في هذه الجزيرة؛ فإن الله تبارَكَ وتعالى أمر الريح بطاعتي، فأمرها أن تحملني إليك بالبساط، وأجعلك عبرة ونكالًا لغيرك. فجاءه الرسول وبلَّغَه رسالةَ نبي الله سليمان عليه السلام، فقال له: ليس لهذا الأمر الذي طلبه مني سبيل، فأعلِمْه أني خارج إليه. فعاد الرسول إلى سليمان وردَّ عليه الجواب، ثم إن الملك أرسل إلى أهل أرضه وجمع له من الجن الذين كانوا تحت يده ألف ألف، وضمَّ إليهم غيرهم من المَرَدة والشياطين الذين في جزائر البحار ورءوس الجبال، ثم جهَّزَ عساكره وفتح خزائن السلاح، وفرَّقَها عليهم.
وأما نبي الله سليمان عليه السلام، فإنه رتَّبَ جنوده وأمر الوحوش أن تنقسم شطرين؛ على يمين القوم وعلى شمالهم، وأمر الطيور أن تكون في الجزائر، وأمرها عند الحملة أن تختطف أعينهم بمناقيرها، وأن تضرب وجوههم بأجنحتها، وأمر الوحوش أن تفترس خيولهم، فقالوا: السمع والطاعة لله ولك يا نبي الله. ثم إن سليمان نبي الله نصب له سريرًا من المرمر مرصَّعًا بالجوهر مصفَّحًا بصفائح الذهب الأحمر، وجعل وزيره آصف بن برخيا على الجانب الأيمن، ووزيره الدمرياط على الجانب الأيسر، وملوك الإنس على يمينه، وملوك الجن على يساره، والوحوش والأفاعي والحيات أمامه، ثم زحفوا علينا زحفة واحدة، وتحارينا معه في أرض واسعة مدة يومين، ووقع بنا البلاء في اليوم الثالث، فنفذ فينا قضاء الله تعالى، وكان أول مَن حمل على سليمان أنا وجنودي، وقلت لأصحابي: الزموا مواطنكم حتى أبرز إليهم وأطلب قتال الدمرياط، وإذا به قد برز كأنه الجبل العظيم، ونيرانه تلتهب، ودخانه مرتفع، فأقبل ورماني بشهاب من نار فغلب سهمه على ناري، وصرخ عليَّ صرخةً عظيمة تخيَّلت منها أن السماء انطبقت عليَّ، وانهزت لصوته الجبال، ثم أمر أصحابه فحملوا علينا حملة واحدة، وحملنا عليهم، وصرخ بعضنا على بعض، وارتفعت النيران وعلا الدخان، وكادت القلوب أن تنفطر، وقامت الحرب على ساق، وصارت الطيور تقاتل في الهواء والوحوش تقاتل في الثرى، وأنا أقاتل الدمرياط حتى أعياني وأعييتُه، ثم بعد ذلك ضعفت وخذلت أصحابي وجنودي، وانهزمَتْ عشائري، وصاح نبي الله سليمان: خذوا هذا الجبار العظيم النحس الذميم. فحملت الإنس على الإنس، والجن على الجن، ووقعت بملكنا الهزيمة، وكنا لسليمان غنيمة، وحملت العساكر على جيوشنا، والوحوش حولهم يمينًا وشمالًا، والطيور فوق رءوسنا تخطف أبصار القوم تارةً بمخالبها، وتارةً بمناقيرها، وتارةً تضرب بأجنحتها في وجوه القوم، والوحوش تنهش الخيول وتفترس الرجال، حتى صار أكثر القوم على وجه الأرض كجذوع النخل، وأما أنا فطرتُ من بين أيادي الدمرياط، فتبعني مسيرة ثلاثة أشهر حتى لحقني، وقد وقعت كما تروني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.