فلما كانت الليلة ٥٧٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى دخل القصر فرأى حجرة كبيرة وأربع مجالس عالية كبار متقابلة واسعة، منقوشة بالذهب والفضة، مختلفة الألوان، وفي وسطها فسقية كبيرة من المرمر، وعليها خيمة من الديباج، وفي تلك المجالس جهات، وفي تلك الجهات فساقٍ مزخرفة وحيطان مرخمة ومجارٍ تجري من تحت تلك المجالس، وتلك الأنهر الأربعة تجري وتجتمع في بحيرة عظيمة مرخمة باختلاف الألوان. ثم قال الأمير موسى للشيخ عبد الصمد: ادخل بنا هذه المجالس. فدخلوا المجلس الأول فوجدوه مملوءًا من الذهب والفضة البيضاء واللؤلؤ والجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة، ووجدوا فيها صناديق مملوءة من الديباج الأحمر والأصفر والأبيض. ثم إنهم انتقلوا إلى المجلس الثاني ففتحوا خزانة فيه، فإذا هي مملوءة بالسلاح وآلات الحرب من الخوذ المذهبة، والدروع الداودية، والسيوف الهندية، والرماح الخطية، والدبابيس الخوارزمية، وغيرها من أصناف آلات الحرب والكفاح. ثم انتقلوا إلى المجلس الثالث فوجدوا فيه خزائن عليها أقفال مغلقة، وفوقها ستارات منقوشة بأنواع الطراز، ففتحوا منها خزانة فوجدوها مملوءة بالسلاح المزخرف بأنواع الذهب والفضة والجواهر. ثم إنهم انتقلوا إلى المجلس الرابع فوجدوا فيه خزائن، ففتحوا منها خزانة فوجدوها مملوءة بآلات الطعام والشراب من أصناف الذهب والفضة، وسكارج البلور، والأقداح المرصَّعة باللؤلؤ الرطب، وكاسات العقيق وغير ذلك، فجعلوا يأخذون ما يصلح لهم من ذلك، ويحمل كل واحد من العسكر ما يقدر عليه.
فلما عزموا على الخروج من تلك المجالس رأوا هناك بابًا من الساج متداخِلًا فيه العاج والأبنوس، وهو مصفَّح بالذهب الوهَّاج في وسط ذلك القصر، وعليه ستر مسبول من حرير منقوش بأنواع الطراز، وعليه أقفال من الفضة البيضاء تفتح بالحيلة بغير مفتاح، فتقدَّمَ الشيخ عبد الصمد إلى تلك الأقفال ففتحها بمعرفته وشجاعته وبراعته، فدخل القوم من دهليز مرخم، في جوانب ذلك الدهليز براقعُ عليها صور من أصناف الوحوش والطيور، وكل ذلك من ذهب أحمر وفضة بيضاء وأعينها من الدرر واليواقيت، تحير كلُّ مَن رآها. ثم وصلوا إلى قاعة مصنوعة، فلما رآها الأمير موسى والشيخ عبد الصمد اندهشَا من صنعتها. ثم إنهم عبروا فوجدوا قاعة مصنوعة من رخام مسقول منقوش بالجواهر، يتوهم الناظر أن في طريقه ماءً جاريًا لو مَرَّ عليه أحدٌ لزلق، فأمر الأميرُ موسى الشيخَ عبد الصمد أن يطرح عليها شيئًا حتى يتمكَّنوا أن يمشوا عليها، ففعل ذلك وتحيَّل حتى عبروا فوجدوا فيها قبة عظيمة مبنية بحجارة مطلية بالذهب الأحمر، لم يشاهد القوم في جميع ما رأوه أحسن منها، وفي وسط تلك القبة قبة عظيمة كبيرة من المرمر، بدائرها شبابيك منقوشة مرصَّعة بقضبان الزمرد لا يقدر عليها أحد من الملوك، وفيها خيمة من الديباج منصوبة على أعمدة من الذهب الأحمر، وفيها طيور أرجلها من الزمرد الأخضر، وتحت كل طير شبكة من اللؤلؤ الرطب مجللة على فسقية، وموضوع على الفسقية سرير مرصَّع بالدر والجواهر والياقوت، وعلى السرير جارية كأنها الشمس الضاحية، لم يَرَ الراءون أحسن منها، وعليها ثوب من اللؤلؤ الرطب، وعلى رأسها تاج من الذهب الأحمر وعصابة من الجوهر، وفي عنقها عقد من الجوهر، وفي وسطه جواهر مشرقة، وعلى جبينها جوهرتان نورهما كنور الشمس، وهي كأنها ناظرة إليهم تتأملهم يمينًا وشمالًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.