فلما كانت الليلة ٥٧٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير انعزل عن الجارية مدة سنة كاملة ولم يكلِّمها وهي لا تعلم ما سبب غيظه، فلما طال بها المطال، ولم تعلم ما سبب ذلك، أرسلَتْ إلى أبيها وأعلمَتْه بما جرى لها معه من انعزاله عنها مدة سنة كاملة. فقال لها أبوها: إني أشكوه حين يكون بحضرة الملك. فدخل يومًا من الأيام فوجده بحضرة الملك وبين يديه قاضي العسكر، فادَّعَى عليه فقال: أصلح الله تعالى حال الملك، إنه كان لي روضة حسنة غرستُها بيدي، وأنفقت عليها مالي حتى أثمرت، وطاب جناها، فأهديتها لوزيرك هذا، فأكل منها ما طاب له، ثم رفضها ولم يسقها، فيبس زهرها، وذهب رونقها، وتغيَّرَتْ حالتها. فقال الوزير: أيها الملك، صدَقَ هذا في مقالته، إني كنت أحفظها وآكل منها، فذهبتُ يومًا إليها، فرأيت أثر الأسد هناك، فخفت على نفسي منه، فعزلت نفسي عنها. ففهم الملك أن الأثر الذي وجده الوزير هو خاتم الملك الذي نسيه في البيت، فقال الملك عند ذلك لوزيره: ارجع أيها الوزير لروضتك وأنت آمِن مطمئن، فإن الأسد لم يقربها، وقد بلغني أنه وصل إليها ولكن لم يتعرَّض لها بسوء وحرمة آبائي وأجدادي. فقال الوزير عند ذلك: سمعًا وطاعة. ثم إن الوزير رجع إلى بيته، وأرسل إلى زوجته وصالَحَها ووثق بصيانتها.
حكاية التاجر وزوجته والدرة
وبلغني أيها الملك أيضًا أن تاجرًا كان كثير الأسفار، وكانت له زوجة جميلة يحبها ويغار عليها من كثرة المحبة، فاشترى لها درةً، فكانت الدرة تُعلِم سيدها بما جرى في غيبته، فلما كان في بعض أسفاره تعلَّقَتِ امرأة التاجر بغلام كان يدخل عليها فتكرمه وتواصله مدة غياب زوجها، فلما قدِمَ زوجها من سفره أعلمَتْه الدرة بما جرى، وقالت له: يا سيدي، غلام تركي كان يدخل على زوجتك في غيابك، فتكرمه غاية الإكرام. فهَمَّ الرجل بقتل زوجته، فلما سمعت زوجته ذلك قالت له: يا رجل، اتَّقِ الله وارجع إلى عقلك، هل يكون لطيرٍ عقلٌ أو فهمٌ؟ وإن أردتَ أن أبيِّن لك ذلك لتعرف كذبها من صدقها، فامضِ هذه الليلة ونَمْ عند بعض أصدقائك، فإذا أصبحتَ فتعالَ لها واسألها حتى تعلم هل تصدق هي فيما تقول أو تكذب؟ فقام الرجل وذهب إلى بعض أصدقائه فبات عنده، فلما كان الليلة عمدت زوجة الرجل إلى قطعة نطع غطَّتْ به قفص الدرة، وجعلت ترش على ذلك النطع شيئًا من الماء وتروح عليها بمروحة، وتقرب إليها السراج على صورة لمعان البرق، وصارت تدير الرحى إلى أن أصبح الصباح.
فلما جاء زوجها قالت له: يا مولاي، اسأل الدرة. فجاء زوجها إلى الدرة يحدِّثها ويسألها عن ليلتها الماضية، فقالت له الدرة: يا سيدي، ومَن كان ينظر أو يسمع في الليلة الماضية؟ فقال لها: لأي شيء؟ فقالت: يا سيدي من كثرة المطر والريح والرعد والبرق. فقال لها: كذبتِ، إن الليلة التي مضت ما كان فيها شيء من ذلك. فقالت الدرة: ما أخبرتك إلا بما عاينتُ وشاهدتُ وسمعتُ. فكذَّبَها في جميع ما قالته عن زوجته، وأراد أن يصالح زوجته فقالت: والله ما أصطلح حتى تذبح هذه الدرة التي كذبت عليَّ. فقام الرجل إلى الدرة وذبحها، ثم أقام بعد ذلك مع زوجته مدة أيام قلائل، ثم رأى في بعض الأيام ذلك الغلام التركي وهو خارج من بيته، فعلم صدق قول الدرة وكذب زوجته، فندم على ذبح الدرة، ودخل من وقته وساعته على زوجته وذبحها، وأقسَمَ على نفسه أنه لا يتزوج بعدها امرأة مدة حياته. وما أعلمتك أيها الملك إلا لتعلم أن كيدهن عظيم، والعجلة تورث الندامة. فرجع الملك عن قتل ولده.
حكاية القصار وولده
فلما كان في اليوم الثاني دخلت عليه الجارية وقبَّلَتِ الأرض بين يديه، وقالت له: أيها الملك، كيف أهملتَ حقي، وقد سمع الملوك عنك أنك أمرتَ بأمرٍ ثم نقضه وزيرك؟ وطاعة الملك من نفاذ أمره، وكل أحد يعلم عدلك وإنصافك، فأنصفني من ولدك، فقد بلغني أن رجلًا قصارًا كان يخرج كل يوم إلى شاطئ دجلة يقصر القماش، ويخرج معه ولده فينزل النهر ليعوم فيه مدة إقامته، ولم يَنْهَه والده عن ذلك. فبينما هو يعوم يومًا من الأيام إذ تعبت سواعده فغرق، فلما نظر إليه أبوه وثب عليه وترامى إليه، فلما أمسكه أبوه تعلَّقَ به ذلك الولد، فغرق الأب والابن جميعًا، فكذلك أنت أيها الملك، إذا لم تَنْهَ ولدك وتأخذ حقي منه، أخاف عليك أن يغرق كلٌّ منكما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.