فلما كانت الليلة ٥٨٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما حكت للملك حكايةَ القصار وولده، وقالت: أخاف أن تغرق أنت وولدك أيضًا.
حكاية اتهام غير عادل في زوجته
قالت: وكذلك بلغني من كيد الرجال أن رجلًا عشق امرأة وكانت ذات حُسْن وجمال، وكان لها زوج يحبها وتحبه، وكانت تلك المرأة صالحة عفيفة، ولم يجد الرجل العاشق إليها سبيلًا، فطال عليه الحال ففكَّرَ في الحيلة، وكان لزوج المرأة غلام ربَّاه في بيته، وذلك الغلام أمين عنده، فجاء إليه ذلك العاشق وما زال يلاطفه بالهدية والإحسان إلى أن صار الغلام طوعًا له فيما يطلبه منه، فقال له يومًا من الأيام: يا فلان، أَمَا تدخل بي منزلكم إذا خرجَتْ سيدتك منه؟ فقال له: نعم. فلما خرجت سيدته إلى الحمام وخرج سيده إلى الدكان، جاء الغلام إلى صاحبه وأخذ بيده إلى أن أدخله المنزل، ثم عرض عليه جميع ما في المنزل، وكان العاشق مصممًا على مكيدة يكيد بها المرأة، فأخذ بياض بيضه معه في إناء، ودنا من فراش الرجل وسكبه على الفراش من غير أن ينظر إليه الغلام، ثم خرج من المنزل ومضى إلى حال سبيله، ثم بعد ساعة دخل الرجل فأتى الفراش ليستريح عليه، فوجد فيه بللًا فأخذه بيده، فلما رآه ظنَّ في عقله أنه منيُّ رجل، فنظر إلى الغلام بعين الغضب، ثم قال له: أين سيدتك؟ فقال له: ذهبت إلى الحمام وتعود في هذه الساعة. فتحقَّقَ ظنُّه وغلب على عقله أنه منيُّ رجال، فقال للغلام: اخرج في هذه الساعة وأحضر سيدتك.
فلما حضرت بين يديه وثب قائمًا إليها وضربها ضربًا عنيفًا، ثم كتَّفَها وأراد أن يذبحها، فصاحت على الجيران فأدركوها فقالت لهم: إن هذا الرجل يريد أن يذبحني ولا أعرف لي ذنبًا. فقام عليه الجيران وقالوا له: ليس لك عليها سبيل، إما أن تطلقها وإما أن تمسكها بمعروف، فإننا نعرف عفافها، وهي جارتنا مدة طويلة، ولم نعلم عليها سوءًا أبدًا. فقال: إني رأيت في فراشي منيًّا كمني الرجال، وما أدري ما سبب ذلك. فقام رجل من الحاضرين وقال له: أَرِني ذلك. فلما رآه الرجل قال: أحضِرْ لي نارًا ووعاء. فلما أحضر له ذلك أخذ البياض وقلاه على النار وأكل منه الرجل، وأطعمه للحاضرين، فتحقَّقَ الحاضرون أنه بياض بيض، فعلم الرجل أنه ظالم لزوجته وأنها بريئة من ذلك. ثم دخل عليه الجيران وصالحوه هو وإياها بعد أن طلَّقَها، وبطلت حيلة ذلك الرجل فيما دبَّرَه من المكيدة لتلك المرأة وهي غافلة. فاعلم أيها الملك أن هذا من كيد الرجال. فأمر الملك بقتل ولده، فتقدَّمَ الوزير الثاني وقبَّلَ الأرض بين يديه، وقال له: أيها الملك، لا تعجل على قتل ولدك، فإن أمه ما رُزِقته إلا بعد يأس، ونرجو أن يكون ذخيرة في ملكك، وحافظًا على مالك، فتصبر أيها الملك عليه، لعل له حجة يتكلم بها، فإن عجلت على قتله ندمتَ كما ندم الرجل التاجر. قال له الملك: وكيف كان ذلك؟ وما حكايته يا وزير؟
حكاية التاجر البخيل والخبز
قال: بلغني أنه كان تاجر لطيف في مأكله ومشربه، فسافَرَ يومًا من الأيام إلى بعض البلاد، فبينما هو يمشي في أسواقها وإذا بعجوز معها رغيفان، فقال لها: هل تبيعيهما؟ فقالت له: نعم. فساومها بأرخص ثمن واشتراهما منها وذهب بهما إلى منزله، فأكلهما ذلك اليوم. فلما أصبح الصباح عاد إلى ذلك المكان، فوجد العجوز ومعها الرغيفان، فاشتراهما أيضًا منها، ولم يزل كذلك مدة عشرين يومًا، ثم غابت العجوز عنه فسأل عنها فلم يجد لها خبرًا. فبينما هو ذات يوم من الأيام في بعض شوارع المدينة إذ وجدها، فوقف وسلَّمَ عليها وسألها عن سبب غيابها وانقطاع الرغيفين عنه، فلما سمعت العجوز كلامه تكاسلت عن رد الجواب، فأقسم عليها أن تخبره عن أمرها. فقالت له: يا سيدي، اسمع مني الجواب، وما ذلك إلا أني كنت أخدم إنسانًا، وكانت به آكلة في صلبه، وكان عنده طبيب يأخذ الدقيق ويلته بسمن ويجعله على الموضع الذي فيه الوجع طول ليلته إلى أن يصبح الصباح، فآخذ ذلك الدقيق وأجعله رغيفين وأبيعهما لك أو لغيرك، وقد مات ذلك الرجل فانقطع عني الرغيفان. فلما سمع التاجر ذلك الكلام قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.