فلما كانت الليلة ٥٨١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما أخبرت التاجر بسبب الرغيفين قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولم يزل التاجر يتقيَّأ إلى أن مرض وندم، ولم يفده الندم.
حكاية امرأة مع العاشقَيْن
وبلغني أيها الملك من كيد النساء أن رجلًا كان يقف بالسيف على رأس ملك من الملوك، وكان لذلك الرجل جارية يهواها، فبعث إليها يومًا من الأيام غلامه برسالة على العادة بينهما، فجلس الغلام عندها ولاعَبَها فمالت إليه وضمَّتْه إلى صدرها، فطلب منها المجامعة فطاوعته، فبينما هما كذلك، وإذا بسيد الغلام قد طرق الباب، فأخذت الغلام ورمته في طابق عندها، ثم فتحت الباب، فدخل وسيفه بيده، فجلس على فراش المرأة، فأقبلت عليه تمازجه وتلاعبه وتضمه إلى صدرها وتقبِّله، فقام الرجل إليها وجامَعَها، وإذا بزوجها يدق عليها الباب فقال لها: مَن هذا؟ قالت: زوجي. فقال لها: كيف أفعل؟ وكيف الحيلة في ذلك؟ فقالت له: قم سلَّ سيفك وقف على الدهليز، ثم سبَّنِي واشتمني، فإذا دخل عليك زوجي فاذهب وامضِ إلى حال سبيلك. ففعل ذلك، فلما دخل زوجها رأى خازندار الملك واقفًا وسيفه مسلول بيده، وهو يشتم زوجته ويهدِّدها، فلما رآه الخازندار استحى وأغمد سيفه وخرج من البيت، فقال الرجل لزوجته: ما سبب ذلك؟ فقالت له: يا رجل، ما أبرك هذه الساعة التي أتيت فيها، قد أعتقتَ نفسًا مؤمنة من القتل، وما ذاك إلا أنني كنت فوق السطح أغزل، وإذا بغلام قد دخل عليَّ مطرودًا ذاهبَ العقل وهو يلهث خوفًا من القتل، وهذا الرجل مجرد سيفه وهو يسرع وراءه ويجدُّ في طلبه، فوقع الغلام عليَّ وقبَّلَ يدي ورجلي وقال: يا سيدتي، أعتقيني ممَّن يريد قتلي ظلمًا. فخبَّأْتُه في الطابق الذي عندنا، فلما رأيت هذا الرجل قد دخل وسيفه مسلول أنكرته منه حين طلبه مني، فصار يشتمني ويهدِّدني كما رأيتَ، والحمد لله الذي ساقك لي، فإني كنت حائرةً وليس عندي أحد ينقذني. فقال لها زوجها: نِعْمَ ما فعلتِ يا امرأة، أجرُكِ على الله فيجازيك بفعلك خيرًا. ثم إن زوجها ذهب إلى الطابق ونادى الغلام، وقال له: اطلع لا بأسَ عليك. فطلع من الطابق وهو خائف، والرجل يقول له: أَرِحْ نفسك لا بأس عليك. وصار يتوجع لما أصابه والغلام يدعو لذلك الرجل، ثم خرجَا جميعًا ولم يعلمَا بما دبَّرَتْ هذه المرأة. فاعلم أيها الملك أن هذا من جملة كيد النساء، فإياك والركون إلى قولهن. فرجع الملك عن قتل ولده.
فلما كان اليوم الثالث، دخلت الجارية على الملك وقبَّلَتِ الأرض بين يديه، وقالت له: أيها الملك، خذ لي حقي من ولدك، ولا ترجع إلى قول وزرائك، فإن وزراء اليوم لا خير فيهم، ولا تكن كالملك الذي ركن إلى قول وزير السوء من وزرائه. فقال لها الملك: وكيف كان ذلك؟
حكاية ابن الملك والجارية الشنيعة المنظر
قالت: بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد، أن ملكًا من الملوك كان له ولد يحبه ويكرمه غاية الإكرام، ويفضِّله على سائر أولاده، فقال له يومًا من الأيام: يا أبتي، إني أريد أن أذهب إلى الصيد والقنص. فأمر بتجهيزه، وأمر وزيرًا من وزرائه أن يخرج معه في خدمته، ويقضي له جميع مهماته في سفره، فأخذ ذلك الوزير جميع ما يحتاج إليه الولد في السفر، وخرج معهما الخَدَم والنوَّاب والغلمان، وتوجَّهوا إلى الصيد حتى وصلوا إلى أرض مخضرة ذات عشب ومرعًى ومياه، والصيد فيها كثير، فتقدَّمَ ابن الملك للوزير وعرفه بما أعجبه من النزه، فأقاموا بتلك الأرض مدة أيام، وابن الملك في أطيب عيش وأرغده. ثم أمرهم ابن الملك بالانصراف، فاعترضته غزالة قد انفردت عن رفقتها، فاشتاقت نفسه إلى اقتناصها وطمع فيها، فقال للوزير: إني أريد أن أتبع هذه الغزالة. فقال له الوزير: افعل ما بَدَا لك. فتبعها الولد منفردًا وحده، وطلبها طول النهار إلى أن أمسى الليل، فصعدت الغزالة إلى محل وعر، وأظلم على الولد الليل، وأراد الرجوع فلم يعرف أين يذهب، فبقي متحيِّرًا في نفسه، وما زال راكبًا على ظهر فرسه إلى أن أصبح الصباح ولم يلقَ فرجًا لنفسه، ثم سار ولم يزل سائرًا خائفًا جائعًا عطشانًا وهو لا يدري أين يذهب، حتى انتصف عليه النهار، وحميت عليه الرمضاء، وإذا هو قد أشرف على مدينة عالية البنيان مشيدة الأركان، وهي قفراء خراب ليس فيها غير البوم والغراب. فبينما هو واقف عند تلك المدينة يتعجَّب من رسومها إذ لاحت منه نظرة، فرأى جارية ذات حُسْن وجمال تحت جدار من جدرانها وهي تبكي، فدَنَا منها وقال لها: مَن تكونين؟ فقالت له: أنا بنت التميمة ابنة الطياخ ملك الأرض الشهباء، خرجتُ ذات يوم من الأيام أقضي حاجةً لي، فاختطفني عفريت من الجن، وطار بين السماء والأرض، فنزل عليه شهاب من نارٍ فاحترق فسقطتُ ها هنا، ولي ثلاثة أيام بالجوع والعطش، فلما نظرتُك طمعتُ في الحياة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.