فلما كانت الليلة ٥٨٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن ملك الجن قال لابن ملك الإنس: حيث تبرأ من علتك تعود إلى أهلك أسرع من طرفة عين. ففرح بذلك ولم يزالَا سائرين إلى أن أصبح الصباح، وإذا هم بأرض مخضرة نَضِرة ذات أشجار باسقة، وأطيار ناطقة، ورياض فائقة، وقصور رايقة، فنزل ابن ملك الجن عن جواده وأمر الولد بالنزول فنزل، وأخذ بيده ودخلا في بعض تلك القصور؛ فنظر ابن الملك إلى مُلْكٍ عالٍ وسلطانٍ له شأن، فأقام عنده ذلك اليوم في أكل وشرب إلى أن أقبل الليل، فقام ابن ملك الجن وركب جواده وركب ابن ملك الإنس معه وخرجَا تحت الليل مُجِدِّين السير إلى أن أصبح الصباح، وإذا هما بأرض سوداء غير عامرة، ذات صخور وأحجار سود كأنها قطعة من جهنم؛ فقال له ابن ملك الإنس: ما يقال لهذه الأرض؟ فقال له: يقال لها الأرض الدهماء، لملك من ملوك الجن اسمه ذو الجناحين، لم يقدر أحد من الملوك أن يسطو عليه ولا يدخلها أحدٌ إلا بإذنه، فقف في مكانك حتى نستأذنه. فوقف الشاب، ثم غاب عنه ساعةً وعاد إليه وسارا.
ولم يزالا سائرين حتى انتهيا إلى عين ماء تسيل من جبال سود، فقال للشاب: انزل. فنزل الشاب من فوق جواده، ثم قال له: اشرب من هذه العين. فشرب منها الشاب، فعاد لوقته وساعته ذكرًا كما كان أولًا بقدرة الله تعالى؛ ففرح الشاب فرحًا شديدًا ما عليه من مزيد، ثم قال له: يا أخي، ما يقال لهذه العين؟ فقال له: يقال لها عين النساء، لا تشرب منه امرأة إلا صارت رجلًا، فاحمد الله واشكره على العافية، واركب جوادك. فسجد ابن الملك شكرًا لله تعالى، ثم ركب وسارا يُجِدَّان السير بقية يومهما حتى رجعَا إلى أرض ذلك الجني، فبات الشاب عنده في أرغد عيش، ولم يزالا في أكل وشرب إلى أن جاء الليل، ثم قال له ابن ملك الجن: أتريد أن ترجع إلى أهلك في هذه الليلة؟ فقال: نعم أريد ذلك؛ لأني محتاج إليه. فدعا ابن ملك الجان بعبدٍ له من عبيد أبيه اسمه راجز، وقال له: خذ هذا الفتى من عندي واحمله على عاتقك، ولا تخل الصباح يصبح عليه إلا وهو عند صهره وزوجته. فقال له العبد: سمعًا وطاعةً، وحبًّا وكرامةً. ثم غاب العبد عنه ساعة وأقبل وهو في صورة عفريت، فلما رآه الفتى طار عقله واندهش، فقال له ابن ملك الجن: لا بأسَ عليك، اركب جوادك واعلُ به فوق عاتقه. فقال الشاب: بل أركب أنا وأترك الجواد عندك. ثم نزل الشاب عن الجواد وركب على عاتقه، فقال له ابن ملك الجن: أغمض عينيك. فأغمض عينيه وطار به بين السماء والأرض، ولم يزل طائرًا به، ولم يدرِ الشاب بنفسه، فما جاء ثلث الليل الأخير إلا وهو على قصر صهره، فلما نزل على قصره قال له العفريت: انزل. فنزل، وقال له: افتح عينيك، فهذا قصر صهرك وابنته. ثم تركه ومضى، فلما أضاء النهار وسكن الشاب من روعه نزل من فوق القصر، فلما نظره صهره قام إليه وتلقَّاه وتعجَّب حيث رآه فوق القصر، ثم قال له: إنَّا رأينا الناس تأتي من الأبواب وأنت تنزل من السماء؟ فقال له: قد كان الذي أراده الله سبحانه وتعالى. فتعجَّب الملك من ذلك وفرح بسلامته.
فلما طلعت الشمس أمر صهرُه وزيرَه أن يعمل الولائم العظيمة، فعمل الولائم واستقام العرس، ثم دخل على زوجته وأقام مدة شهرين، ثم ارتحل بها إلى مدينة أبيه. وأما ابن عم الجارية فإنه هلك من الغيرة والحسد لما دخل بها ابن الملك ونصره الله سبحانه وتعالى عليه وعلى وزير أبيه، ووصل إلى أبيه بزوجته على أتم حال وأكمل سرور، فتلقاه أبوه بعسكره ووزرائه. وأنا أرجو الله تعالى أن ينصرك على وزرائك أيها الملك، وأنا أسألك أن تأخذ حقي من ولدك. فلما سمع الملك ذلك منها أمر بقتل ولده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.