فلما كانت الليلة ٥٨٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما حكت للملك وقالت: أسألك أن تأخذ حقي من ولدك أمر بقتله، وكان ذلك في اليوم الرابع، فدخل على الملكِ الوزيرُ الرابع، وقبَّلَ الأرض بين يديه، وقال: ثبَّتَ الله الملك وأيَّده، أيها الملك، تأنَّ في هذا الأمر الذي عزمتَ عليه؛ لأن العاقل لا يعمل عملًا حتى ينظر في عاقبته، وصاحب المثل يقول: «مَن لم يتدبَّر في العواقب، فما الدهر له بصاحب.» ومَن عمل عملًا بغير تثبُّت، أصابه ما أصاب الحمَّامي في زوجته. فقال له الملك: وما أصاب الحمَّامي في زوجته؟
حكاية ولد الوزير وزوجة الحمَّامي
فقال له الوزير: بلغني أيها الملك أن حماميًّا كان يدخل عنده أكابرُ الناس ورؤساؤهم، فدخل عنده يومًا من الأيام شاب حسن الصورة من أولاد الوزراء، وذلك الشاب سمين ضخم الجسم، فصار الحمامي واقفًا في خدمته؛ فلما تجرَّدَ الشاب من ثيابه، لم يَرَ ذَكَرَه الحمَّاميُّ؛ لأنه غاب بين فخذيه من شدة السمن، ولم يظهر منه إلا مثل البندقة، فصار الحمامي يتأسف ويضرب يده على الأخرى، فلما رآه الشاب قال له: ما لك يا حمامي تتأسَّف؟ فقال له: يا سيدي، تأسُّفي عليك لأنك في حصر شديد، مع أنك في هذه النعمة والحُسْن والجمال العظيم، وليس معك شيء تتمتَّع به مثل الرجال. فقال له الشاب: صدقتَ فيما قلتَ، ولكن ذكَّرْتَني بشيء كنتُ غافلًا عنه. فقال له الحمَّامي: وما هو؟ فقال له: تأخذ مني هذا الدينار وتُحضِر لي امرأة مليحة حتى أجرِّب نفسي فيها. فأخذ الحمامي الدينار وسار إلى زوجته وقال لها: يا امرأتي، قد دخل عندي في الحمَّام شاب من أولاد الوزراء، وهو كالبدر ليلة تمامه، وليس له ذَكَر مثل الرجال، وما معه إلا شيء يسير مثل البندقة، وقد تأسَّفْتُ على شبابه، وإنه أعطاني هذا الدينار وسألني أن آتيه بامرأةٍ يجرِّب نفسه فيها، وأنتِ أحقُّ بالدينار، وما علينا في ذلك من بأس وأنا أستر عليكِ، فاقعدي معه ساعة تضحكين عليه وخذي هذا الدينار منه. فأخذت زوجة الحمَّامي منه ذلك الدينار. ثم إنها قامت وتزينت ولبست أفخر ملبوسها، وكانت مليحة زمانها، ثم إنها خرجت مع زوجها إلى أن أدخلها على ابن الوزير في موضعٍ خالٍ، فلما حضرت عنده ورأته وجدته شابًّا حسنًا جميل المنظر كأنه البدر في كماله، فاندهشَتْ من حُسْنه وجماله.
ثم إن الشاب لما نظر إليها ذهل عقله ولبه من وقته، ومكث هو وإياها وقفلَا عليهما الباب. ثم إن الشاب أخذ تلك الصبية وضمَّها إلى صدره وتعانَقَا، فانتشر من ذلك الشاب ذَكَر مثل ذَكَر الحمار، وركب على صدر زوجة الحمامي ساعة طويلة، وهي تبكي وتصرخ تحته وتهرج وتمرج، فصار الحمَّامي يناديها ويقول لها: يا أم محمد يكفيكِ، اخرجي قد طال النهار على ابنك الرضيع. فيقول لها الشاب: اخرجي إلى ابنك وتعالي. فتقول له: إن خرجتُ من عندك طلعت روحي، ومن قبل ابني، فأنا أتركه يموت من البكاء أو يتربى يتيمًا بلا أم. وما زالت عند الشاب إلى أن قضى حاجته منها عشر مرات، وزوجها قدام الباب ينادي ويصيح ويبكي ويتسغيث فلا يغاث، وما زال كذلك وهو يقول: قتلت نفسي. ولم يجد إلى زوجته وصولًا، واشتدَّ بالحمَّامي البلاء والغيرة، فطلع على أعلى الحمام وارتمى من فوقه فمات.
حكاية امرأة جميلة والشاب والعجوز
وبلغني أيضًا أيها الملك من كيد النساء حكاية أخرى. قال له الملك: وما بلغك؟ فقال له: بلغني أيها الملك أن امرأة ذات حُسْسن وجمال، وبهاء وكمال، لم يكن لها نظير، فنظرها بعض الشبان الغاوين، فتعلَّقَ بها شاب وأحَبَّها محبة عظيمة، وكانت تلك المرأة عفيفة عن الزنا، وليس لها فيه رغبة، فاتفق أن زوجها سافَرَ يومًا من الأيام إلى بعض البلاد، فصار الشاب كل يوم يرسل إليها مرات عديدة ولم تجبه، فقصد الشاب عجوزًا كانت ساكنة بالقرب فسلَّمَ عليها، وقعد يشكو إليها ما أصابه من المحبة وما هو عليه من عشق المرأة، وأخبرها أنه مراده وصالها، فقالت له العجوز: أنا أضمن لك ذلك ولا بأس عليك، وأنا أبلغك ما تريد إن شاء الله تعالى. فلما سمع الشاب كلامها دفع لها دينارًا، ثم انصرف إلى حال سبيله. فلما أصبح الصباح دخلت العجوز على المرأة وجدَّدَتْ معها عهدًا ومعرفة، وصارت العجوز تتردد إليها في كل يوم وتتغدى وتتعشى عندها، وتأخذ من عندها بعض الطعام إلى أولادها، وصارت تلك العجوز تلاعبها وتباسطها إلى أن أفسدت حالها، وصارت لا تقدر على مفارقة العجوز ساعة واحدة، فاتفق في بعض الأيام أن العجوز وهي خارجة من عند المرأة كانت تأخذ خبزًا وتجعل فيه شحمًا وفلفلًا، وتُطعِمه إلى كلبة مدة أيام، فجعلت الكلبة تتبعها من أجل الشفقة والحسنة، فأخذت لها يومًا شيئًا كثيرًا من الفلفل والشحم وأطعمته للكلبة، فلما أكلته صارت عيناها تدمع من حرارة الفلفل، ثم تبعتها الكلبة وهي تبكي، فتعجَّبَتْ منها الصبية غاية العجب، ثم قالت للعجوز: يا أمي، ما سبب بكاء هذه الكلبة؟ فقالت لها: يا بنتي هذه لها حكاية عجيبة، فإنها كانت صبية وكانت صاحبتي ورفيقتي، وكانت صاحبة حُسْن وجمال وبهاء وكمال، وكان قد تعلَّقَ بها شاب في الحارة، وزاد بها حبًّا وشغفًا حتى لزم الوسادة، وأرسل إليها مرات عديدة لعلها ترقُّ له وترحمه، فأبت، فنصحتها وقلت لها: يا بنتي، أطيعيه في جميع ما قاله وارحميه، واشفقي عليه. فما قبلت نصيحتي، فلما قلَّ صبر هذا الشاب شكا لبعض أصحابه، فعملوا لها سحرًا وقلبوا صورتها من صورة البشر إلى صورة الكلاب، فلما رأت ما حصل لها وما هي فيه من الأحوال وانقلاب الصورة، ولم تجد أحدًا من المخلوقين يشفق عليها غيري، جاءتني إلى منزلي وصارت تستعطف بي وتقبِّل يدي ورجلي، وتبكي وتنتحب، فعرفتها وقلت لها: كثيرًا ما نصحتك فلم يفدك نصحي شيئًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.