فلما كانت الليلة ٥٨٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز صارت تحكي للمرأة خبر الكلبة وتعرفها عن حالها بمكر وخداع، لأجل موافقتها لغرض تلك العجوز، وجعلت تقول لها: لما جاءتني هذه الكلبة المسحورة وبكت قلت لها: كم نصحتك! ولكن يا بنتي لما رأيتها في هذه الحالة شفقت عليها وأبقيتها عندي، فهي على هذه الحالة، وكلما تتفكَّر حالتها الأولى تبكي على نفسها. فلما سمعت الصبية كلامَ العجوز حصل لها رعب كبير، وقالت لها: يا أمي، والله إنك خوَّفتني بهذه الحكاية. فقالت لها العجوز: من أي شيء تخافين؟ فقالت لها: إن شابًّا مليحًا متعلِّقًا بحبي، وأرسل لي مرات وأنا أمتنع منه، وأنا اليوم أخاف أن يحصل لي مثل ما حصل لهذه الكلبة. فقالت لها العجوز: احذري يا بنتي أن تخالفي، فإني أخاف عليك كثيرًا، وإذا كنتِ لم تعرفي محله فأخبريني بصفته وأنا أجيء به إليك، ولا تخل قلب أحدٍ يتغيَّر عليك. فوصفته لها وجعلت تتغافل وتريها أنها لم تعرفه، وقالت لها: لما أقوم وأسأل عنه. فلما خرجت من عندها ذهبت إلى الشاب وقالت له: طِبْ نفسًا قد لعبت بعقل الصبية فأنت في غدٍ وقت الظهر تحضر وتقف لي عند رأس الحارة، حتى أجيء فآخذك وأذهب بك إلى منزلها وتنبسط عندها بقية النهار وطول الليل. ففرح الشاب فرحًا شديدًا وأعطاها دينارين وقال لها: لما أقضي حاجتي أعطي لك عشرة دنانير. فرجعت إلى الصبية وقالت لها: عرفته وكلمته في شأن ذلك فرأيته غضبانًا عليك كثيرًا وعازمًا على ضررك، فما زلتُ أستعطف بخاطره على حضوره في غد عند آذان الظهر. ففرحت الصبية فرحًا شديدًا وقالت لها: يا أمي، إن طاب خاطره وجاءني وقت الظهر أعطيكي عشرة دنانير. فقالت لها العجوز: لا تعرفي حضوره إلا مني.
فلما أصبح قالت لها العجوز: أحضري الغداء وتزيَّني والبسي أعزَّ ما عندك حتى أذهب إليه وأجيء به إليك. فقامت تزين نفسها وتهيِّئ الطعام، وأما العجوز فإنها خرجت في انتظار الشاب فلم يأتِ، فدارت تفتِّش عليه فلم تقف له على خبر، فقالت في نفسها: كيف العمل؟ أيروح هذا الأكل الذي فعلته خسارة والوعد الذي وعدتني به من الدراهم؟ ولكن لم أخل هذه الحيلة تروح بلا شيء، بل أفتش لها على غيره، وأجيء به إليها. فبينما هي كذلك تدور في الشارع إذ نظرت شابًّا حسنًا جميلًا على وجهه أثر السفر، فتقدَّمت إليه وسلمت عليه، وقالت له: هل لك في طعام وشراب وصبية مهيَّأة؟ فقال لها الرجل: وأين هذا؟ قالت: عندي في بيتي. فسار معها الرجل والعجوز وهي لا تعلم أنه زوج الصبية، حتى وصلت إلى البيت ودقت الباب، ففتحت لها الصبية الباب، فدخلت وهي تجري لتتهيأ بالملبوس والبخور، فأدخلته العجوز في قاعة الجلوس وهي في كيد عظيم، فلما دخلت المرأة عليه ووقع بصرها عليه، والعجوز قاعدة عنده، بادرت المرأة بالحيلة والمكيدة، ودبَّرَتْ لها أمرًا في الوقت والساعة، ثم سحبت الخفَّ من رجلها وقالت لزوجها: ما هكذا العهد الذي بيني وبينك؟ فكيف تخونني وتفعل معي هذا الفعل؟ فإني لما سمعت بحضورك جربتك بهذه العجوز، فأوقعتك فيما حذَّرْتُك منه، وقد تحقَّقْتُ أمرك، وإنك نقضتَ العهد الذي بيني وبينك، وكنتُ قبل الآن أظن أنك طاهر حتى شاهدتك بعيني مع هذه العجوز، وأنك تتردَّد على النساء الفاجرات. وصارت تضربه بالخف على رأسه وهو يتبرأ من ذلك، ويحلف لها أنه ما خانها مدة عمره، ولا فعل فعلًا مما اتهمته به، ولم يزل يحلف لها أيمانًا بالله تعالى وهي تضربه وتبكي وتصرخ، وتقول: تعالوا إليَّ يا مسلمين. فيمسك فمها بيده وهي تعضه، وصار متذللًا لها ويقبِّل يدَيْها ورجليها، وهي لا ترضى عليه ولا تكف يدها عن صفعه. ثم إنها غمزت العجوز أن تمسك يدها عنه، فجاءتها العجوز وصارت تقبِّل يديها ورجليها إلى أن أجلستهما، فلما جلسا جعل الزوج يقبِّل يد العجوز ويقول لها: جزاكِ الله تعالى كلَّ خير حيث خلصتِني منها. فصارت العجوز تتعجب من حيلة المرأة وكيدها. وهذا أيها الملك من جملة مكر النساء وحيلهن وكيدهن، فلما سمعه الملك انتصح بحكايته، ورجع عن قتل ولده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.