فلما كانت الليلة ٥٤١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد البحري قال: لما سألتهم عن بلادهم ذكروا لي أنهم أجناس مختلفة، فمنهم الشاكرية، وهم أشرف أجناسهم، لا يظلمون أحدًا ولا يقهرونه، ومنهم جماعة تُسمَّى البراهمة، وهم قوم لا يشربون الخمر أبدًا، وإنما هم أصحابُ حظٍّ وصفاء، ولهو وطرب وجمال، وخيول ومواشٍ، وأعلموني أن صنف اليهود يفترق على اثنتين وسبعين فرقة، فتعجَّبْتُ من ذلك غاية العجب، ورأيت في مملكة المهرجان جزيرة من جملة الجزائر يقال لها كابل، يُسمَع فيها ضرب الدفوف والطبول طول الليل، وقد أخبرنا أصحاب الجزائر والمسافرون بأنهم أصحاب الجد والرأي، ورأيت في ذلك البحر سمكةً طولها مائتا ذراع، ورأيت أيضًا سمكًا وجهه مثل وجه البوم، ورأيت في تلك السفرة كثيرًا من العجائب والغرائب ممَّا لو حكيتُه لكم لطال شرحه.
ولم أزل أتفرَّج على تلك الجزائر وما فيها إلى أن وقفت يومًا من الأيام على جانب البحر، وفي يدي عكاز على جري عاداتي، وإذا بمركب كبيرة قد أقبلَتْ وفيها تجار كثير، فلما وصلَتْ إلى ميناء المدينة وفرضتها، طوى الريس قلوعها، وأرسوها على البر، ومد السقالة، وأطلع البحرية جميعَ ما كان في تلك المركب إلى البر، وأبطئوا في تطليعه، وأنا واقف أكتب عليهم، فقلت لصاحب المركب: هل بقي في مركبك شيء؟ فقال: نعم يا سيدي، معي بضائع في بطن المركب، ولكن صاحبها غرق منَّا في البحر، في بعض الجزائر، ونحن قادمون في البحر، وصارت بضائعه معنا وديعة، فغرضنا أننا نبيعها، ونأخذ علمًا بثمنها لأجل أن نوصله إلى أهله في مدينة بغداد دار السلام. فقلت للريس: ما يكون اسم ذلك الرجل صاحب البضائع؟ فقال: اسمه السندباد البحري، وقد غرق منَّا في البحر. فلما سمعت كلامه حقَّقْتُ النظر فيه، فعرفته وصرخت عليه صرخة عظيمة، وقلت: يا ريس، اعلم أني أنا صاحب البضائع التي ذكرتَها، وأنا السندباد البحري الذي نزلتُ من المركب في الجزيرة مع جملةِ مَن نزل من التجار، ولما تحرَّكَتِ السمكة التي كنَّا عليها وصحتَ أنت علينا طلع مَن طلع، وغرق الباقي، وكنت أنا من جملة مَن غرق، ولكن الله تعالى سلَّمني ونجَّاني من الغرق بقصعة كبيرة من التي كان الركاب يغسلون فيها، فركبتها وصرت أرفص برجلي، وساعدني الريح والموج إلى أن وصلت إلى هذه الجزيرة، فطلعتُ فيها وأعانني الله تعالى، واجتمعت بسيَّاس الملك المهرجان، فحملوني معهم إلى أن أتوا بي إلى هذه المدينة، وأدخلوني عند الملك المهرجان، فأخبرته بقصتي فأنعم عليَّ، وجعلني كاتبًا على ميناء هذه المدينة، فصرتُ أنتفع بخدمته، وصار لي عنده قبول، وهذه البضائع التي معك بضائعي ورزقي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.