فلما كانت الليلة ٥٨٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير الرابع لما حكى الحكاية للملك رجع عن قتل ولده، فلما كان في اليوم الخامس دخلت الجارية على الملك وبيدها قدح فيه سم، واستغاثت ولطمت على خدَّيْها ووجهها، وقالت له: أيها الملك، إما أن تنصفني وتأخذ حقي من ولدك وإلا أشرب هذا القدح السم وأموت، ويبقى ذنبي متعلقًا بك إلى يوم القيامة، فإن وزراءك هؤلاء ينسبونني إلى الكيد والمكر، وليس في الدنيا أمكر منهم، أَمَا سمعتَ أيها الملك حديثَ الصائغ مع الجارية؟ فقال لها الملك: ما جرى منهما يا جارية؟
حكاية الصائغ والمغنية
فقالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان رجل صائغ مولعًا بالنساء وشرب الخمر، فدخل يومًا من الأيام عند صديقٍ له، فنظر إلى حائط من حيطان بيته فرأى فيها صورة جارية منقوشة لم يَرَ الراءون أحسنَ ولا أجمل ولا أظرف منها، فأكثر الصائغ من النظر إليها وتعجَّب من حُسْن هذه الصورة، ووقع حب هذه الصورة في قلبه إلى أن مرض وأشرف على الهلاك، فجاءه أحد أصدقائه يزوره، فلما جلس عنده سأله عن حاله وما يشكو منه، فقال له: يا أخي، إن مرضي كله وجميع ما أصابني من العشق؛ وذلك أني عشقت صورة منقوشة في حائط فلان أخي. فلامه ذلك الصديق وقال له: إن هذا من قلة عقلك، فكيف تعشق صورة في حائط لا تضر ولا تنفع، ولا تنظر ولا تسمع، ولا تأخذ ولا تمنع؟ فقال له: ما صوَّرَها المصوِّر إلا على مثال امرأة جميلة. فقال له صديقه: لعل الذي صوَّرَها اخترعها من رأسه. فقال له: أنا في حبها ميت على كل حال، وإن كان لهذه الصورة شبيه في الدنيا فأنا أرجو الله تعالى أن يمدني بالحياة إلى أن أراه. فلما قام الحاضرون سألوا عمَّن صوَّرها فوجدوه قد سافر إلى بلد من البلدان، فكتبوا له كتابًا يشكون له فيه حال صاحبهم، ويسألونه عن تلك الصورة وما سببها؛ هل هو اخترعها من ذهنه، أو رأى لها شبيهًا في الدنيا؟ فأرسل إليهم: إني صورت هذه الصورة على شكل جارية مغنية لبعض الوزراء، وهي بمدينة كشمير بإقليم الهند.
فلما سمع الصائغ بالخبر وكان ببلاد الفرس، تجهَّزَ وسار متوجهًا إلى بلاد الهند، فوصل إلى تلك المدينة من بعد جهد جهيد، فلما دخل تلك المدينة واستقر فيها، ذهب يومًا من الأيام عند رجل عطَّار من أهل تلك المدينة، وكان ذلك العطار حاذقًا فَطِنًا لبيبًا، فسأله الصائغ عن مَلِكهم وسيرته، فقال له العطار: أما ملكنا فعادل حسن السيرة، محسن لأهل دولته، منصف لرعيته، وما يكره في الدنيا إلا السَّحَرة، فإذا وقع في يده ساحر أو ساحرة ألقاها في خارج المدينة، ويتركها بالجوع إلى أن يموتا. ثم سأله عن وزرائه؟ فذكر له سيرة كل وزير وما هو عليه، إلى أن انجرَّ الكلام إلى الجارية المغنية، فقال له: عند الوزير الفلاني. فصبر بعد ذلك أيامًا حتى أخذ في تدبير الحيلة. فلما كان في ليلة ذات مطر ورعد ورياح عاصفة، ذهب الصائغ وأخذ معه عدة من اللصوص وتوجَّهَ إلى دار الوزير سيد الجارية، وعلق فيه السلالم بكلاليب، ثم طلع إلى أعلى القصر، فلما وصل إليه نزل إلى ساحته، فرأى جميع الجواري نائمات كل واحدة على سريرها، ورأى سريرًا من المرمر عليه جارية كأنها البدر إذا أشرق في ليلة أربعة عشر، فقصدها وقعد عند رأسها، وكشف الستر عنها، فإذا عليها ستر من ذهب، وعند رأسها شمعة، وعند رجلَيْها شمعة، كل شمعة منهما في شمعدان من الذهب الوهَّاج، وهاتان الشمعتان من العنبر، وتحت الوسادة حُقٌّ من الفضة فيه جميع حليها، وهو مغطًّى عند رأسها. فأخرج سكينًا وضرب بها كفلَ الجارية فجرحها جرحًا واضحًا، فانتبهت فَزِعة مرعوبة، فلما رأته خافت من الصياح فسكتت وظنت أنه يريد أخذ المال، فقالت له: خذ الحُقَّ والذي فيه، وليس بقتلي نفع، وأنا في جيرتك وفي حسبك، فتناول الرجل الحُقَّ بما فيه وانصرف. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.