فلما كانت الليلة ٥٨٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الصائغ حين طلع قصر الوزير ضرب الجارية على كفلها فجرحها، وأخذ الحُقَّ الذي فيه حليها وانصرف، فلما أصبح الصباح لبس ثيابه وأخذ معه الحُقَّ الذي فيه الحلي، ودخل به على ملك تلك المدينة، ثم قبَّلَ الأرض بين يديه وقال: أيها الملك، إنني رجل ناصح لك وأنا من أرض خراسان، وقد أتيت مهاجرًا إلى حضرتك لما شاع من حُسْن سيرتك وعدلك في رعيتك، فأردتُ أن أكون تحت لوائك، وقد وصلت إلى هذه المدينة آخر النهار، فوجدت الباب مغلوقًا فنمتُ من خارجه، فبينما أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت أربع نسوة إحداهن راكبة مكنسة، والأخرى راكبة مروحة، فعلمت أيها الملك أنهن سَحَرة يدخلن مدينتك، فدنت إحداهن مني ورفصتني برجلها، وضربتني بذنب ثعلب كان في يدها، فأوجعتني فأخذتني الحدة من الضرب فضربتها بسكين كانت معي، فأصابت كفلها وهي مولية شاردة، فلما جرحتها انهزمت قدامي فوقع منها هذا الحُقُّ بما فيه، فأخذته وفتحته فرأيتُ فيه هذا الحلي النفيس، فخذه فليس لي به حاجة؛ لأني رجل سائح في الجبال، وقد رفضت الدنيا عن قلبي، وزهدتها بما فيها، وإني قاصد وجه الله تعالى. ثم ترك الحُقَّ بين يدي الملك وانصرف.
فلما خرج من عند الملك فتح الملك ذلك الحُقَّ، وأخرج جميع الحلي منه، وصار يقلِّبه بيده فوجد فيه عقدًا كان أنعم به على الوزير سيد الجارية، فدعا الملك بالوزير، فلما حضر بين يديه قال له: هذا العقد الذي أهديتُه إليك؟ فلما رآه الوزير عرفه وقال للملك: نعم، وأنا أهديته إلى جارية مغنية عندي. فقال له الملك: أحضر لي الجارية في هذه الساعة. فأحضرها، فلما حضرت الجارية بين يدي الملك، قال له: اكشف عن كفلها وانظر هل فيه جرح أم لا؟ فكشف الوزير عنه فرأى فيه جرح سكين، فقال الوزير للملك: نعم يا مولاي فيها الجرح. فقال الملك للوزير: هذه ساحرة كما قال لي الرجل الزاهد بلا شك ولا ريب. ثم أمر الملك بأن يجعلوها في جب السَّحَرة، فأرسلوها إلى الجبِّ في ذلك النهار، فلما جاء الليل وعرف الصائغ أن حيلته قد تمَّتْ جاء إلى حارس الجب وبيده كيس فيه ألف دينار، وجلس مع الحارس يتحدَّث إلى ثلث الليل الأول، ثم دخل مع الحارس في الكلام وقال له: اعلم يا أخي أن هذه الجارية بريئة من هذه البلية التي ذكروها عنها وأنا الذي أوقعتُها. وقص عيه القصة من أولها إلى آخرها، ثم قال له: يا أخي، خذ هذا الكيس فإن فيه ألف دينار، وأعطني الجارية أسافر بها إلى بلادي، فهذه الدنانير أنفع لك من حبس الجارية، واغتنم أجرنا ونحن الاثنان ندعو لك بالخير والسلامة. فلما سمع حكايته تعجب غاية العجب من هذه الحيلة وكيف تمت، ثم أخذ الحارس الكيس بما فيه وتركها له، وشرط عليه ألَّا يقيم بها في هذه المدينة ساعة واحدة، فأخذها الصائغ من وقته وسار، وجعل يجدُّ في السير إلى أن وصل إلى بلاده وقد بلغ مراده. فانظر أيها الملك إلى كيد الرجال وحيلهم ووزرائك يردونك عن أخذ حقي، وفي غد أقف أنا وأنت بين يدي حاكم عادل فيأخذ حقي منك أيها الملك.
فلما سمع الملك كلامها أمر بقتل ولده، فدخل عليه الوزير الخامس وقبَّلَ الأرض بين يديه، ثم قال له: أيها الملك العظيم الشأن، تمهَّلْ ولا تعجل على قتل ولدك؛ فرُبَّ عجلة أعقبت ندامة، وأخاف عليك أن تندم ندامة الرجل الذي لم يضحك بقية عمره. فقال له الملك: وكيف ذلك أيها الوزير؟
حكاية الرجل الحزين
قال: بلغني أيها الملك أنه كان رجل من ذوي البيوت والنِّعَم، وكان ذا مال وخدم وعبيد وأملاك، فمات إلى رحمة الله تعالى وترك ولدًا صغيرًا، فلما كبر الولد أخذ في الأكل والشرب وسماع الطرب والأغاني، وتكرم وأعطى وأنفق الأموال التي خلَّفها له أبوه حتى ذهب المال جميعه … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.