فلما كانت الليلة ٥٨٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ الذي بقي من العشرة قال للشاب: احذر أن تفتح هذا الباب فتندم حيث لا ينفعك الندم. ثم تزايدت العلة على الشيخ فمات، فغسَّله الشاب بيده وكفَّنه ودفنه عند أصحابه، وقعد الشاب في ذلك الموضع وهو مختوم على ما فيه، وهو مع ذلك قلق متفكِّر فيما كان فيه الشيوخ. فبينما هو يتفكر يومًا من الأيام في كلام الشيخ ووصيته له بعدم فتح الباب، إذ خطر بباله أنه ينظر إليه، فقام إلى تلك الجهة وفتَّشَ حتى رأى بابًا لطيفًا قد عشَّشَ عليه العنكبوت، وعليه أربعة أقفال من البولاد، فلما نظره تذكر ما حذَّره منه الشيخ فانصرف عنه، وصارت نفسه تراوده على فتح الباب وهو يمنعها مدة سبعة أيام، وفي اليوم الثامن غلبت عليه نفسه وقال: لا بد أن أفتح ذلك الباب، وأنظر أي شيء يجري عليَّ منه؛ فإن قضاء الله تعالى وقدره لا يرده شيء، ولا يكون أمر من الأمور إلا بإرادته. فنهض وفتح الباب بعد أن كسر الأقفال، فلما فتح الباب رأى دهليزًا ضيقًا، فجعل يمشي فيه مقدار ثلاث ساعات، وإذا به قد خرج على شاطئ نهر عظيم، فتعجَّبَ الشاب من ذلك، فصار يمشي على ذلك الشاطئ، وينظر يمينًا وشمالًا، وإذا بعقاب كبير قد نزل من الجو، فحمل ذلك الشاب في مخالبه، وطار بين السماء والأرض إلى أن أتى به إلى جزيرة في وسط البحر فألقاه فيها، وانصرف عنه ذلك العقاب، فصار الشاب متحيِّرًا في أمره لا يدري أين يذهب.
فبينما هو جالس يومًا من الأيام، وإذا بقلع مركب قد لاح له في البحر كالنجمة في السماء، فتعلق خاطر الشاب بالمركب؛ لعل نجاته تكون فيها، وصار ينظر إليها حتى وصلت إلى قربه، فلما وصلَتْ رأى زورقًا من العاج والأبنوس ومجاديفه من الصندل والعود، وهو مصفح جميعه بالذهب الوهَّاج، وفيه عشر من الجواري والأبكار كأنهن الأقمار، فلما نظره الجواري طلعن إليه من الزورق، وقبَّلْنَ يديه، وقلن له: أنت الملك العريس. ثم تقدَّمَتْ إليه جارية وهي كالشمس الضاحية في السماء الصاحية، وفي يدها منديل حرير فيه خلعة ملوكية، وتاج من الذهب مرصَّع بأنواع اليواقيت، فتقدَّمَتْ عليه وألبسته وتوَّجَتْه وحملنه على الأيدي إلى ذلك الزورق، فوجد فيه أنواعًا من بسط الحرير الملون، ثم نشرن القلوع وسِرْنَ في لجج البحر. قال الشاب: فلما سرتُ معهن اعتقدت أن هذا منام، ولا أدرى أين يذهبن بي، فلما أشرفن على البر رأيت البر قد امتلأ بعساكر لا يعلم عدتهم إلا الله سبحانه وتعالى وهم متدرعون، ثم قدَّموا إليَّ خمسةً من الخيل المسومة بسروجٍ من ذهب مرصَّعة بأنواع اللآلئ والفصوص الثمينة، فأخذت منها فرسًا فركبته والأربعة سارت معي، ولما ركبت انعقدت على رأسي الرايات والأعلام، ودُقَّتِ الطبول وضُرِبت الكاسات، ثم ترتبت العساكر ميمنة وميسرة، وسرتُ أتردَّد: هل أنا نائم أم يقظان؟ ولم أزل سائرًا ولا أصدق بما أنا فيه من الموكب، بل أظن أنه أضغاث أحلام، حتى أشرفنا على مرج أخضر فيه قصور وبساتين وأشجار، وأنهار وأزهار وأطيار تسبح الله الواحد القهار. فبينما هم كذلك وإذا بعسكر قد برز من بين تلك القصور والبساتين مثل السيل إذا انحدر إلى أن ملأ ذلك المرج، فلما دنوا مني وقفت تلك العساكر، وإذا بملك منهم قد تقدَّمَ بمفرده راكب بين يديه بعضُ خواصه مشاة، فلما قرب الملك من الشاب نزل عن جواده، فلما رأى الملكَ نزل عن جواده نزل هو الآخَر، ثم سلَّمَا على بعضهما أحسن سلام، ثم ركبوا خيولهم، فقال الملك للشاب: سِرْ بنا فإنك ضيفي. فسار معه الشاب وهم يتحدثون، والمواكب مرتبة وهي تسير بين أيديهما إلى قصر الملك، ثم نزلوا ودخلوا القصر جميعًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.