فلما كانت الليلة ٥٩١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما سمع حكاية الوزير رجع عن قتل ولده، فلما كان في اليوم السادس دخلَتِ الجارية على الملك وفي يدها سكين مسلولة، وقالت: اعلم يا سيدي أنك لم تقبل شكايتي وترعَ حقك وحرمتك فيمَن تعدَّى عليَّ، وهم وزراؤك الذين يزعمون أن النساء صاحبات حِيَل ومُكْر وخديعة، ويقصدون بذلك ضياع حقي، وإهمال الملك النظرَ في حقي، وها أنا أحقِّق بين يديك أن الرجال أمكر من النساء بحكاية ابن ملك من الملوك، حيث خلا بزوجة تاجر. فقال لها الملك: وأي شيء جرى له معها؟
حكاية التاجر الغيور وابن الملك
فقالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان تاجر من التجار غيورًا، وكان عنده زوجة ذات حُسْن وجمال، فمن كثرة خوفه وغيرته عليها لم يسكن بها في المدائن، وإنما عمل لها خارج المدينة قصرًا منفردًا وحده عن البنيان، وقد أعلى بنيانه وشيَّد أركانه وحصَّنَ أبوابه وأحكم أقفاله، فإذا أراد الذهاب إلى المدينة قفل الأبواب، وأخذ مفاتيحها معه وعلَّقها في رقبته، فبينما هو يومًا من الأيام في المدينة إذ خرج ابن ملكِ تلك المدينة يتنزه خارجها ويتفرج على الفضاء، فنظر ذلك الخلاء وصار يتأمل فيه زمانًا طويلًا، فلاح لعينه ذلك القصر، فنظر فيه جارية عظيمة تطل من بعض طيقان القصر، فلما نظرها صار متحيرًا في حسنها وجمالها، ويريد الوصول إليها فلم يمكنه ذلك، فدعا بغلام من غلمانه فأتاه بدواة وورقة، وكتب فيها شرح حاله من المحبة، وجعلها في سنان نشابة، ثم رمى النشابة داخل القصر، فنزلت عليها وهي تمشي في بستان، فقالت لجارية من جواريها: أسرعي إلى هذه الورقة وناولينيها. وكانت تقرأ الخط، فلما قرأتها وعرفت ما ذكر لها من الذي أصابه من المحبة والشوق والغرام، كتبت له جواب ورقته، وذكرت له أنه قد وقع عندها من المحبة أكثر مما عنده. ثم طلت له من طاقة القصر فرأته، فألقت إليه الجواب واشتدَّ بها الشوق، فلما نظر إليها جاء تحت القصر وقال لها: ارمي من عندك خيطًا لأربط فيه هذا المفتاح حتى تأخذيه عندك. فرمت له خيطًا، وربط فيه المفتاح، ثم انصرف إلى وزرائه، فشكا إليهم محبة تلك الجارية، وأنه قد عجز عن الصبر عنها، فقال له بعضهم: وما التدبير الذي تأمرني به؟ فقال له ابن الملك: أريد منك أن تجعلني في صندوق وتودعه عند هذا التاجر في قصره، وتجعل أن ذلك الصندوق لك حتى أبلغ أربي من تلك الجارية مدة أيام، ثم تسترجع ذلك الصندوق، فقال له الوزير: حبًّا وكرامةً.
ثم إن ابن الملك لما توجه إلى منزله جعل نفسه داخل صندوقٍ كان عنده وأغلق الوزير عليه، وأتى به إلى قصر التاجر، فلما حضر التاجر بين يدي الوزير قبَّلَ يديه، ثم قال له التاجر: لعل لمولانا الوزير خدمة أو حاجة نفوز بقضائها. فقال له الوزير: أريد منك أن تجعل هذا الصندوق في أعز مكان عندك. فقال التاجر للحمَّالين: احملوه. ثم أدخله التاجر في القصر، ووضعه في خزانة عنده، ثم بعد ذلك خرج إلى بعض أشغاله، فقامت الجارية إلى الصندوق وفتحته بالمفتاح الذي معها، فخرج منه شاب مثل القمر، فلما رأته لبست أحسن ملبوسها، وذهبت به إلى قاعة الجلوس وقعدت معه في أكل وشرب مدة سبعة أيام، وكلما يحضر زوجها تجعله في الصندوق وتقفل عليه. فلما كان في بعض الأيام سأل الملك عن ولده، فخرج الوزير مُسرِعًا إلى منزل التاجر، وطلب منه الصندوق. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.