فلما كانت الليلة ٥٩٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير لما حضر إلى منزل التاجر لطلب الصندوق، جاء التاجر إلى قصره على خلاف العادة وهو مستعجل وطرق الباب، فحسَّتْ به الجارية، فأخذت ابن الملك وأدخلته في الصندوق وذهلت عن قفله، فلما وصل التاجر إلى المنزل هو والحمَّالون، حملوا الصندوق من غطائه فانفتح، فنظروا فيه فإذا فيه ابن الملك راقدًا، فلما رآه التاجر وعرفه خرج إلى الوزير وقال له: ادخل أنت وخذ ابن الملك، فلا يستطيع أحدٌ منَّا أن يمسكه. فدخل الوزير وأخذه، ثم انصرفوا جميعًا، فلما انصرفوا طلق التاجر الجارية وأقسم على نفسه ألَّا يتزوج أبدًا.
حكاية الغلام ولغة الطير
وبلغني أيضًا أيها الملك أن رجلًا من الظرفاء دخل السوق، فوجد غلامًا يُنادَى عليه للبيع، فاشتراه وجاء به إلى منزله، وقال لزوجته: استوصي به. فقام الغلام مدة من الزمان، فلما كان في بعض الأيام قال الرجل لزوجته: اخرجي غدًا إلى البستان وتفرجي وتنزهي وانشرحي. فقالت: حبًّا وكرامةً. فلما سمع الغلام ذلك عمد إلى طعام وجهَّزَه في تلك الليلة، وإلى شراب ونقل وفاكهة، ثم توجَّهَ إلى البستان وجعل ذلك الطعام تحت شجرة، وجعل ذلك الشراب تحت شجرة، والفواكه والنقل تحت شجرة في طريق زوجة سيده. فلما أصبح الصباح أمر الرجل الغلام أن يتوجه مع سيدته إلى ذلك البستان، وأمر بما يحتاجون إليه من المأكل والمشرب والفواكه، ثم طلعت الجارية وركبت فرسًا والغلام معها حتى وصلوا إلى ذلك البستان، فلما دخلوا أنعق غراب فقال له الغلام: صدقتَ. فقالت له سيدته: هل أنت عرفتَ ما يقول الغراب؟ فقال لها: نعم يا سيدتي. قالت له: فما يقول؟ قال لها: يا سيدتي، يقول إن تحت هذه الشجرة طعامًا تعالوا كلوه. فقالت له: أراك تعرف لغات الطير. فقال لها: نعم. فتقدَّمَتِ الجارية إلى تلك الشجرة فوجدَتْ طعامًا مجهَّزًا، فلما أكلوه تعجبت منه غاية العجب، واعتقدت أنه يعرف لغات الطير.
فلما أكلوا ذلك الطعام تفرجوا في البستان، فنعق الغراب، فقال له الغلام: صدقتَ. فقالت له سيدته: أي شيء يقول؟ قال: يا سيدتي، يقول إن تحت الشجرة الفلانية كوز ماء ممسك وخمرًا عتيقًا. فذهبت هي وإياه فوجدَا ذلك، فتزايد عجبها وعظم الغلام عندها، فقعدت مع الغلام يشربان. فلما شربا مشيا في ناحية البستان، فنعق الغراب فقال له الغلام: صدقتَ. فقالت له سيدته: أي شيء يقول هذا الغراب؟ قال: يقول إن تحت الشجرة الفلانية فواكه ونقلًا. فذهبا إلى تلك الشجرة فوجدَا ذلك، فأكلا من تلك الفواكه والنقل، ثم مشيا في البستان فنعق الغراب، فأخذ الغلام حجرًا ورماه به، فقالت: ما لك تضربه؟ وما الذي قاله؟ قال: يا سيدتي، إنه يقول كلامًا ما أقدر أن أقوله لكِ. قالت: قل ولا تستحِ مني، أنا ما بيني وبينك شيء. فصار يقول: لا. وهي تقول: قُلْ. ثم أقسمت عليه فقال لها: إنه يقول لي: افعل بسيدتك مثل ما يفعل بها زوجها. فلما سمعت كلامه ضحكَتْ حتى استلقت على قفاها، ثم قالت له: حاجة هينة لا أقدر أن أخالفك فيها. ثم توجَّهَتْ نحو شجرة من الأشجار، وفرشت تحتها الفرش، ونادته ليقضي لها حاجتها، وإذا بسيده خلفه ينظر إليه، فناداه وقال له: يا غلام، ما لسيدتك راقدة هنا تبكي؟ فقال: يا سيدي، وقعت من فوق شجرة فماتَتْ، وما ردها عليك إلا الله سبحانه وتعالى، فرقدَتْ ها هنا ساعة لتستريح. فلما رأت الجارية زوجها فوق رأسها قامت وهي متمرضة تتوجَّع وتقول: آه يا ظهري، يا جنبي، تعالوا إليَّ يا أحبابي ما بقيت أعيش. فصار زوجها مبهوتًا، ثم نادى الغلام وقال له: هات لسيدتك الفرس وركِّبها. فلما ركبت أخذ الزوج بركابها والغلام بركابها الثاني، ويقول لها: الله يعافيك ويشفيك. وهذا أيها الملك من جملة حِيَل الرجال ومكرهم، فلا يردك وزراؤك عن نصرتي والأخذ بحقي. ثم بكت، فلما رأى الملك بكاءَها، وهي عنده أعزُّ جواريه، أمر بقتل ولده. فدخل عليه الوزير السادس وقبَّل الأرض بين يديه، وقال له: أعزَّ الله تعالى الملك، إني ناصحك ومشيرٌ عليك بالتمهُّل في أمر ولدك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.