فلما كانت الليلة ٥٩٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير السادس قال له: أيها الملك تمهَّلْ في أمر ولدك، فإن الباطل كالدخان، والحق مشيد الأركان، ونور الحق يُذهِب ظلام الباطل، واعلم أن مُكْر النساء عظيم، وقد قال الله في كتابه العزيز: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، وقد بلغني حديث امرأة فعلت مع أرباب الدولة مكيدةً ما سبقها بمثلها أحدٌ قطُّ. فقال الملك: وكيف كان ذلك؟
حكاية امرأة والمعجبين الخمسة
قال الوزير: بلغني أيها الملك أن امرأةً من بنات التجار كان لها زوج كثير الأسفار، فسافَرَ زوجها إلى بلاد بعيدة وأطال الغيبة، فزاد عليها الحال، فعشقت غلامًا ظريفًا من أولاد التجار، وكانت تحبه ويحبها محبة عظيمة، ففي بعض الأيام تنازع الغلام مع رجل، فشكاه الرجل إلى والي تلك البلد فسجنه، فبلغ خبره زوجة التاجر معشوقته، فطار عقلها عليه، فقامت ولبست أفخر ملبوسها، ومضت إلى منزل الوالي فسلَّمَتْ عليه ودفعت له ورقة تذكر فيها أن الذي سجنته وحبسته هو أخي فلان الذي تنازع مع فلان، والجماعة الذين شهدوا عليه قد شهدوا باطلًا، وقد سُجِن في سجنك وهو مظلوم، وليس عندي مَن يدخل عليَّ ويقوم بحالي غيره، وأسأل من فضل مولانا إطلاقه من السجن. فلما قرأ الوالي الورقة، نظر إليها فعشقها وقال لها: ادخلي المنزل حتى أحضره بين يدي، ثم أُرسِل إليك فتأخذينه. فقالت له: يا مولانا، ليس لي أحد إلا الله تعالى، وأنا امرأة غريبة لا أقدر على دخول منزل أحدٍ. فقال لها الوالي: لا أطلِّقه لك حتى تدخلي المنزل وأقضي حاجتي منك. فقالت له: إن أردتَ ذلك، فلا بد أن تحضر عندي في منزلي وتقعد وتنام وتستريح نهارك كله. فقال لها: وأين منزلك؟ فقالت له: في الموضع الفلاني.
ثم خرجت من عنده، وقد اشتغل قلب الوالي. فلما خرجت دخلت على قاضي البلد وقالت له: يا سيدنا القاضي. قال لها: نعم. قالت له: انظر في أمري وأجرك على الله. فقال لها: مَن ظلمك؟ قالت له: يا سيدي، لي أخ وليس لي أحد غيره، وهو الذي كلَّفني الخروج إليك؛ لأن الوالي قد سجنه وشهدوا عليه بالباطل أنه ظالم، وإنما أطلب منك أن تشفع لي فيه عند الوالي. فلما نظرها القاضي عشقها فقال لها: ادخلي المنزل عند الجواري واستريحي معنا ساعة ونحن نرسل إلى الوالي بأن يطلق أخاك، ولو كنا نعرف الدراهم التي عليه كنا دفعناها من عندنا لأجل قضاء حاجتنا؛ لأنك أعجبتِنا من حسن كلامك. فقالت له: إذا كنتَ أنت يا مولانا تفعل ذلك فما نلوم الغير. فقال لها القاضي: إن لم تدخلي منزلنا فاخرجي إلى حال سبيلك. فقالت له: إن أردتَ ذلك يا مولانا، فيكون عندي في منزلي أستر وأحسن من منزلك، فإن فيه الجواري والخدم والداخل والخارج، وأنا امرأة ما أعرف شيئًا من هذا الأمر، لكن الضرورة تحوج. فقال لها القاضي: وأين منزلك؟ فقالت له: في الموضع الفلاني. وواعدته على اليوم الذي واعدَتْ فيه الوالي.
ثم خرجت من عند القاضي إلى منزل الوزير، فرفعت إليه قصتها وشكت إليه ضرورة أخيها، وأنه سجنه الوالي، فراودها الوزير عن نفسها، وقال لها: نقضي حاجةً منك ونُطلِق لك أخاك. فقالت له: إن أردتَ ذلك فيكون عندي في منزلي، فإنه أستر لي ولك؛ لأن المنزل ليس بعيدًا، وأنت تعرف ما نحتاج إليه من النظافة والظرافة. فقال لها الوزير: وأين منزلك؟ فقالت له: في الموضع الفلاني. وواعدته على ذلك اليوم.
ثم خرجت من عنده إلى ملك تلك المدينة، ورفعت إليه قصتها وسألته إطلاق أخيها، فقال لها: مَن حبسه؟ قالت له: حبسه الوالي. فلما سمع الملك كلامها رشقته بسهام العشق في قلبه، فأمرها أن تدخل معه القصر حتى يرسل إلى الوالي ويخلِّص أخاها. فقالت له: أيها الملك، هذا أمر يسهل عليك، إما باختياري وإما قهرًا عني، فإن كان الملك أراد ذلك مني فإنه من سعد حظي، ولكن إذا جاء إلى منزلي يشرِّفني بنقل خطواته الكرام، كما قال الشاعر:
فقال لها الملك: لا نخالف لك أمرًا. فواعدته باليوم الذي واعدَتْ فيه غيرَه وعرفته منزلها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.