فلما كانت الليلة ٥٩٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المرأة لما أجابت الملك عرَّفته منزلها وواعدته على ذلك اليوم الذي واعدَتْ فيه الوالي والقاضي والوزير، ثم خرجت من عنده فجاءت إلى رجل نجار، وقالت له: أريد منك أن تصنع لي خزانة بأربع طبقات بعضها فوق بعض، كل طبقة بباب يُقفَل عليها، وأخبرني بقدر أجرتك فأعطيكه. فقال لها: أربعة دنانير، وإنْ أنعمتِ عليَّ أيتها السيدة المصونة بالوصال فهو الذي أريد، ولا آخذ منك شيئًا. فقالت له: إن كان لا بد من ذلك فاعمل لي خمس طبقات بأقفالها. فقال لها: حبًّا وكرامةً. وواعدته أن يحضر لها الخزانة في ذلك اليوم بعينه، فقال لها النجار: يا سيدتي، اقعدي حتى تأخذي حاجتك في هذه الساعة، وأنا بعد ذلك أجيء على مهلي. فقعدت عنده حتى عمل لها الخزانة بخمس طبقات، وانصرفت إلى منزلها فوضعتها في المحل الذي فيه الجلوس. ثم إنها أخذت أربعة ثياب وحملتها إلى الصباغ، فصبغ كل ثوب لونًا، وكل لون خلاف الآخر، وأقبلت على تجهيز المأكول والمشروب والمشموم والفواكه والطيب، فلما جاء يوم الميعاد لبست أفخر ملبوسها، وتزينت وتطيبت، ثم فرشت المجلس بأنواع البسط الفاخرة، وقعدت تنتظر مَن يأتي، وإذا بالقاضي دخل عليها قبل الجماعة، فلما رأته قامت واقفة على قدميها وقبَّلَتِ الأرض بين يديه، وأخذته وأجلسته على ذلك الفرش، ونامت معه ولاعبَتْه، فأراد منها قضاء الحاجة فقالت له: يا سيدي، اخلع ثيابك وعمامتك، والبس هذه الغلالة الصفراء، واجعل هذا القناع على رأسك حتى نحضر بالمأكول والمشروب، وبعد ذلك تقضي حاجتك. فأخذت ثيابه وعمامته ولبس الغلالة والقناع، وإذا بطارق يطرق الباب، فقال لها القاضي: مَن هذا الذي يطرق الباب؟ فقالت له: هذا زوجي. فقال لها: وكيف العمل؟ وأين أروح أنا؟ فقالت له: لا تَخَفْ فإني أدخلك هذه الخزانة. فقال لها: افعلي ما بَدَا لكِ. فأخذته من يده وأدخلته في الطبقة السفلى وقفلت عليه.
ثم إنها خرجت إلى الباب وفتحته، وإذا هو الوالي، فلما رأته قبَّلَتِ الأرض بين يديه وأخذته بيدها وأجلسته على ذلك الفراش، وقالت له: يا سيدي، إن الموضع موضعك والمحل محلك، وأنا جاريتك، ومن بعض خدَّامك، وأنت تقيم هذا النهار كله عندي، فاخلع ما عليك من الملبوس، والبس هذا الثوب الأحمر فإنه ثوب النوم. وقد جعلتْ على رأسه خلفًا من خرقة كانت عندها، فلما أخذت ثيابه أتت إليه في الفراش ولاعبته ولاعبها، فلما مدَّ يده إليها قالت له: يا مولانا، هذا النهار نهارك، وما أحد يشاركك فيه، لكن من فضلك وإحسانك تكتب لي ورقةً بإطلاق أخي من السجن حتى يطمئن خاطري. فقال لها: السمع والطاعة على الرأس والعين. وكتب كتابًا إلى خازنداره يقول له فيها: ساعة وصول هذه المكاتبة إليك تطلق فلانًا من غير إمهال ولا إهمالٍ، ولا تراجُعْ حاملها بكلمة. ثم ختمها وأخذتها منه، ثم أقبلت تلاعبه على الفراش، وإذا بطارق يطرق الباب، فقال لها: مَن هذا؟ قالت: زوجي. قال: وكيف أعمل؟ فقالت له: ادخل هذه الخزانة حتى أصرفه وأعود إليك. فأخذته وأدخلته في الطبقة الثانية وقفلت عليه، كل هذا والقاضي يسمع كلامها.
ثم خرجت إلى الباب وفتحته، وإذا هو الوزير قد أقبل، فلما رأته قبَّلَتِ الأرض بين يديه وتلقته وخدمته، وقالت له: يا سيدي، لقد شرفتنا بقدومك في منزلنا يا مولانا، فلا أعدمنا الله هذه الطلعة. ثم أجلسته على الفراش وقالت له: اخلع ثيابك وعمامتك والبس هذه التخفيفة. فخلع ما كان عليه وألبسته غلالة زرقاء، وطرطورًا أحمر وقالت له: يا مولانا، أما هذه ثياب الوزارة فخلها لوقتها، وأما في هذه الساعة فهذه ثياب المنادمة والبسط والنوم. فلما لبسها الوزير لاعبته على الفراش ولاعبها، وهو يريد قضاء الحاجة وهي تمنعه، وتقول له: يا سيدي هذا ما يفوتنا. فبينما هم في الكلام وإذا بطارق يطرق الباب، فقال لها: مَن هذا؟ فقالت له: زوجي. فقال لها: كيف التدبير؟ فقالت له: قم وادخل هذه الخزانة حتى أصرف زوجي وأعود إليك ولا تَخَفْ. ثم إنها أدخلته الطبقة الثالثة، وقفلت عليه، وخرجت ففتحت الباب، وإذا هو الملك قد دخل، فلما رأته قبَّلَتِ الأرض بين يديه، وأخذت بيده، وأدخلته في صدر المكان، وأجلسته على الفراش، وقالت: شرفتنا أيها الملك، ولو قدمنا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.