فلما كانت الليلة ٥٩٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما دخل دار المرأة قالت له: لو أهدينا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا. فلما جلس على الفراش قالت له: أعطني إذنًا حتى أكلمك كلمة واحدة. فقال لها: تكلمي مهما شئتِ. فقالت له: استرِحْ يا سيدي، واخلع ثيابك وعمامتك. وكانت ثيابه في ذلك الوقت تساوي ألف دينار، فلما خلعها ألبسته ثوبًا خلقًا قيمته عشرة دراهم بلا زيادة، وأقبلت تؤانسه وتلاعبه، هذا كله والجماعة الذين في الخزانة يسمعون ما يحصل منهما، ولا يقدر أحد أن يتكلم، فلما مدَّ الملك يده إلى عنقها، وأراد أن يقضي حاجته منها قالت له: هذا الأمر لا يفوتنا، وقد كنت قبل الآن وعدت خدمتك بهذا المجلس فلك عندي ما يسرك. فبينما هما يتحدثان وإذا بطارق يطرق الباب، فقال لها: مَن هذا؟ قالت له: زوجي. فقال لها: اصرفيه عنا كرمًا منه وإلا أطلع إليه أصرفه قهرًا. فقالت له: لا يكون ذلك يا مولانا، بل اصبر حتى أصرفه بحسن معرفتي. فقال لها: وكيف أفعل أنا؟ فأخذته من يده وأدخلته في الطبقة الرابعة وقفلت عليه.
ثم خرجت إلى الباب ففتحته، وإذا هو النجار، فلما دخل وسلَّمَ عليها قالت له: أي شيء هذه الخزائن التي عملتها؟ فقال لها: ما لها يا سيدتي؟ فقالت له: إن هذه الطبقة ضيقة. فقال لها: يا سيدتي، هذه واسعة. فقالت له: ادخل وانظرها فإنها لا تسعك. فقال لها: هذه تسع أربعة. ثم دخل النجار، فلما دخل قفلت عليه الطبقة الخامسة.
ثم إنها قامت وأخذت ورقة الوالي ومضت بها إلى الخازندار، فلما أخذها وقرأها قَبِلها وأطلق لها الرجل عشيقها من الحبس، فأخبرته بما فعلته، فقال لها: وكيف نفعل؟ قالت له: نخرج من هذه المدينة إلى مدينة أخرى، وليس لنا بعد هذا الفعل إقامة هنا. ثم جهَّزَا ما كان عندهما وحملاه على الجِمَال، وسافرَا من ساعتهما إلى مدينة أخرى.
وأما القوم فإنهم أقاموا في طبقات الخزانة ثلاثة أيام بلا أكل، فانحصروا؛ لأن لهم ثلاثة أيام لم يبولوا، فبال النجار على رأس السلطان، وبال السلطان على رأس الوزير، وبال الوزير على رأس الوالي، وبال الوالي على رأس القاضي، فصاح القاضي وقال: أي شيء هذه النجاسة؟ أَمَا يكفينا ما نحن فيه حتى تبولوا علينا؟ فرفع الوالي صوته وقال: عظَّمَ الله أجرك أيها القاضي. فلما سمعه عرفه أنه الوالي. ثم إن الوالي رفع صوته وقال: ما بال هذه النجاسة؟ فرفع الوزير صوته وقال: عظَّمَ الله أجرك أيها الوالي. فلما سمعه الوالي عرف أنه الوزير، ثم إن الوزير رفع صوته وقال: ما بال هذه النجاسة؟ فرفع الملك صوته وقال: عظَّمَ الله أجرك أيها الوزير. ثم إن الملك لما سمع كلام الوزير عرفه، ثم سكت وكتم أمره، ثم إن الوزير قال: لعن الله هذه المرأة بما فعلت معنا، أحضرت جميع أرباب الدولة عندها ما عدا الملك. فلما سمعهم الملك قال لهم: اسكتوا فأنا أول مَن وقع في شبكة هذه العاهرة الفاجرة. فلما سمع النجار قولهم قال لهم: وأنا أي شيء ذنبي؟ قد عملت لها خزانة بأربعة دنانير ذهبًا، وجئت أطلب الأجرة فاحتالت عليَّ وأدخلتني هذه الطبقة وقفلتها عليَّ.
ثم إنهم صاروا يتحدثون مع بعضهم، وسلوا الملك بالحديث، وأزالوا ما عنده من الانقباض، فجاء جيران ذلك المنزل فرأوه خاليًا، فقال بعضهم لبعض: بالأمس كانت جارتنا زوجة فلان فيه، والآن لم نسمع في هذا الموضع صوت أحد ولا نرى فيه أنيسًا، فاكسروا هذه الأبواب وانظروا حقيقة الأمر لئلا يسمع الوالي أو الملك فيسجننا فنكون نادمين على أمرٍ لم نفعله قبل ذلك. ثم إن الجيران كسروا الأبواب ودخلوا فرأوا خزانة من خشب، ووجدوا فيها رجالًا تئنُّ من الجوع والعطش، فقالوا لبعضهم: هل جنيٌّ في هذه الخزانة؟ فقال واحد منهم: نجمع لها حطبًا ونحرقها بالنار. فصاح عليهم القاضي وقال: لا تفعلوا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.