فلما كانت الليلة ٥٤٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد البحري حين قال للريس: هذه البضائع التي معك بضائعي ورزقي. قال الريس: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما بقي لأحد أمانة ولا ذمة. قال: فقلت له: يا ريس، ما سبب ذلك؟ وأنت سمعتَني أخبرتُك بقصتي. فقال الريس: لأنك سمعتني أقول: إن معي بضائع صاحبها غرق، فتريد أن تأخذها بلا حق، وهذا حرام عليك، فإننا رأيناه لما غرق، وكان معه جماعة من الركاب كثيرون، وما نجا منهم أحد، فكيف تدَّعِي أنت أنك صاحب البضائع؟ فقلت له: يا ريس، اسمع قصتي، وافهم كلامي يظهر لك صدقي، فإن الكذب سيمة المنافقين.
ثم إني حكيت للريس جميعَ ما كان مني من حين خرجت معه من مدينة بغداد إلى أن وصلنا تلك الجزيرة التي غرقنا فيها، وأخبرته ببعض أحوالٍ جرَتْ بيني وبينه، فعند ذلك تحقَّقَ الريس والتجار صدقي، فعرفوني وهنوني بالسلامة، وقالوا جميعًا: والله ما كنَّا نصدق بأنك نجوتَ من الغرق، ولكن رزقك الله عُمْرًا جديدًا. ثم إنهم أعطوني البضائع، فوجدنا اسمي مكتوبًا عليها، ولم ينقص منها شيء، ففتحتها وأخرجتُ منها شيئًا نفيسًا غالي الثمن، وحمَلَتْه معي بحرية المركب، وطلعتُ به إلى الملك على سبيل الهدية، وأعلمتُ الملك بأن هذه المركب التي كنتُ فيها، وأخبرته أن بضائعي وصلت إليَّ بالتمام والكمال، وأن هذه الهدية منها، فتعجَّبَ الملك من ذلك الأمر غايةَ العجب، وظهر له صدقي في جميع ما قلته، وقد أحَبَّني محبةً شديدة، وأكرمني إكرامًا زائدًا، وقد وهب لي شيئًا كثيرًا في نظير هديتي، ثم بعت حمولي وما كان معي من البضائع، وكسبت فيها شيئًا كثيرًا، واشتريت بضاعة وأسبابًا ومتاعًا من تلك المدينة، ولما أراد تجار المركب السفر، شحنت جميع ما كان معي في المركب، ودخلت عند الملك وشكرته على فضله وإحسانه، ثم إني استأذنته في السفر إلى بلادي وأهلي، فودَّعَني وقد أعطاني شيئًا كثيرًا عند سفري من متاع تلك المدينة، وقد ودَّعْتُه ونزلت المركب، وسافرنا بإذن الله تعالى، وخدمنا السعد، وساعدتنا المقادير. ولم نزل مسافرين ليلًا ونهارًا إلى أن وصلنا بالسلامة إلى مدينة البصرة، وطلعنا فيها، فأقمنا بها زمنًا قليلًا، وقد فرحت بسلامتي وعودي إلى بلادي، وبعد ذلك توجَّهْتُ إلى مدينة بغداد دار السلام، ومعي من الحمول والمتاع والأسباب شيءٌ كثير له قيمة عظيمة، ثم جئتُ إلى حارتي، ودخلت بيتي، وقد جاء جميع أهلي وأصحابي، ثم إني اشتريت لي خدمًا وحشمًا، ومماليك وسراري وعبيدًا، حتى صار عندي شيء كثير، وقد اشتريتُ لي دورًا وأماكنَ وعقارًا أكثر من الأول. ثم إني عاشرتُ الأصحاب، ورافقتُ الخلَّان، وصرتُ أكثر ما كنت عليه في الزمن الأول، وقد نسيت جميع ما كنتُ قاسيتُ من التعب والغربة والمشقة وأهوال السفر، واشتغلت باللذات والمسرات، والمآكل الطيبة والمشارب النفيسة، ولم أزل على هذه الحالة. وهذا ما كان في أول سفراتي، وفي غدٍ إن شاء الله تعالى أحكي لكم الحكاية الثانية من السبع سفرات.
ثم إن السندباد البحري عشَّى السندباد البري عنده، وأمر له بمائة مثقالٍ ذهبًا، وقال له: آنستنا في هذا النهار. فشكره الحمال، وأخذ منه ما وهبه له، وانصرف إلى حال سبيله وهو متفكِّر فيما يقع وما يجري للناس، ويتعجَّب غاية العجب، ونام تلك الليلة في منزله، ولما أصبح الصباح جاء إلى بيت السندباد البحري ودخل عنده، فرحَّبَ به وأكرمه وأجلسه عنده، ولما حضر بقية أصحابه قدَّمَ لهم الطعام والشراب، وقد صفا لهم الوقت، وحصل لهم الطرب، فبدأ السندباد البحري بالكلام وقال: اعلموا يا إخواني أني كنت في ألذ عيش وأصفى سرور على ما تقدم ذكره لكم بالأمس. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.