فلما كانت الليلة ٥٩٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن ملك العجم لما جعل نفسه شيخًا كبيرًا وقعد في البستان، حط بين يديه الحلي والحلل، وأظهر أنه يرتعش من الكبر والهِرَم والضَّعْف، فلما كان بعد ساعة حضر الجواري والخدم ومعهن ابنة الملك في وسطهن كأنها القمر بين النجوم، فأقبلن وجعلن يدرن في البستان، ويقطفن الأثمار ويتفرجن، فرأين رجلًا قاعدًا تحت شجرة من الأشجار، فقصدنه وهو ابن الملك، ونظرْنَه وإذا به شيخ كبير يرتعش بيديه ورجليه، وبين يديه حلي وذخائر من ذخائر الملوك، فلما نظرنه تعجبن من أمره، فسألنه عن هذا الحلي ما يصنع به، فقال لهن: هذا الحلي أريد أن أتزوج به واحدة منكن. فتضاحكن عليه وقلن له: إذا تزوجتَ فما تصنع بها؟ فقال: كنت أقبلها قبلة واحدة وأطلقها. فقالت له ابنة الملك: قد زوَّجْتُك بهذه الجارية. فقام إليها وهو يتوكأ على عصًا ويرتعش ويتعثر، فقبَّلَها ودفع لها ذلك الحلي والحلل، ففرحت الجارية وتضاحكن عليه، ثم ذهبن إلى منازلهن.
فلما كان في اليوم الثاني دخلن البستان وجئن نحوه، فوجدنه جالسًا في موضعه وبين يديه حلي وحلل أكثر من الأول، فقعدن عنده وقلن له: أيها الشيخ ما تصنع بهذا الحلي؟ فقال: أتزوج به واحدة منكن مثل البارحة. فقالت له ابنة الملك: قد زوَّجْتُك هذه الجارية. فقام إليها وقبَّلَها وأعطاها ذلك الحلي والحلل وذهبن إلى منزلهن، فلما رأت ابنة الملك الذي أعطاه للجواري من الحلي والحلل، قالت في نفسها: أنا كنت أحق بذلك، وما عليَّ بذلك من بأس. فلما أصبح الصباح خرجت من منزلها وحدها وهي في صورة جارية من الجواري، وأخفت نفسها إلى أن أتت عند الشيخ، فلما حضرت بين يديه قالت له: يا شيخ، أنا ابنة الملك هل تريد أن تتزوَّج بي؟ فقال لها: حبًّا وكرامةً. وأخرج لها من الحلي والحلل ما هو أعلى قدرًا وأغلى ثمنًا، ثم دفعه إليها وقام ليقبِّلها وهي آمنة مطمئنة، فلما وصل إليها قبض عليها بشدة وضرب بها الأرض وأزال بكارتها، وقال لها: أَمَا تعرفينني؟ فقالت له: مَن أنت؟ فقال لها: أنا بهرام ابن ملك العجم، قد غيَّرْتُ صورتي وتغرَّبْتُ عن أهلي ومملكتي من أجلك. فقامت من تحته وهي ساكتة لا تردُّ عليه جوابًا، ولا تبدي له خطابًا مما أصابها، وقالت في نفسها: إنْ قتلته فما يفيد قتله. ثم تفكَّرَتْ في نفسها وقالت: ما يسعني في ذلك إلا أن أهرب معه إلى بلاده. فجمعت مالها وذخائرها وأرسلت إليه وأعلمته بذلك لأجل أن يتجهَّز أيضًا ويجمع ماله، وتعاهدا على ليلة يسافران فيها، ثم ركبا الخيل الجياد وسارا تحت الليل، فما أصبح الصباح حتى قطعا بلادًا بعيدة، ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى بلاد العجم، قرب مدينة أبيه، فلما سمع والده تلقاه بالعساكر والجنود، وفرح غاية الفرح، ثم بعد أيام قلائل أرسل إلى والد الدتما هدية سنية، وكتب له كتابًا يخبره فيه أن ابنته عنده ويطلب جهازها، فلما وصلت الهدايا إليه تلقاها وأكرم من حضر بها غاية الإكرام، وفرح بذلك فرحًا شديدًا، ثم أولم الولائم، وأحضر القاضي والشهود، وكتب كتابها على ابن الملك، وخلع على الرسل الذين حضروا بالكتاب من عند ابن ملك العجم، وأرسل إلى ابنته جهازها، ثم أقام معها ابن ملك العجم حتى فرَّقَ الموت بينهما. فانظر أيها الملك كيدَ الرجال والنساء، وأنا لن أرجع عن حقي إلى أن أموت. فأمر الملك بقتل ولده، فدخل عليه الوزير السابع، فلما حضر بين يديه قبَّلَ الأرض وقال: أيها الملك، أملهني حتى أقول لك هذه النصيحة، فإن مَن صبر وتأنَّى أدرك الأمل ونال ما تمنَّى، ومَن استعجل يحصل له الندم، وقد رأيتَ ما تعهرته هذه الجارية من حمل الملك على ركوب الأهوال، والمملوك المغمور من فضلك وإنعامك ناصح لك، وأنا أيها الملك أعرف من كيد النساء ما لا يعرفه أحد غيري، وقد بلغني من ذلك حديث العجوز وولد التاجر. فقال له الملك: وكيف كان ذلك يا وزير؟
حكاية ابن التاجر والدار الحسن المليح
فقال له الوزير: بلغني أيها الملك أن تاجرًا كان كثير المال، وكان له ولد يعزُّ عليه، فقال الولد لوالده يومًا من الأيام: يا والدي، أتمنى عليك أمنية تفرج عني بها. فقال له أبوه: وما هي يا ولدي حتى أعطيكها؟ ولو كانت نور عيني لأبلغك به مقصودك. فقال له الولد: أتمنى عليك أن تعطيني شيئًا من المال أسافر به مع التجار إلى بلاد بغداد لأتفرج عليها، وأنظر قصور الخلفاء؛ لأن أولاد التجار وصفوا لي ذلك، وقد اشتقت أن أنظر إليها. فقال له والده: يا بني، مَن له صبر على غيبتك؟ فقال له الولد: أنا قلت لك هذه الكلمة، ولا بد من السير إليها برضاء أو بغير رضاء، فقد وقع في نفسي وَجْد لا يزول إلا بالوصول إليها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.