فلما كانت الليلة ٦٠٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الولد لما اشترى القناع من التاجر أخذه وانصرف به إلى داره، وإذا هو بالعجوز قد أقبلَتْ، فلما رآها قام لها على قدميه وأعطاها ذلك القناع، ثم قالت له: أحضر لي جمرة نار. فأحضر الولد النار، فقربت طرف القناع من الجمرة فأحرقت طرفه، ثم طوته كما كان وأخذته وانصرفت به إلى بيت أبي الفتح، فلما وصلت طرقت الباب، فلما سمعت الجارية صوتها قامت وفتحت لها الباب، وكان للعجوز صحبة بأم الجارية وهي تعرفها؛ وذلك بسبب أنها رفيقة أمها، فقالت لها الجارية: وما حاجتك يا أمي؟ إن والدتي خرجت من عندي إلى منزلها. فقالت لها العجوز: يا بنتي أنا عارفة أن أمك ليست عندك، وأنا كنت عندها في الدار، وما جئت إليك إلا خوف فوات وقت الصلاة، فأريد الوضوء عندك، فإني أعلم منك أنك نظيفة ومنزلك طاهر. فأذنت لها الجارية بالدخول عندها، فلما دخلت سلمت عليها ودعت لها، ثم أخذت الإبريق ودخلت بيت الخلاء، ثم توضأت وصلت في موضع، وقامت بعد ذلك للجارية وقالت لها: يا بنتي، أظن أن هذا الموضع الذي صليت فيه مشى فيه الخدم وأنه نجس، فانظري لي موضعًا آخَر لأصلي فيه، فإني أبطلت الصلاة التي صليتها. فأخذتها الجارية من يدها وقالت لها: يا أمي تعالي صلي على فرشي الذي يجلس عليه زوجي. فلما أوقفتها على الفراش قامت تصلي وتدعو وتركع، ثم غافلت الجارية وجعلت ذلك القناع تحت المخدة من غير أن تنظرها، ولما فرغت من الصلاة دعت لها وقامت فخرجت من عندها.
فلما كان آخِر النهار، دخل التاجر زوجها فجلس على الفراش، فأتته بطعام فأكل منه كفايته وغسل يديه، ثم اتكأ على الوسادة وإذا بطرف القناع خارج من تحت المخدة، فأخرجه من تحتها، فلما نظره عرفه، فظنَّ بالجارية الفحشاء، فناداها وقال لها: من أين لك هذا القناع؟ فحلفت له أيمانًا وقالت له: إنه لم يأتني أحدٌ غيرك. فسكت التاجر خوفًا من الفضيحة، وقال في نفسه: متى فتحَتْ هذا الباب افتضحتُ في بغداد؛ لأن ذلك التاجر كان جليس الخليفة. فلم يسعه إلا السكوت، ولم يخاطب زوجته بكلمة واحدة، وكان اسم الجارية محظية، فناداها وقال لها: قد بلغني أن أمك راقدة ضعيفة من وجع قلبها، وجميع النساء عندها يتباكين عليها، وقد أمرتك أن تخرجي إليها. فمضت الجارية إلى أمها، فلما دخلت الدار وجدت أمها طيبة، فجلست ساعة وإذا بالحمَّالين قد أقبلوا عليها بنقل حوائجها من دار التاجر، فنقلوا جميع ما في الدار من الأمتعة، فلما رأت ذلك أمها قالت: يا بنتي، أي شيء جرى لكِ؟ فأنكرت منها ذلك، ثم بكت أمها وحزنت على فراق بنتها من ذلك الرجل.
ثم إن العجوز بعد مدة من الأيام جاءت إلى الجارية وهي في المنزل، فسلمت عليها باشتياق وقالت لها: ما لك يا بنتي يا حبيبتي قد شوشتِ فكري؟ ودخلت على أم الجارية فقالت لها: يا أختي، ما الخبر؟ وما حكاية البنت مع زوجها؟ فإنه قد بلغني أنه طلَّقَها، فأي شيء لها من الذنب يوجب هذا كله؟ فقالت لها أم الجارية: لعل زوجها يرجع إليها ببركتك، فادعي لها يا أختي، فإنك صوَّامة قوَّامة طول ليلك. ثم إن البنت لما اجتمعت هي وأمها والعجوز في البيت وتحدثن مع بعضهن، قالت لها العجوز: يا ابنتي، لا تحملي همًّا، إن شاء الله تعالى أجمع بينك وبين زوجك في هذه الأيام. ثم خرجت إلى الولد وقالت له: هيِّئ لنا مجلسًا مليحًا، فإني آتيك بها في هذه الليلة. فنهض الولد وأحضر ما يحتجن إليه من الأكل والشرب، وقعد في انتظارهما، فجاءت العجوز إلى أم الجارية وقالت لها: يا أختي، عندنا فرح فأرسلي البنت معي لتتفرج ويزول ما بها من الهم والغم، ثم أرجع بها إليك مثل ما أخذتها من عندك. فقامت أم الجارية وألبستها أفخر ملبوسها وزينتها بأحسن الزينة من الحلي والحلل، وخرجت مع العجوز وذهبت أمها معها إلى الباب، وصارت توصي العجوز وتقول لها: احذري أن ينظرها أحد من خلق الله تعالى، فإنك تعلمين منزلةَ زوجها عند الخليفة، ولا تتعوقي وارجعي بها في أسرع وقت. فأخذتها العجوز إلى أن وصلت بها إلى منزل الولد، والجارية تظن أنه منزل العرس، فلما دخلت الدار ووصلت إلى قاعة الجلوس … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.