فلما كانت الليلة ٦٠١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما دخلت الدار ووصلت إلى قاعة الجلوس، وثب الولد إليها وعانقها وقبَّلَ يديها ورجليها، فاندهشت الجارية من حُسْن الولد، وتخيلت أن ذلك المكان، وجميع ما فيه من مشموم ومأكول ومشروب منام، فلما نظرت العجوز اندهاشها قالت لها: اسم الله عليك يا بنتي، فلا تخافي، وأنا قاعدة ولا أفارقك ساعة واحدة، وأنت تصلحين له وهو يصلح لك. فقعدت الجارية وهي في شدة الخجل، فلم يزل الولد يلاعبها ويضاحكها ويؤانسها بالأشعار والحكايات حتى انشرح صدرها وانبسطت، فأكلت وشربت، ولما طاب لها الشراب أخذت العود وغنَّتْ، ولحُسْن الولد مالت وحنَّتْ، فلما رأى الولد منها ذلك سكر من غير مدام، وهانت عليه روحه، وخرجت العجوز من عندهما، ثم أتتهما في الصباح وصبحت عليهما، ثم قالت للجارية: كيف كانت ليلتك يا سيدتي؟ فقالت لها: كانت طيبة بطول أياديكِ وحُسْن تعرُّضك. ثم قالت لها: قومي نروح إلى أمك. فلما سمع الولد كلام العجوز أخرج لها مائة دينار وقال لها: خليها عندي هذه الليلة. فخرجت العجوز من عندهما، ثم ذهبت إلى والدة الجارية وقالت لها: بنتك تسلِّم عليك، وأم العروسة قد حلفت عليها أنها تبيت عندها هذه الليلة. فقالت لها أمها: يا أختي، سلِّمي عليهما، وإذا كانت الجارية منشرحة لذلك فلا بأسَ ببياتها حتى تنبسط وتجيء على مهلها، فإني ما أخاف عليها إلا من القهر من جهة زوجها.
وما زالت العجوز تعمل لأم الجارية حيلة بعد حيلة إلى أن مكثت سبعة أيام، وكل يوم تأخذ من الولد مائة دينار، فلما مضت هذه الأيام قالت أم الجارية للعجوز: هات لي بنتي في هذه الساعة، فإن قلبي مشغول عليها، وقد طالت مدة غيبتها وتوهمت من ذلك. فخرجت العجوز من عندها غضبانة من كلامها، ثم جاءت إلى الجارية ووضعت يدها في يدها، ثم خرجتا من عند الولد وهو نائم على فراشه من سكر المدام إلى أن وصلتا إلى أم الجارية، فالتفتت أمها إليها ببسط وانشراح، وفرحت بها غاية الفرح، وقالت لها: يا بنتي، إن قلبي مشغول بكِ، ووقعت في حق أختي بكلام أوجعتها به. فقالت لها: قومي وقبلي يديها ورجليها، فإنها كانت لي كالخادم في قضاء حاجتي، وإن لم تفعلي ما أمرتك به فما أنا بنتك ولا أنت أمي. فقامت من وقتها وصالحتها. ثم إن الولد قام من سكره فلم يجد الجارية؛ لكنه استبشر بما ناله لما بلغ مقصوده.
ثم إن العجوز ذهبت إلى الولد وسلمت عليه، وقالت له: ماذا رأيتَ من فعالي؟ فقال لها: نِعْمَ ما فعلتِه من الرأي والتدبير. ثم قالت له: تعالَ لنصلح ما أفسدنا، ونرد هذه الجارية إلى زوجها، فإننا كنا سبب الفراق بينهما. فقال لها: وكيف أفعل؟ قالت: تذهب إلى دكان التاجر وتقعد عنده وتسلم عليه، وأنا أفوت على الدكان، فلما تنظرني قم إليَّ من الدكان بسرعة واقبض عليَّ واجذبني من ثيابي واشتمني، وخوِّفني وطالبني بالقناع، وقل للتاجر: أنت يا مولاي ما تعرف القناع الذي اشتريته منك بخمسين دينارًا؟ فقد حصل يا سيدي أن جاريتي لبسته فاحترق منها موضع من طرفه، فأعطته جاريتي لهذه العجوز تعطيه لأحد يرفوه لها، فأخذته ومضت ولم أرها من ذلك اليوم. فقال لها الولد: حبًّا وكرامة. ثم إن الولد تمشى من وقته وساعته إلى دكان التاجر وجلس عنده ساعة، وإذا بالعجوز جائزة على الدكان، وبيدها سبحة تسبح بها، فلما رآها قام على رجليه من الدكان وجذبها من ثيابها وصار يشتمها ويسبها، وهي تكلمه بلطافة وتقول له: يا ولدي، أنت معذور. فاجتمع أهل السوق عليها وقالوا: ما الخبر؟ فقال: يا قوم، إنني اشتريت من هذا التاجر قناعًا بخمسين دينارًا، ولبسته الجارية ساعة واحدة، فقعدت تبخره فطارت شرارة فأحرقت طرفه، فدفعناه إلى هذه العجوز على أنها تعطيه لمَن يرفوه وترده لنا، فمن ذلك الوقت ما رأيناها أبدًا. فقالت العجوز: صدق هذا الولد، نعم إني أخذته ودخلت به بيتًا من البيوت التي أدخلها على عادتي، فنسيته في موضع من تلك الأماكن، ولم أدرِ في أي موضع هو، وأنا امرأة فقيرة وخفت من صاحبه، فلم أواجهه. كل هذا والتاجر زوج المرأة يسمع كلامها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.