فلما كانت الليلة ٦٠٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الولد لما قبض على العجوز وكلمها من قبل القناع كما علَّمته، كان التاجر زوج المرأة يسمع الكلام من أوله إلى آخره، فلما اطلع التاجر على الخبر الذي دبَّرته هذه العجوز الماكرة مع الولد، قام التاجر على قدميه، ثم قال: الله أكبر، إني أستغفر الله العظيم من ذنوبي، وما توهمه خاطري. وحمد الله الذي كشف له عن الحقيقة، ثم أقبل التاجر وقال لها: هل تدخلين عندنا؟ فقالت له: يا ولدي، أنا أدخل عندك وعند غيرك لأجل الحسنة، ومن ذلك اليوم لم يعطني أحد خبر ذلك القناع. فقال لها التاجر: هل سألتِ أحدًا عنه في بيتنا؟ فقالت له: يا سيدي، إنني رحت البيت وسألت فقالوا لي إن أهل البيت قد طلَّقَها التاجر، فرجعت ولم أسأل أحدًا بعد ذلك إلى هذا اليوم. فالتفت التاجر إلى الولد وقال له: أطلِقْ سبيلَ هذه العجوز، فإن القناع عندي. وأخرجه من الدكان، وأعطاه للرفاه قدام الحاضرين، ثم بعد ذلك ذهب إلى زوجته، وأعطاها شيئًا من المال، وراجعها إلى نفسه بعد أن بالغ في الاعتذار إليها، واستغفر الله وهو لا يدري بما فعلت العجوز. فهذا من جملة كيد النساء أيها الملك.
حكاية ابن الملك والجارية والعفريت
ثم قال الوزير: وقد بلغني أيضًا أيها الملك أن بعض أولاد الملوك خرج منفردًا بنفسه ليتفرج، فمَرَّ بروضة خضراء ذات أشجار وأثمار وأطيار وأنهار تجري خلال تلك الروضة، فاستحسن الولد ذلك الموضع وجلس فيه، وأخرج شيئًا من النقل الذي كان معه، وجعل يأكل فيه، فبينما هو كذلك إذ رأى دخانًا عظيمًا طالعًا إلى السماء من ذلك المكان، فخاف ابن الملك وقام فصعد على شجرة من الأشجار واختفى فيها، فلما طلع فوقها رأى عفريتًا طلع من وسط ذلك النهر، وعلى رأسه صندوق من الرخام، وعليه قفل، فوضعه في تلك الروضة، وفتح ذلك الصندوق فخرجت منه جارية كأنها الشمس الضاحية في السماء الصاحية، وهي من الإنس، فأجلسها بين يديه يتفرج عليها، ثم حط رأسه على حجرها فنام، فأخذت رأسه وحطتها على الصندوق وقامت تتمشى، فلاح منها نظرة إلى تلك الشجرة، فرأت ابن الملك، فأومت إليه بالنزول، فامتنع من النزول، فأقسمت عليه وقالت له: إن لم تنزل وتفعل بي الذي أقوله لك نبَّهْتُ العفريت من النوم وأعلمته، فيهلكك من ساعتك. فخاف الولد منها فنزل، فلما نزل قبَّلَتْ يديه ورجليه، وراودته على قضاء حاجتها، فأجابها إلى سؤالها، فلما فرغ من قضاء حاجتها، قالت له: أعطني هذا الخاتم الذي بيدك. فأعطاها الخاتم فصرَّتْه في منديل حرير كان معها، وفيه عدة من الخواتم تفوق عن ثمانين، وجعلت ذلك الخاتم من جملتها، فقال لها ابن الملك: وما تصنعين بهذه الخواتم التي معكِ؟ فقالت له: إن هذا العفريت اختطفني من قصر أبي، وجعلني في هذا الصندوق، وقفل عليَّ بقفل معه، ووضعني فيه على رأسه حيثما توجَّهَ، ولا يكاد يصبر عني ساعة واحدة من شدة غيرته عليَّ، ويمنعني مما أشتهيه، فلما رأيتُ ذلك منه حلفت أني لا أمنع أحدًا من وصالي، وهذه الخواتم التي معي على قدر عدد الرجال الذين واصلوني؛ لأن كلَّ مَن واصلني آخذ خاتمَه فأجعله في هذا المنديل. ثم قالت له: توجَّهْ إلى حال سبيلك لأنتظر أحدًا غيرك، فإنه لا يقم في هذه الساعة. فما صدق الولد ابن الملك بذلك إلا وانصرف إلى حال سبيله حتى وصل إلى منزل أبيه، والملك لم يعلم بكيد الجارية لابنه، ولم تخف من ذلك، ولم تحسب له حسابًا.
فلما سمع الملك أن خاتم ولده ضاع، أمر أن يقتل ذلك الولد، ثم قام من موضعه فدخل قصره، وإذا بالوزراء رجعوه عن قتل ولده، فلما كان ذات ليلة أرسل الملك إلى الوزراء يدعوهم فحضروا جميعًا، فقام إليهم الملك وتلقاهم وشكرهم على ما كان منهم من مراجعته عن قتل ولده، وكذلك شكرهم الولد، وقال لهم: نِعْمَ ما دبَّرْتم إلى والدي في بقاء نفسي، وسوف أجازيكم بخير إن شاء الله تعالى. ثم إن الولد بعد ذلك أخبرهم بسبب ضياع خاتمه، فدعوا له بطول البقاء وعلو الارتقاء، ثم انصرفوا من المجلس. فانظر أيها الملك كيد النساء وما تفعله في الرجال. فرجع الملك عن قتل ولده.
فلما أصبح الصباح، جلس والده في اليوم الثامن فدخل عليه ولده ويده في يد مؤدبه السندباد، وقبَّلَ الأرض بين يديه، ثم تكلَّمَ بأفصح لسان، ومدح والده ووزراءه وأرباب دولته، وشكرهم وأثنى عليهم، وكان حاضرًا بالمجلس العلماء والأمراء والجند وأشراف الناس، فتعجَّبَ الحاضرون من فصاحة ابن الملك وبلاغته وبراعته في نطقه. فلما سمع والده ذلك فرح به فرحًا شديدًا زائدًا، ثم ناداه وقبَّلَه بين عينيه، ونادى مؤدبه السندباد وسأله عن سبب صمت ولده مدة السبعة أيام، فقال له المؤدب: يا مولانا، الإصلاح في أنه لا يتكلم، فإني خشيت عليه من القتل في تلك المدة، وكنت يا سيدي أعرف هذا الأمر يوم ولادته، فإني لما رأيت طالعه دلَّني على جميع ذلك، وقد زال عنه السوء بسعادة الملك. ففرح الملك بذلك، وقال لوزرائه: لو كنت قتلت ولدي هل يكون الذنب عليَّ أو على الجارية أو على المؤدب السندباد؟ فسكت الحاضرون عن رد الجواب، فقال مؤدب الولد السندباد لولد الملك: ردَّ الجواب يا ولدي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.