فلما كانت الليلة ٦٠٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز قالت للتاجر: اذهب الليلة إلى العالم الذي يجتمع عليه أهل البلد واخفِ نفسك، لعلك تسمع منه حجَّة تخلِّصك من غرمائك. فانصرف التاجر من عندها إلى الموضع الذي أخبرته به وأخفى نفسه، ثم نظر إلى الشيخ وجلس قريبًا منه، فما كان إلا ساعة وقد حضر جماعته الذين يتحاكمون عنده، فلما صاروا بين يدي الشيخ سلَّموا عليه وسلَّم بعضهم على بعض وقعدوا حوله، فلما رآهم التاجر وجد غرماءه الأربعة من جملة الذين حضروا، فقدم لهم الشيخ شيئًا من الأكل فأكلوا، ثم أقبل كل واحد منهم يخبره بما جرى له في يومه، فتقدَّمَ صاحب الصندل وأخبر الشيخ بما جرى له في يومه، من أنه اشترى صندلًا من رجل بغير قيمته، واستقر البيع بينهما على ملء صاع مما يحب، فقال له الشيخ: قد غلبك خصمك. فقال له: كيف يغلبني؟ قال الشيخ: فإذا قال لك أنا آخذ ملئه ذهبًا أو فضة، فهل أنت تعطيه؟ قال: نعم أعطيه وأنا أكون الرابح. فقال له الشيخ: فإذا قال لك: أنا آخذ ملء صاع براغيث، النصف ذكور والنصف إناث، فماذا تصنع؟ فعلم أنه مغلوب.
ثم تقدَّمَ الأعور وقال: يا شيخ، إني رأيت اليوم رجلًا أزرق العينين وهو غريب البلاد، فتقاويت عليه وتعلقت به وقلت له: أنت قد أتلفتَ عيني. وما تركته حتى ضمنه لي جماعة أنه يعود إليَّ ويرضيني في عيني. فقال له الشيخ: لو أراد غلبك لغلبك. قال: وكيف يغلبني؟ قال: يقول لك اقلع عينك وأنا أقلع عيني، ونزن كل منهما، فإن تساوت عيني بعينك فأنت صادق فيما ادَّعَيْتَه، ثم تغرم دية عينه وتكون أنت أعمى، ويكون هو بصيرًا بعينه الثانية. فعلم أنه يغلبه بهذه الحجة.
ثم تقدَّمَ الإسكافي وقال له: يا شيخ، إني رأيت رجلًا أعطاني نعله، وقال لي: أَصْلِحْه. فقلت له: ألن تعطيني الأجرة؟ فقال لي: أَصْلِحْه ولك عندي ما يرضيك. وأنا لا يرضيني إلا جميع ماله. فقال له الشيخ: إذا أراد أخذ نعله منك ولا يعطيك شيئًا أخذه. فقال له: وكيف ذلك؟ قال: يقول لك إن السلطان هُزِمت أعداؤه، وضعفت أضداده، وكثرت أولاده وأنصاره، أرضيتَ أم لا؟ فإن قلت: رضيتُ. أخذ نعله منك وانصرف، وإن قلت: لا. أخذ نعله وضرب به وجهك وقفاك. فعلم أنه مغلوب.
ثم تقدَّمَ الرجل الذي لعب معه بالمراهنة وقال له: يا شيخ، إني لقيت رجلًا فراهنته وغلبته، فقلت له: إن شربت هذا البحر فأنا أخرج عن جميع مالي لك، وإن لم تشربه فاخرج عن جميع مالك لي. فقال له الشيخ: لو أراد غلبك لغلبك. فقال له: وكيف ذلك؟ قال: يقول لك أمسك لي فم البحر بيدك، وناوله لي وأنا أشربه. فلا تستطيع ويغلبك بهذه الحجة.
فلما سمع التاجر ذلك عرف ما يحتجُّ به على غرمائه، ثم قاموا من عند الشيخ وانصرف التاجر إلى محله، فلما أصبح الصباح أتاه الذي راهنه على شرب البحر، فقال له التاجر: ناولني فم البحر وأنا أشربه. فلم يقدر فغلبه التاجر، وفدى الراهن نفسه بمائة دينار وانصرف. ثم جاءه الإسكافي وطلب منه ما يرضيه، فقال له التاجر: إن السلطان غلب أعداءه، وأهلك أضداده، وكثرت أولاده، أرضيت أم لا؟ قال له: نعم رضيتُ. فأخذ مركوبه بلا أجرة وانصرف. ثم جاءه الأعور وطلب منه دية عينه. فقال له التاجر: اقلع عينك وأنا أقلع عيني ونزنهما، فإن استوتا فأنت صادق فخذ دية عينك. فقال له الأعور: أمهلني. ثم صالح التاجر على مائة دينار وانصرف. ثم جاءه الذي اشترى الصندل فقال له: خذ ثمن صندلك. فقال له: أي شيء تعطيني؟ فقال له: قد اتفقنا على أن صاعًا صندلًا بصاعٍ من غيره، فإن أردتَ خذ ملؤه ذهبًا أو فضة. فقال له التاجر: أنا لا آخذ إلا ملؤه براغيث، النصف ذكور والنصف إناث. فقال له: أنا لا أقدر على شيء من ذلك. فغلبه التاجر وفدى المشتري نفسه منه بمائة دينار بعد أن رجَّعَ له صندله، وباع التاجر الصندل كيف أراد، وقبض ثمنه وسافر من تلك المدينة إلى بلده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.