فلما كانت الليلة ٦٠٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن القاضي لما ألزم الحارسة بالكيس وألزم بها جماعة من غرمائها، خرجت وهي حيرانة لم تعرف طريقًا، فلقيها غلامٌ له من العمر خمسُ سنين، فلما رآها الغلام وهي حيرانة قال لها: ما لكِ يا أماه؟ فلم تردَّ عليه جوابًا، واستحقرته لصِغَر سنه، فكرَّرَ عليها الكلام أولًا وثانيًا وثالثًا، فقالت له: إن جماعةً دخلوا عليَّ البستان ووضعوا عندي كيسًا فيه ألف دينار، وشرطوا عليَّ ألَّا أعطي أحدًا الكيس إلا بحضرتهم كلهم، ثم دخلوا البستان يتفرجون ويتنزهون فيه، فخرج واحد منهم وقال لي: أعطني الكيس. فقلت له: حتى يحضر رفقاؤك. فقال لي: قد أخذتُ الإذن منهم. فلم أرضَ أن أعطيه الكيس، فصاح على رفقائه وقال لهم: ما هي راضية أن تعطيني شيئًا؟ فقالوا لي: أعطيه. وكانوا بالقرب مني، فأعطيته الكيس، فأخذه وخرج إلى حال سبيله، فاستبطأه رفقاؤه فخرجوا إليَّ وقالوا: لأي شيء لم تعطه المشط؟ فقلت لهم: ما ذكر لي مشطًا، وما ذكر لي إلا الكيس. فقبضوا عليَّ ورفعوني إلى القاضي، وألزمني بالكيس. فقال لها الغلام: أعطيني درهمًا آخذ به حلاوة، وأنا أقول لك شيئًا يكون لكِ فيه الخلاص. فأعطته الحارسة درهمًا وقالت له: ما عندك من القول؟ فقال لها الغلام: ارجعي إلى القاضي وقولي له: كان بيني وبينهم أني لا أعطيهم الكيس إلا بحضرتهم الأربعة. قال: فرجعَتِ الحارسة إلى القاضي وقالت له ما قاله لها الغلام، فقال لهم القاضي: أكان بينكم وبينها هكذا؟ قالوا: نعم. فقال لهم القاضي: أحضروا لي رفيقكم وخذوا الكيس. فخرجت الحارسة سالمةً ولم يحصل لها ضرر، وانصرفت إلى حال سبيلها.
فلما سمع الملك كلام ولده والوزراء، ومَن حضر ذلك المجلس، قالوا للملك: يا مولانا الملك، إن ابنك هذا أبرع أهل زمانه. فدعوا له وللملك، فضمَّ الملك ولده إلى صدره وقبَّلَه بين عينيه، وسأله عن قضيته مع الجارية، فحلف ابن الملك بالله العظيم وبنبيه الكريم أنها هي التي راودته عن نفسه، فصدَّقه الملك في قوله، وقال له: قد حكَّمْتُك فيها إنْ شئتَ فاقتلها أو فافعل بها ما تشاء. فقال الولد لأبيه: انْفِها من المدينة. وقعد ابن الملك مع والده في أرغد عيش وأهناه، إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات. وهذا آخِر ما انتهى إلينا من قصة الملك وولده والجارية والوزراء السبعة.
حكاية جودر الصياد وأخويه
وبلغني أيضًا أن رجلًا تاجرًا اسمه عمر، قد خلف من الذرية ثلاثة أولاد: أحدهم يُسمَّى سالمًا، والأصغر يُسمَّى جودرًا، والأوسط يُسمَّى سليمًا، وربَّاهم إلى أن صاروا رجالًا، ولكنه كان يحب جودرًا أكثر من أخويه، فلما تبيَّنَ لهما أنه يحب جودرًا، أخذتهما الغيرة وكرهَا جودرًا، فبان لأبيهما أنهما يكرهان أخيهما، وكان والدهم كبير السن، وخاف أنه إذا مات يحصل لجودر مشقة من أخويه، فأحضر جماعة من أهله وأحضر جماعة قسامين من طرف القاضي وجماعة من أهل العلم، وقال: هاتوا لي مالي وقماشي. فأحضروا له جميع المال والقماش فقال: يا ناس، اقسموا هذا المال والقماش أربعة أقسام بالموضع الشرعي. فقسَّموه، فأعطى كل ولد قسمًا، وأخذ هو قسمًا وقال: هذا مالي وقسمته بينهم، ولم يَبْقَ لهم عندي ولا عند بعضهم شيء، فإذا متُّ لا يقع بينهم اختلاف؛ لأني قسمت بينهم الميراث في حال حياتي، وهذا المال الذي أخذته أنا فإنه يكون لزوجتي أم هذه الأولاد، فتستعين به على معيشتها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.