فلما كانت الليلة ٦٠٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر لما قسم ماله وقماشه أربعة أقسام، أعطى كل ولد من الأولاد الثلاثة قسمًا وأخذ هو القسم الرابع، وقال: هذا القسم يكون لزوجتي أم هذه الأولاد تستعين به على معيشتهم. ثم بعد مدة قليلة مات والدهم، فما أحد رضي بما فعل والدهم عمر، بل طلبوا الزيادة من جودر، وقالوا له: إن مال أبينا عندك. فترافع معهم إلى الحكام، وجاء المسلمون الذين كانوا حاضرين وقت القسيمة، وشهدوا بما علموا ومنعهم الحاكم عن بعضهم؛ فخسر جودر جانبًا من المال، وخسر إخوته كذلك بسبب النزاع، فتركوه مدةً ثم مكروا به ثانيًا، فترافع معهم إلى الحكام فخسروا جملة من المال أيضًا من أجل الحكام، وما زالوا يطلبون أذيته من ظالم إلى ظالم وهم يخسرون ويخسر حتى أطعموا جميع ما لهم للظالمين، وصار الثلاثة فقراء. ثم جاء أخواه إلى أمهم وضحكا عليها، وأخذَا مالها وضرباها وطرداها، فجاءت إلى ابنها جودر وقالت له: قد فعل أخواك معي كذا وكذا، وأخذا مالي. وصارت تدعو عليهما، فقال لهما جودر: يا أمي لا تدعي عليهما؛ فالله يجازي كلًّا منهما بعمله، ولكن يا أمي أنا بقيت فقيرًا وأخواي فقيران، والمخاصمة تحتاج لخسارة المال، واختصمتُ أنا وإياهما كثيرًا بين يدي الحكام، ولم يفدنا ذلك شيئًا، بل خسرنا جميع ما خلفه لنا والدنا، وهتكنا الناس بسبب الشهادة؛ وهل بسببك أختصم وإياهم، ونترافع إلى الحكام؟ فهذا شيء لا يكون، إنما تقعدين عندي والرغيف الذي آكله أخليه لك، وادعي لي والله يرزقني برزقك، واتركيهما يلقيان من الله جزاءَ فعلهما، وتسلي بقول مَن قال:
وصار يطيِّب خاطر أمه حتى رضيت ومكثت عنده، فأخذ له شبكة وصار يذهب إلى البحر والبرك، وإلى كل مكان فيه ماء، وصار يذهب كل يوم إلى جهة، فصار يعمل يومًا بعشرة ويومًا بعشرين ويومًا بثلاثين، ويصرفها على أمه، ويأكل طيبًا، ويشرب طيبًا، ولا صنعة ولا بيع ولا شراء لأخويه، ودخل عليهما الساحق والماحق والبلاء اللاحق، وقد ضيَّعَا الذي أخذاه من أمهما، وصارا من الصعاليك المعاكيس عريانين، فتارةً يأتيان إلى أمهما ويتواضعان لها زيادة، ويشكوان إليها الجوع، وقلب الوالدة رءوف، فتُطعِمهما عيشًا معفنًا، وإن كان هناك طبيخ بائت تقول لهما: كُلَاه سريعًا وروحا قبل أن يأتي أخوكما، فإنه ما يهون عليه ويقسو قلبه عليَّ وتفضحاني معه. فيأكلان باستعجال ويروحان، فدخلا على أمهما يومًا من الأيام، فحطت لهما طبيخًا وعيشًا، فصار يأكلان وإذا بأخيهما جودر داخل، فاستحت أمه وخجلت منه، وخافت أن يغضب عليها، وأطرقت برأسها في الأرض حياءً من ولدها، فتبسَّمَ في وجوههم وقال: مرحبًا يا أخويَّ، نهار مبارك، ماذا جرى حتى زرتماني في هذا النهار المبارك؟ واعتنقهما ووَادَّهما، وصار يقول: ما كان رجائي أن توحشاني ولا تجيئا عندي، ولا تطلا عليَّ ولا على أمكما! فقالا: والله يا أخانا إننا اشتقنا إليك، ولا منعنا إلا الحياء مما جرى بيننا وبينك، ولكن ندمنا كثيرًا، وهذا فعل الشيطان لعنه الله تعالى، ولا لنا بركة إلا أنت وأمنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.