فلما كانت الليلة ٦٠٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جودرًا لما دخل منزله ورأى إخوته رحَّبَ بهما وقال لهما: ما لي بركة إلا أنتما. فقالت له أمه: يا ولدي بيَّضَ الله وجهك وكثَّرَ الله خيرك، وأنت الأكثر يا ولدي. فقال: مرحبًا بكما، أقيما عندي والله كريم والخير عندي كثير. واصطلح معهما وباتا عنده وتعشيَّا معه. وثاني يوم فطرَا وجودر حمل الشبكة وراح على باب الفتح وراح أخواه، فغابا إلى الظهر وأتيا، فقدَّمت لهما أمهم الغداء، وفي المساء أتى أخوهم وجاء باللحم والخضار وصاروا على هذه الحالة مدة شهر، وجودر يصطاد سمكًا ويبيعه ويصرف ثمنه على أمه وأخويه، وهما يأكلان ويبرجسان. فاتفق يومًا من الأيام أن جودر أخذ الشبكة إلى البحر فرماها وجذبها فطلعت فارغة، فطرحها ثانيًا فطلعت فارغة، فقال في نفسه: هذا المكان ما فيه سمك. ثم انتقل إلى غيره ورمى فيه الشبكة فطلعت فارغة، ثم انتقل إلى غيره، ولم يزل ينتقل من الصباح إلى المساء ولم يصطد ولا صيرة واحدة، فقال: عجائب! هل السمك فرغ من البحر أو ما السبب؟ ثم حمل الشبكة على ظهره ورجع مغمومًا مقهورًا حاملًا همَّ أخويه وأمه، ولم يدرِ بأي شيء يعشِّيهم؛ فأقبل على طابونة فرأى الخلق على العيش مزدحمين، وبأيديهم الدراهم ولا يلتفت إليهم الخباز؛ فوقف وتحسَّرَ، فقال له الخباز: مرحبًا بك يا جودر، هل تحتاج عيشًا؟ فسكت، فقال له: إن لم يكن معك درهم فخذ كفايتك وعليك مهل. فقال له: أعطني بعشرة أنصاف عيشًا. فقال له: خذ هذه عشرة أنصاف أُخَر، وفي غدٍ هات لي بالعشرين سمكًا. فقال: على الرأس والعين. فأخذ العيش والعشرة أنصاف أخذ بها لحمة وخضارًا وقال: في غد يفرجها المولى. وراح إلى منزله وطبخت أمه الطعام وتعشَّى ونام، وثاني يوم أخذ الشبكة، فقالت له أمه: اقعد افطر. قال: افطري أنتِ وأخواي. ثم ذهب إلى البحر ورمى الشبكة فيه أولًا وثانيًا وثالثًا وتنقل، وما زال كذلك إلى العصر ولم يقع له شيء، فحمل الشبكة ومشى مقهورًا، وطريقه لا يكون إلا على الخباز، فلما وصل جودر رآه الخباز فعدَّ له العيش والفضة، وقال له: تعالَ خذ ورح إنْ ما كان في اليوم يكون في غد، فأراد أن يعتذر له فقال له: رح ما يحتاج لعذر، لو كنت اصطدت شيئًا كان معك، فلما رأيتك فارغًا علمت أنه ما حصل لك شيء، وإن كان في غد لم يحصل لك شيء، فتعالَ خذ عيشًا ولا تستحِ وعليك مهل.
ثم إنه ثالث يوم تبع البرك إلى العصر فلم يَرَ فيها شيئًا، فراح إلى الخبَّاز وأخذ منه العيش والفضة. وما زال على هذه الحالة مدة سبعة أيام، ثم إنه تضايق فقال في نفسه: رح اليوم إلى بركة قارون. ثم إنه أراد أن يرمي الشبكة فلم يشعر إلا وقد أقبل عليه مغربي راكب على بغلة وهو لابس حلة عظيمة، وعلى ظهر البغلة خرج مزركش، وكل ما على البغلة مزركش، فنزل من فوق ظهر البغلة وقال: السلام عليك يا جودر يا ابن عمر. فقال له: وعليك السلام يا سيدي الحاج. فقال له المغربي: يا جودر، إن لي عندك حاجة، فإن طاوعتني تنال خيرًا كثيرًا، وتكون بسبب ذلك صاحبي، وتقضي لي حوائجي. فقال له: يا سيدي الحاج، قل لي أي شيء في خاطرك، وأنا أطاوعك وما عندي خلاف. فقال له: اقرأ الفاتحة. فقرأها معه، وبعد ذلك أخرج له قيطانًا من حرير، وقال له: كتِّفني وشدَّ كتافي شدًّا قويًّا، وارمني في البركة، واصبر عليَّ قليلًا، فإن رأيتني أخرجتُ يدي من الماء مرتفعةً قبل أن أبان فاطرح أنت الشبكة عليَّ واجذبني سريعًا، وإن رأيتني أخرجتُ رجلي فاعلم أني ميت فاتركني، وخذ البغلة والخرج وامضِ إلى سوق التجار، تجد يهوديًّا اسمه شميعة، فأَعْطِه البغلة وهو يعطيك مائة دينار، فخذها واكتم السرَّ ورُحْ إلى حال سبيلك. فكتفه كتافًا شديدًا فصار يقول له: شدَّ الكتاف. ثم إنه قال له: ادفعني إلى أن ترميني في البركة. فدفعه ورماه فغطس، ووقف ينتظره ساعة من الزمان، وإذا بالمغربي خرجت رجلاه، فعلم أنه مات، فأخذ البغلة وتركه وراح إلى سوق التجار، فرأى اليهودي جالسًا على كرسي في باب الحاصل، فلما رأى البغلة قال اليهودي: إن الرجل هلك. ثم قال: ما هلكه إلا الطمع. وأخذ منه البغلة وأعطاه مائة دينار، وأوصاه بكتم السر، فأخذ جودر الدنانير وراح، فأخذ ما يحتاج إليه من العيش من الخباز، وقال له: خذ هذا الدينار. فأخذه وحسب الذي له، وقال له: عندي بعد ذلك عيش يومين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.