فلما كانت الليلة ٦٠٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخباز لما حاسب جودر على ثمن العيش وقال له: بقي لك عندي من الدينار عيش يومين. انتقل من عنده إلى الجزار وأعطاه دينارًا آخَر وأخذ اللحمة وقال له: خل عندك بقية الدينار تحت الحساب. وأخذ الخضار وراح، فرأى أخويه يطلبان من أمهم شيئًا يأكلانه وهي تقول لهما: اصبرَا حتى يأتي أخوكما، فما عندي شيء. فدخل عليهم وقال لهم: خذوا كلوا. فوقعوا على العيش مثل الغيلان، ثم إن جودر أعطى أمه بقية الذهب وقال: خذي يا أمي، وإذا جاء أخواي فأعطيهما ليشتريا ويأكلا في غيابي. وبات تلك الليلة، ولما أصبح أخذ الشبكة وراح إلى بركة قارون ووقف وأراد أن يطرح الشبكة، وإذا بمغربي آخَر أقبل وهو راكب بغلة ومهيَّأ أكثر من الذي مات، ومعه خرج وحقان في الخرج في كل عين منه حقٌّ، وقال: السلام عليك يا جودر. فقال: عليك السلام يا سيدي الحاج. فقال: هل جاءك بالأمس مغربي راكب بغلة مثل هذه البغلة؟ فخاف وأنكر وقال: ما رأيت أحدًا. خوفًا أن يقول: راح إلى أين؟ فإن قال له غرق في البركة، ربما يقول أنت غرَّقته، فما وسعه إلا الإنكار، فقال له: يا مسكين هذا أخي وسبقني. قال: ما معي خبر. قال: أَمَا كتَّفْتَه أنت ورميتَه في البركة، وقال لك: إن خرجَتْ يداي ارمِ عليَّ الشبكة واسحبني بالعجل، وإن خرجَتْ رجلاي أكون ميتًا، وخذ أنت البغلة وأدِّها إلى اليهودي شميعة، وهو يعطيك مائة دينار؟ وقد خرجت رجلاه وأنت أخذت البغلة، وأديتها إلى اليهودي، وأعطاك مائة دينار؟ فقال: حيث إنك تعرف ذلك، فلأي شيء تسألني؟ قال: مرادي أن تفعل بي كما فعلتَ بأخي. وأخرج له قيطانًا من حرير وقال: كتِّفني وارمني، وإن جرى لي مثل ما جرى لأخي، فخذ البغلة وأدِّها إلى اليهودي وخذ منه مائة دينار. فقال له: تقدَّمْ. فتقدَّمَ فكتَّفَه ودفعه، فوقع في البركة وغطس، فانتظره ساعة فطلعت رجلاه فقال: مات في داهية إن شاء الله. كل يوم يجيئني المغاربة وأنا أكتفهم ويموتون، ويكفيني من كل ميت مائة دينار. ثم إنه أخذ البغلة، فلما رآه اليهودي قال له: مات الآخَر. قال له: تعيش رأسك. قال له: هذا جزاء الطمَّاعين. وأخذ البغلة منه وأعطاه مائة دينار، فأخذها وتوجَّهَ إلى أمه، فأعطاها إياها، فقالت له: يا ولدي، من أين لك هذا؟ فأخبرها، فقالت له: ما بقيت تروح بركة قارون، فإني أخاف من المغاربة. فقال لها: يا أمي، أنا لا أرميهم إلا برضاهم، وكيف يكون العمل؟ هذه صنعة يأتينا منها كل يوم مائة دينار، وأرجع سريعًا، فوالله لا أرجع عن ذهابي إلى بركة قارون حتى ينقطع أثر المغاربة ولا يبقى منهم أحد.
ثم إنه في اليوم الثالث راح ووقف، وإذا بمغربي راكب بغلة ومعه خرج، ولكنه مهيَّأ أكثر من الأولين، وقال: السلام عليك يا جودر يا ابن عمر. فقال في نفسه: من أين كلهم يعرفونني؟ ثم ردَّ عليه السلام، فقال: هل جاز على هذا المكان مغاربة؟ قال له: اثنان. قال له: أين راحا؟ قال: كتَّفْتُهما ورميتُهما في هذه البركة فغرقا، والعاقبة لك أنت الآخر. فضحك، ثم قال: يا مسكين، كل حي ووعده. ونزل عن البغلة وقال له: يا جودر، اعمل معي كما عملتَ معهما. وأخرج القيطان الحرير، فقال له جودر: أَدِرْ يدَيْك حتى أكتِّفك، فإني مستعجل وراح عليَّ الوقت. فأدار له يديه فكتَّفَه ودفعه، فوقع في البركة ووقف ينتظره، وإذا بالمغربي أخرج له يديه، وقال له: ارم الشبكة يا مسكين. فرمى عليه الشبكة وجذبه، وإذا هو قابض في يديه سمكتين لونهما أحمر مثل المرجان، في كل يد سمكة، وقال له: افتح الحقين. ففتح له الحقين فوضع في كل حقٍّ سمكةً، وسد عليهما فم الحقين. ثم إنه حضن جودرًا وقبَّلَه ذات اليمين وذات الشمال في خديه، وقال له: الله ينجِّيك من كل شدة، والله لولا أنك رميتَ عليَّ الشبكة وأخرجتَني، لكنتُ ما زلت قابضًا على هاتين السمكتين وأنا غاطس في الماء حتى أموت، ولا أقدر أن أخرج من الماء. فقال له: يا سيدي الحاج، بالله عليك أن تخبرني بشأن اللذين غرقَا أولًا، وبحقيقة هاتين السمكتين، وبشأن اليهودي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.