فلما كانت الليلة ٦١٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جودرًا قال للمغربي: أنا في رقبتي أمي وأخواي، وأنا الذي أجري عليهم، وإن رحتُ معك فمَن يطعمهم العيش؟ فقال له: هذه حجة بطالة، فإن كان من شأن المصروف، فنحن نعطيك ألف دينار، تعطي أمك إياها لتصرفها حتى ترجع إلى بلادك، وأنت إن غبت ترجع قبل أربعة أشهر. فلما سمع جودر بالألف دينار قال: هات يا حاج الألف دينار أتركها عند أمي وأروح معك. فأخرج له الألف دينار، فأخذها وراح إلى أمه، وأخبرها بما جرى بينه وبين المغربي، وقال لها: خذي هذا الألف دينار واصرفي منه عليك وعلى أخويَّ، وأنا مسافر مع المغربي إلى الغرب فأغيب أربعة أشهر، ويحصل لي خير كثير، فادعي لي يا والدتي. فقالت له: يا ولدي، توحشني وأخاف عليك. فقال: يا أمي، ما على مَن يحفظه الله بأسٌ، والمغربي رجل طيب. وصار يشكر لها حاله، فقالت: الله يعطف قلبه عليك، رح معه يا ولدي لعله يعطيك شيئًا. فودَّعَ أمه وراح، ولما وصل عند المغربي عبد الصمد قال له: هل شاورتَ أمك؟ قال: نعم ودعَتْ لي. فقال له: اركب ورائي. فركب على ظهر البغلة وسافرَا من الظهر إلى العصر، فجاع جودر ولم يَرَ مع المغربي شيئًا يُؤكَل، فقال: يا سيدي الحاج، لعلك نسيت أن تجيء لنا بشيء نأكله في الطريق؟ فقال: هل أنت جائع؟ قال: نعم. فنزل من فوق ظهر البغلة هو وجودر، ثم قال: نزِّل الخرج. فنزَّلَه، ثم قال له: أي شيء تشتهي يا أخي؟ فقال له: أي شيء كان. قال له: بالله عليك أن تقول لي أي شيء تشتهي؟ قال: عيشًا وجبنًا. قال: يا مسكين، العيش والجبن ما هو مقامك، فاطلب شيئًا طيبًا. قال جودر: أنا عندي في هذه الساعة كل شيء طيب. فقال له: أتحب الفراخ المحمرة؟ قال: نعم. قال: أتحب الأرز بالعسل؟ قال: نعم. قال: أتحب اللون الفلاني واللون الفلاني … حتى سمَّى له من الطعام أربعة وعشرين لونًا، ثم قال في باله: هل هو مجنون؟ من أين يجيء لي بالأطعمة التي سمَّاها، وما عنده مطبخ ولا طبَّاخ؟ لكن قل له: يكفي. فقال له: يكفي، هل أنت تشهِّيني الألوان ولا أنظر شيئًا؟ فقال المغربي: مرحبًا بك يا جودر. وحطَّ يده في الخرج، فأخرج صحنًا من الذهب فيه فرختان محمرتان سخنتان، ثم حط يده ثاني مرة فأخرج صحنًا من الذهب فيه كباب، ولا زال يُخرِج من الخرج حتى أخرَجَ الأربعة والعشرين لونًا التي ذكرها بالتمام والكمال، فبُهِت جودر، فقال له: كُلْ يا مسكين. فقال: يا سيدي، أنت جاعل في هذا الخرج مطبخًا وناسًا تطبخ؟ فضحك المغربي وقال: هذا مرصود له خادم، لو نطلب في كل ساعة ألف لون يجيء بها الخادم، ويحضرها في الوقت. فقال: نِعْمَ هذا الخرج.
ثم إنهما أكلا حتى اكتفيا، والذي فضل كباه وردَّ الصحون فارغةً في الخرج، وحطَّ يده فأخرج إبريقًا فشربا وتوضآ وصلَّيَا العصر، ورد الإبريق في الخرج، ثم إنه حطَّ فيه الحقين، وحمله على تلك البغلة وركب، وقال: اركب حتى نسافر. ثم إنه قال: يا جودر، هل تعلم ما قطعنا من مصر إلى هنا؟ قال له: والله لا أدري. فقال له: قطعنا مسيرة شهر كامل. قال: وكيف ذلك؟ قال له: يا جودر، اعلم أن البغلة التي تحتنا ماردة من مَرَدة الجن، تسافر في اليوم مسافة سنة، ولكن من شأن خاطرك مشت على مهلها. ثم ركبا وسافرا إلى المغرب، فلما أمسيا أخرج من الخرج العشاء، وفي الصباح أخرج الفطور، وما زالا على هذه الحالة مدة أربعة أيام، وهما يسافران إلى نصف الليل، وينزلان فينامان ويسافران في الصباح، وجميع ما يشتهي جودر يطلبه من المغربي يُخرِجه له من الخرج، وفي اليوم الخامس وصلا إلى فاس ومكناس، ودخلا المدينة، فلما دخلا صار كلُّ مَن قابل المغربي يسلِّم عليه ويقبِّل يده، وما زال كذلك حتى وصل إلى بابٍ فطرقه، وإذا بالباب قد فُتِح وبان منه بنت كأنها القمر، فقال لها: يا رحمة يا بنتي، افتحي لنا القصر. قالت: على الرأس والعين يا أبتي. ودخلت تهزُّ أعطافها، فطار عقل جودر وقال: ما هذه إلا بنت ملك. ثم إن البنت فتحت القصر، فأخذ الخرج من فوق البغلة، وقال لها: انصرف باركَ الله فيكَ. وإذا بالأرض انشقت ونزلت البغلة، ورجعت الأرض كما كانت، فقال جودر: يا ستار، الحمد لله الذي نجَّانا فوق ظهرها. ثم إن المغربي قال: لا تعجب يا جودر، فإني قلت لك إن البغلة عفريت، لكن اطلع بنا القصر. فلما دخلا ذلك القصر اندهش جودر من كثرة الفرش الفاخر، ومما رأى فيه من التحف وتعاليق الجواهر والمعادن، فلما جلسا أمر البنت وقال: يا رحمة، هات البقجة الفلانية. فقامت وأقبلت ببقجة ووضعتها بين يدي أبيها، ففتحها وأخرج منها حلة تساوي ألف دينار، وقال له: البس يا جودر مرحبًا بك. فلبس الحلة وصار كناية عن ملك من ملوك الغرب، ووضع الخرج بين يديه، ثم مدَّ يده فيه، وأخرج منه أصحنًا فيها ألوان مختلفة، حتى صارت سفرة فيها أربعون لونًا، فقال: يا مولاي، تقدَّمْ وكُلْ ولا تؤاخذنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.