فلما كانت الليلة ٦١٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المغربي لما أدخل جودر القصر مدَّ له سفرة فيها أربعون لونًا، وقال له: تقدَّمْ كُلْ ولا تؤاخذنا نحن لا نعرف أي شيء تشتهي من الأطعمة، فقل لنا على ما تشتهي ونحن نحضره إليك من غير تأخير. فقال له: والله يا سيدي الحاج إني أحب سائر الأطعمة، ولا أكره شيئًا، فلا تسألني عن شيء، فهات جميع ما يخطر ببالك. وناما على الأكل، ثم إنه أقام عنده عشرين يومًا، كل يوم يلبسه حلة والأكل من الخرج، والمغربي لا يشتري شيئًا من اللحم ولا عيشًا ولا يطبخ، ويُخرِج كلَّ ما يحتاجه من الخرج حتى أصناف الفاكهة. ثم إن المغربي في اليوم الحادي والعشرين، قال: يا جودر، قم بنا فإن هذا هو اليوم الموعود لفتح كنز الشمردل. فقام معه ومشيا إلى المدينة، ثم خرجا منها، فركب جودر بغلة وركب المغربي بغلة، ولم يزالا مسافرين إلى وقت الظهر، فوصلا إلى نهر ماء جارٍ، فنزل عبد الصمد وقال: انزل يا جودر. فنزل، ثم إن عبد الصمد قال: هيا. وأشار للعبدين بيده، فأخذ البغلتين وراح كل عبد من طريق، ثم غابا قليلًا، وقد أقبل أحدهما بخيمة فنصبها، وأقبل الثاني بفراش وفرشه في الخيمة ووضع في دائرها وسائد ومساند، ثم ذهب واحد منهم وجاء بالحقين اللذين فيهما السمكتان، والثاني جاء بالخرج، فقام المغربي وقال: تعال يا جودر. فأتى وجلس بجانبه، وأخرج المغربي من الخرج أصحن الطعام وتغدَّيَا، وبعد ذلك أخذ الحقين، ثم إنه عزم عليهما فصارا من داخل يقولان: لبيك يا كهين الدنيا ارحمنا. وهما يستغيثان وهو يعزم عليهما حتى تمزَّقَ الحقان فصارا قطعًا، وتطايرت قطعهما، فظهر منهما اثنان مكتَّفان يقولان: الأمان يا كهين الدنيا، مرادك أن تعمل فينا أي شيء؟ فقال: مرادي أن أحرقكما، أو أنكما تعاهداني على فتح كنز الشمردل. فقالا: نعاهدك ونفتح لك الكنز، لكن بشرط أن تحضر جودر الصياد؛ فإن الكنز لا يُفتَح إلا على وجهه، ولا يقدر أحد أن يدخل فيه إلا جودر بن عمر. فقال لهما: الذي تذكرانه قد جئتُ به، وهو ها هنا يسمعكما وينظركما. فعاهداه على فتح الكنز وأطلقهما.
ثم إنه أخرج قصبة وألواحًا من العقيق الأحمر، وجعلها على القصبة، وأخذ مجمرة ووضع فيها فحمًا، ونفخها نفخة واحدة فأوقد فيها النار، وأحضر البخور وقال: يا جودر، أنا أتلو العزيمة وألقي البخور، فإذا ابتدأتُ في العزيمة لا أقدر أن أتكلم فتبطل العزيمة، ومرادي أن أعلِّمك كيف تصنع حتى تبلغ مرادك؟ فقال له: علِّمني. فقال له: اعلم أني متى عزمت وألقيت البخور نشف الماء من النهر، وبان لك باب من الذهب قدر باب المدينة بحلقتين من المعدن، فانزل إلى الباب واطرقه طرقة خفيفة واصبر مدة، واطرق الثانية طرقة أثقل من الأولى واصبر مدة، واطرقه ثلاث طرقات متتابعات وراء بعضها؛ فتسمع قائلًا يقول: مَن يطرق باب الكنوز، وهو لم يعرف أن يحل الرموز؟ فقل: أنا جودر الصياد بن عمر. فيفتح لك الباب، ويخرج لك شخص بيده سيف، ويقول لك: إن كنتَ ذلك الرجل فمدَّ عنقك حتى أرمي رأسك. فمدَّ له عنقك ولا تخف، فإنه متى رفع يده بالسيف وضربك وقع بين يديك، وبعد مدة تراه شخصًا من غير روح، وأنت لا تتألم بالضربة، ولا يجري عليك شيء، وأما إذا خالفْتَه فإنه يقتلك؛ ثم إنك إذا أبطلتَ رصده بالامتثال، فادخل حتى ترى بابًا آخَر فاطرقْه، يخرج لك فارس راكب على فرس، وعلى كتفه رمح، فيقول: أي شيء أوصلك إلى هذا المكان الذي لا يدخله أحد من الإنس ولا من الجن؟ ويهزُّ عليك الرمح، فافتح له صدرك فيضربك ويقع في الحال، فتراه جسمًا من غير روح، وإن خالفتَ قتلك؛ ثم ادخل الباب الثالث يخرج لك آدمي، وفي يده قوس ونشاب، ويرميك بالقوس، فافتح له صدرك ليضربك ويقع قدامك جسمًا من غير روح، وإن خالفتَ قتلك؛ ثم ادخل الباب الرابع … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.