فلما كانت الليلة ٦١٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جودرًا لما أخذوه وحملوه وخرجوا به من القصر تحت الليل، أرسلوه إلى السويس، وحطوا في رجليه القيد، وأقام يخدم وهو ساكت، ولم يزل يخدم خدمة الأسارى والعبيد سنة كاملة.
هذا ما كان من أمر جودر، وأما ما كان من أمر أخويه، فإنهما لما أصبحا دخلا على أمهما وقالا لها: يا أمنا، إن أخانا جودر لم يستيقظ. فقالت لهما: أَيْقِظاه. قالا لها: أين هو راقد؟ قالت لهما: عند الضيوف. قالا: لعله راح مع الضيوف ونحن نائمان يا أمي، كأن أخانا ذاق الغربة، ورغب في دخول الكنوز، وقد سمعناه يتكلم مع المغاربة، فيقولون له: نأخذك معنا ونفتح لك الكنز. فقالت: هل اجتمع مع المغاربة؟ قالا لها: أَمَا كانوا ضيوفًا عندنا؟ قالت: لعله راح معهم، ولكن الله يرشد طريقه، هذا مسعد لا بد أن يأتي بخير كثير. وبكت وعزَّ عليها فراقه، فقالا لها: يا ملعونة، أتحبين جودرًا كل هذه المحبة، ونحن إن غبنا أو حضرنا فلا تفرحي بنا، ولا تحزني علينا، أَمَا نحن ولداك كما أن جودرًا ابنك؟ فقالت: أنتما ولداي، ولكن أنتما شقيان، ولا لكما عليَّ فضل، ومن يوم مات أبوكما ما رأيت منكما خيرًا، وأما جودر فرأيتُ منه خيرًا كثيرًا وجبر خاطري وأكرمني، فيحق لي أن أبكي عليه؛ لأن خيره عليَّ وعليكما.
فلما سمعا هذا الكلام شتماها وضرباها، ودخلا وصارا يفتشان على الخرج حتى عثرَا به، وأخذا الجواهر من العين الأولى، والذهب من العين الثانية، والخرج المرصودة، فقالا لها: هذا مال أبينا. فقالت: لا والله إنما هو مال أخيكما جودر، جاء به من بلاد المغاربة. فقالا لها: كذبتِ، بل هذا مال أبينا نتصرف فيه. فقسماه بينهما، ووقع الاختلاف بينهما في الخرج المرصود، فقال سالم: أنا آخذه. وقال سليم: أنا آخذه. ووقعت بينهما المعاندة، فقالت أمهما: يا ولديَّ، الخرج الذي فيه الجواهر والذهب قسمتماه، وهذا لا ينقسم ولا يعادل بمال، وإن انقطع قطعتين بطل رصده، ولكن اتركاه عندي، وأنا أُخرِج لكما ما تأكلانه في كل وقت، وأرضى بينكما باللقمة، وإن كسوتماني شيئًا من فضلكما، وكل منكما يجعل له معاملة مع الناس، وأنتما ولداي وأنا أمكما، وخلونا على حالنا، ربما يأتي أخوكما خوف الفضيحة. فما قبلا كلامها وباتا يختصمان تلك الليلة، فسمعهما رجل قواص من أعوان الملك كان معزومًا في بيت بجنب بيت جودر طاقته مفتوحة، فطلَّ القواص من الطاقة، وسمع جميع الخصام وما قالوه من الكلام والقسمة، فلما أصبح الصباح دخل ذلك الرجل القواص على الملك — وكان اسمه شمس الدولة، وكان ملك مصر في ذلك العصر — فلما دخل عليه القواص أخبره بما قد سمعه، فأرسل الملك إلى أخوي جودر وجاء بهما ورماهما تحت العذاب، فأقرَّا وأخذ الخرجين منهما، ووضعهما في السجن. ثم إنه عيَّن إلى أم جودر من الجرايات في كل يوم ما يكفيها.
هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر جودر، فإنه أقام سنة كاملة يخدم في السويس، وبعد السنة كانوا في المركب، فخرج عليهم ريح رمى المركب التي هم فيها على جبلٍ فانكسرت، وغرق جميع ما فيها، ولم يحصل البر إلا جودر، والبقية ماتوا، فلما حصل البر سافر حتى وصل إلى نجع عرب، فسألوه عن حاله، فأخبرهم أنه كان بحريًّا في مركب، وحكى لهم قصته، وكان في النجع رجل تاجر من أهل جدة فحنَّ عليه، وقال له: تخدم عندنا يا مصري، وأنا أكسوك وآخذك معي إلى جدة؟ فخدم عنده وسافَرَ معه إلى أن وصلا إلى جدة، فأكرمه كثيرًا. ثم إن سيده التاجر طلب الحج، فأخذه معه إلى مكة، فلما دخلاها راح جودر ليطوف في الحرم، فبينما هو يطوف وإذا هو بصاحبه المغربي عبد الصمد يطوف. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.