فلما كانت الليلة ٦١٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جودرًا لما كان ماشيًا بالطواف، وإذا هو بصاحبه المغربي عبد الصمد يطوف، فلما رآه سلَّمَ عليه وسأله عن حاله فبكى، ثم أخبره بما جرى له، فأخذه معه إلى أن دخل منزله وأكرمه وألبسه حلة ليس لها نظير، وقال له: زال عنك الشر يا جودر. وضرب له تختَ رمل، فبان له الذي جرى لأخويه، فقال له: اعلم يا جودر أن أخويك جرى لهما كذا وكذا، وهما محبوسان في سجن ملك مصر، ولكن مرحبًا بك حتى تقضي مناسكك، ولا يكون إلا خيرًا. فقال له: ائذن لي يا سيدي حتى أروح آخذ خاطر التاجر الذي أنا عنده وأجيء إليك. فقال: هل عليك مال؟ قال: لا. فقال: رح خذ بخاطره وتعالَ في الحال، فإن العيش له حق عند أولاد الحلال. فراح وأخذ بخاطر التاجر وقال له: إني اجتمعتُ على أخي. فقال له: رح هاته ونعمل له ضيافة. فقال له: ما يحتاج، فإنه من أصحاب النِّعَم، وعنده خدم كثير. فأعطاه عشرين دينارًا وقال له: أبرئ ذمتي. فودَّعْه وخرج من عنده، فرأى رجلًا فقيرًا فأعطاه العشرين دينارًا. ثم إنه ذهب إلى عبد الصمد المغربي فأقام عنده حتى قضيا مناسك الحج، وأعطاه الخاتم الذي أخرجه من كنز الشمردل، وقال له: خذ هذا الخاتم، فإنه يبلغك مرادك؛ لأن له خادمًا اسمه الرعد القاصف، فجميع ما تحتاج إليه من حوائج الدنيا فادعك الخاتم يظهر لك الخادم، وجميع ما تأمره به يفعله لك. ودعكه قدامه فظهر له الخادم، ونادى: لبيك يا سيدي، أي شيء تطلب فتُعطَى، فهل تعمِّر مدينة خربة أو تخرِّب مدينة عامرة، أو تقتل ملكًا، أو تكسر عسكرًا؟ فقال المغربي: يا رعد، هذا صار سيدك فاستوصِ به. ثم صرفه وقال: ادعك الخاتم يحضر بين يديك خادمه، فمُرْه بما في مرادك، فإنه لا يخالفك، وامضِ إلى بلادك واحتفظ عليه، فإنك تكيد به أعداءك، ولا تجهل مقدار هذا الخاتم. فقال له: يا سيدي، عن إذنك أسير على بلادي. قال له: ادعك الخاتم يظهر لك الخادم، فاركب على ظهره، وإن قلتَ له أوصلني في هذا اليوم إلى بلادي فلا يخالف أمرك.
ثم ودَّعَ جودر عبد الصمد ودعك الخاتم، فحضر له الرعد القاصف، وقال له: لبيك اطلب تُعْطَ. فقال له: أوصلني إلى مصر في هذا اليوم. فقال له: لك ذلك. وحمله وطار به من وقت الظهر إلى نصف الليل، ثم نزل به في وسع بيت أمه وانصرف، فدخل على أمه، فلما رأته قامت وبكت وسلَّمَتْ عليه، وأخبرته بما جرى لأخويه من الملك، وكيف ضربهما وأخذ الخرج المرصود، والخرج الذهب والجواهر؛ فلما سمع جودر ذلك لم يهن عليه أخواه، فقال لأمه: لا تحزني على ما فاتكِ، ففي هذه الساعة أُرِيك ما أصنع، وأجيء بأخويَّ. ثم إنه دعك الخاتم فحضر له الخادم وقال: لبيك، اطلب تُعْطَ. فقال له: أمرتك أن تجيء لي بأخويَّ من سجن الملك. فنزل إلى الأرض ولم يخرج إلا من وسط السجن، وكان سالم وسليم في أشد ضيق وكرب عظيم من ألم السجن، وصارا يتمنيَّان الموت، وأحدهما يقول للآخَر: والله يا أخي قد طالت علينا المشقة، وإلى متى ونحن في هذا السجن؟ فالموت فيه راحة لنا. فبينما هما كذلك وإذا بالأرض قد انشقت وخرج لهما الرعد القاصف، وحمل الاثنين ونزل بهما في الأرض، فغُشِي عليهما من شدة الخوف، فلما أفاقا وجدَا أنفسهما في بيتهما، ورأيا أخاهما جودر جالسًا وأمه في جانبه، فقال لهما: سلامات يا أخويَّ، آنستماني. فطأطآ وجهيهما في الأرض، وصارا يبكيان، فقال لهما: لا تبكيا، فالشيطان والطمع ألجآكما إلى ذلك، وكيف تبيعاني؟ ولكني أتسلى بيوسف، فإنه فعل به إخوته أبلغ من فعلكم معي حيث رموه في الجب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.