فلما كانت الليلة ٦١٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جودرًا قال لأخويه: كيف فعلتما معي هذا الأمر؟ ولكن توبا إلى الله واستغفراه فيغفر لكما وهو الغفور الرحيم، وقد عفوت عنكما ومرحبًا بكما، ولا بأس عليكما. وجعل يأخذ بخواطرهما حتى طيَّبَ قلوبهما، وصار يحكي لهما جميع ما قاساه في السويس، إلى أن اجتمع بالشيخ عبد الصمد وأخبرهما بالخاتم، فقالا: يا أخانا لا تؤاخذنا في هذه المرة، إن عدنا لما كنا فيه فافعل بنا مرادك. فقال: لا بأس عليكما، ولكن أخبراني بما فعل بكما الملك. فقال: ضربنا وهدَّدنا وأخذ الخرجين منا. فقال: أَمَا يبالي؟ ودعك الخاتم فحضر له الخادم، فلما رآه أخواه خافا منه، وظنَّا أنه يأمر الخادم بقتلهما، فذهبا إلى أمهما وصارا يقولان: يا أمنا، نحن في عرضك يا أمنا اشفعي فينا. فقالت لهما: يا ولديَّ لا تخافَا. ثم إنه قال للخادم: أمرتك أن تأتيني بجميع ما في خزانة الملك من الجواهر وغيرها، ولا تُبْقِ فيها شيئًا، وتأتي بالخرج المرصود، وخرج الجواهر اللذين أخذهما الملك من أخويَّ. فقال: السمع والطاعة. وذهب في الحال وجمع ما في الخزانة وجاء بالخرجين بأمانتهما، ووضع جميع ما كان في الخزانة قدام جودر، وقال: يا سيدي، ما أبقيتُ في الخزانة شيئًا. فأمر أمه أن تحفظ خرج الجواهر وحط الخرج المرصود قدامه، وقال للخادم: أمرتك أن تبني لي في هذه الليلة قصرًا عاليًا، وتزوقه بماء الذهب، وتفرشه فرشًا فاخرًا، ولا يطلع النهار إلا وأنت خالص من جميعه. فقال له: لك ذلك. ونزل في الأرض، وبعد ذلك أخرج جودر الأطعمة وأكلوا وانبسطوا وناموا.
وأما ما كان من أمر الخادم، فإنه جمع أعوانه وأمر ببناء القصر، فصار البعض منهم يقطع الأحجار والبعض يبني والبعض يُبَيِّض، والبعض ينقش والبعض يفرش، فما طلع النهار حتى تم انتظام القصر، ثم طلع الخادم إلى جودر، وقال: يا سيدي، إن القصر كمل وتم نظامه، فإن كنتَ تطلع تتفرج عليه فاطلع. فطلع هو وأمه وأخواه فرأوا هذا القصر ليس له نظير، يحيِّر العقول من حسن نظامه، ففرح به جودر وكان على قارعة الطريق، ومع ذلك لم يتكلف عليه شيء، فقال لأمه: هل تسكنين في هذا القصر؟ فقالت: يا ولدي، أسكن. ودعت له، فدعك الخاتم وإذا بالخادم يقول: لبيك. فقال له: أمرتك أن تأتيني بأربعين جارية بيض ملاح، وأربعين جارية سود، وأربعين مملوكًا، وأربعين عبدًا. فقال: لك ذلك. وذهب مع أربعين من أعوانه إلى بلاد الهند والسند والعجم، وصاروا كلما رأوا بنتًا جميلة يخطفونها أو غلامًا يخطفونه، وأنفذ أربعين؛ فجاءوا بجوار سود ظراف وأربعين جاءوا بعبيد، وأتى الجميع دار جودر فملئوها، ثم عرضهم على جودر فأعجبوه، فقال: هات لكل شخص حلة من أفخر الملبوس. قال: حاضر. وقال: هات حلة تلبسها أمي، وحلة ألبسها أنا. فأتى بالجميع، وألبس الجواري، وقال لهم: هذه سيدتكم فقبِّلوا يدها ولا تخالفوها، واخدموها بيضًا وسودًا. ولبس المماليك وقبَّلوا يد جودر، ولبس أخواه، وصار جودر كناية عن ملك وأخواه مثل الوزراء، وكان بيته واسعًا فأسكن سالمًا وجواريه في جهة، وسليمًا وجواريه في جهة، وسكن هو وأمه في القصر الجديد، وصار كل منهم في محله مثل السلطان.
هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر خازندار الملك، فإنه أراد أن يأخذ بعض مصالح من الخزانة، فدخل فلم يَرَ فيها شيئًا، بل وجدها كقول مَن قال:
فصاح صيحة عظيمة ووقع مغشيًّا عليه، فلما أفاق خرج من الخزانة وترك بابها مفتوحًا، ودخل على الملك شمس الدولة وقال: يا أمير المؤمنين، الذي نعلمك به أن الخزانة فرغت في هذه الليلة. فقال الملك: ما صنعت بأموالي التي في خزانتي؟ فقال: والله ما صنعتُ فيها شيئًا، ولا أدري ما سبب فراغها، بالأمس دخلتها فرأيتُها ممتلئةً، واليوم دخلتها فرأيتها فارغة ليس فيها شيء، والأبواب مغلقة ولا نُقبت، ولا كُسرت ضبتها، ولم يدخلها سارق. فقال له: هل راح منها الخرجان؟ فقال: نعم. فطار عقله من رأسه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.