فلما كانت الليلة ٦٢٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن خازندار الملك لما دخل عليه وأعلمه أن ما في الخزانة ضاع، وكذلك الخرجان، طار عقله من رأسه، وقام على قدميه، ثم إنه قال للخازندار: امض قدامي. فمضى وتبعه الملك حتى أتيا الخزانة، فلم يجد فيها شيئًا، فانقهر الملك وقال: مَن سطا على خزانتي ولم يخَفْ من سطوتي؟ وغضب غضبًا شديدًا، ثم خرج ونصف الديوان، فجاءت أكابر العساكر وصار كلٌّ منهم يظن أن الملك غضبان عليه فقال: يا عساكر، اعلموا أن خزانتي انتهبت في هذه الليلة، ولم أعلم مَن فعل هذه الفعال وسطا عليَّ، ولم يخَفْ مني؟ فقالوا: وكيف ذلك؟ فقال: اسألوا الخازندار. فسألوه، قال الخازندار: بالأمس كانت ممتلئة، واليوم دخلتها فرأيتها فارغةً، ولم تنقب ولم يكسر بابها. فتعجَّبَ جميع العسكر من هذا الكلام، فلم يحصل رد الجواب من العسكر إلا والقواص الذي نمَّ سابقًا على سليم وسالم داخل على الملك، وقال: يا ملك الزمان، طول الليل، وأنا أتفرج على بنَّائين يبنون، فلما طلع النهار رأيت قصرًا مبنيًّا ليس له نظير، فسألتُ فقيل لي: إن جودرًا أتى وبنى هذا القصر وعنده مماليك وعبيد، وجاء بأموالٍ كثيرة، وخلص أخويه من السجن وهو في داره كأنه سلطان. فقال الملك: انظروا السجن. فنظروه فلم يروا سالمًا وسليمًا، فرجعوا وأعلموه بما جرى، فقال الملك: بان غريمي، فالذي خلَّصَ سالمًا وسليمًا من السجن هو الذي أخذ مالي. فقال الوزير: يا سيدي، مَن هو؟ قال: أخوهم جودر، وأخذ الخرجين، ولكن يا وزير، أرسل لهم أميرًا بخمسين رجلًا يقبضون عليه وعلى أخويه، ويضعون الختم على جميع ماله، ويأتوني به حتى أشنقهم. وقد غضب غضبًا شديدًا وقال: هيا بالعَجل ابعث لهم أميرًا يأتيني بهم لأقتلهم. فقال له الوزير: احلم، فإن الله حليم لا يعجل على عبده إذا عصاه، فإن الذي يكون بنى قصرًا في ليلة واحدة، كما قالوا لم يقس عليه أحد في الدنيا، وإني أخاف على الأمير أن يجري له مشقة من جودر، فاصبر حتى أدبِّر لك تدبيرًا وتنظر حقيقة الأمر، والذي في مرادك أنت لاحقه يا ملك الزمان. فقال الملك: دبِّرْ لي تدبيرًا يا وزير. قال له: أرسِلْ له الأمير واعزمه، ثم إني أتقيَّد لك به، وأُظهِر له الود وأسأله عن حاله، وبعد ذلك ننظر إن كان عزمه شديدًا نحتال عليه، وإن كان عزمه ضعيفًا فاقبض عليه وافعل به مرادك. فقال الملك: أرسل اعزمه. فأمر أميرًا اسمه الأمير عثمان أن يروح إلى جودر ويعزمه ويقول له: الملك يدعوك للضيافة. وقال له الملك: لا تَجِئْ إلا به.
وكان ذلك الأمير أحمقًا متكبرًا في نفسه، فلما نزل رأى قدام باب القصر طواشيًا جالسًا على كرسي في باب القصر، فلما وصل الأمير عثمان إلى القصر لم يقم له، وكأنه لم يكن مُقبِلًا عليه أحد، ومع ذلك كان مع الأمير عثمان خمسون رجلًا، فوصل الأمير عثمان وقال له: يا عبد، أين سيدك؟ قال: في القصر. وصار يكلِّمه وهو متَّكِئ، فغضب الأمير عثمان وقال له: يا عبد النحس، أَمَا تستحي مني وأنا أكلمك وأنت مضطجع مثل العلوق؟ فقال له: امشِ لا تكن كثير الكلام. فما سمع منه هذا الكلام حتى امتزج بالغضب وسحب الدبوس وأراد أن يضرب الطواشي ولم يعلم أنه شيطان، فلما رآه سحب الدبوس قام واندفع عليه، وأخذ منه الدبوس وضربه به أربع ضربات، فلما رآه الخمسون رجلًا صعب عليهم ضرب سيدهم، فسحبوا السيوف وأرادوا أن يقتلوا العبد، فقال لهم: أتسحبون السيوف يا كلاب؟ وقام عليهم وصار كلُّ مَن لطشه دبوسًا يهشمه، ويُغرِقه في الدم، فانهزموا قدامه، وما زالوا هاربين وهو يضربهم إلى أن بعدوا عن باب القصر، ورجع وجلس على كرسيه ولم يبالِ بأحد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.