فلما كانت الليلة ٦٢١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الطواشي لما شتَّتَ الأمير عثمان تابع الملك وجماعته إلى أن أبعدهم عن باب دار جودر، رجع وجلس على الكرسي عند باب القصر ولم يبالِ بأحد. وأما ما كان من أمر الأمير عثمان وجماعته، فإنهم رجعوا منهزمين مضروبين إلى أن وقفوا قدام الملك شمس الدولة، وأخبروه بما جرى لهم، وقال الأمير عثمان للملك: يا ملك الزمان، لما وصلت إلى باب القصر رأيت طواشيًّا جالسًا في الباب على كرسي من الذهب، وهو متكبر، فلما رآني مقبلًا عليه اضطجع بعد أن كان جالسًا واحتقرني ولم يقم لي، فصرتُ أكلمه فيجيبني وهو مضطجع، فأخذتني الحدة وسحبت عليه الدبوس وأردت ضربه، فأخذ الدبوس مني وضربني به وضرب جماعتي وبطحهم، فهربنا من قدامه ولم نقدر عليه. فحصل للملك غيظ وقال: ينزل إليه مائة رجل. فنزلوا إليه وأقبلوا عليه، فقام لهم بالدبوس، وما زال يضرب فيهم حتى هربوا من قدامه، ورجع وجلس على الكرسي، فرجع المائة رجل، ولما وصلوا إلى الملك أخبروه وقالوا له: يا ملك الزمان، هربنا من قدامه خوفًا منه. فقال الملك: تنزل مائتان. فنزلوا فكسرهم، ثم رجعوا، فقال الملك للوزير: ألزمتُك أيها الوزير أن تنزل بخمسمائة رجل وتأتيني بهذا الطواشي سريعًا، وتأتي بسيده جودر وأخويه. فقال له: يا ملك الزمان، لا أحتاج لعسكر بل أروح إليه وحدي من غير السلاح. فقال له: رح وافعل الذي تراه مناسبًا. فرمى الوزير السلاح ولبس حلة بيضاء، وأخذ في يده سبحة، ومشى وحده من غير ثانٍ حتى وصل إلى قصر جودر، فرأى العبد جالسًا، فلما رآه أقبل عليه من غير سلاح وجلس جنبه بأدب، ثم قال: السلام عليكم. فقال: وعليكم السلام يا أنسي، ما تريده؟ فلما سمعه يقول: يا أنسي. علم أنه من الجن، فارتعش من خوفه فقال له: يا سيدي، هل سيدك جودر هنا؟ قال: نعم في القصر. فقال له: يا سيدي، اذهب إليه وقل له: إن الملك شمس الدولة يدعوك، وعامل لك ضيافة ويُقرِئك السلام ويقول لك: شرف منزله وكل ضيافته. فقال له: قف أنت هنا حتى أشاوره.
فوقف الوزير مؤدبًا وطلع المارد القصر وقال لجودر: اعلم يا سيدي أن الملك أرسل إليك أميرًا فضربته، وكان معه خمسون رجلًا فهزمتهم، ثم إنه أرسل مائة رجل فضربتهم، ثم أرسل مئتا رجل فهزمتهم، ثم أرسل إليك الوزير من غير سلاح يدعوك إليه لتأكل من ضيافته، فماذا تقول؟ فقال له: رح هات الوزير إلى هنا. فنزل من القصر وقال له: يا وزير، كلِّمْ سيدي. فقال: على الرأس. ثم إنه طلع ودخل على جودر، فرآه أعظم من الملك، جالسًا على فراش لا يقدر الملك أن يفرش مثله، وتحير فكره من حسن القصر، ومن نقشه وفرشه، حتى كأن الوزير بالنسبة إليه فقير، فقبَّلَ الأرض ودعا له، فقال له: ما شأنك أيها الوزير؟ فقال له: يا سيدي، إن الملك شمس الدولة حبيبك يُقرِئك السلام، ومشتاق إلى النظر لوجهك، وقد عمل لك ضيافة فهل تجبر خاطره؟ فقال جودر: حيث كان حبيبي فسلِّمْ عليه، وقل له يجيء هو عندي. فقال له: على الرأس. ثم أخرج الخاتم ودعكه، فحضر الخادم فقال له: هات لي حلة من خيار الملبوس. فأحضر له حلة فقال: البس هذه يا وزير. فلبسها، ثم قال له: رح أَعْلِم الملك بما قلته. فنزل لابسًا تلك الحلة التي لم يلبس مثلها، ثم دخل على الملك، وأخبره بحال جودر وشكر القصر وما فيه، وقال: إن جودرًا عزمك. فقال: قوموا يا عسكر. فقاموا كلهم على الأقدام، وقال: اركبوا خيلكم وهاتوا لي جوادي حتى نروح إلى جودر. ثم إن الملك ركب وأخذ العساكر وتوجهوا إلى بيت جودر، وأما جودر فإنه قال للمارد: مرادي أن تجيء لنا من أعوانك بعفاريت في صفة الإنس يكونون عسكرًا، ويقفون في ساحة البيت حتى يراهم الملك فيُرعِبونه ويُفزِعونه، فيرتجف قلبه، ويعلم أن سطوتي أعظم من سطوته. فأحضر مائتين في صفة عسكر متقلِّدين بالسلاح الفاخر وهم شداد غلاظ، فلما وصل الملك رأى القوم الشداد الغلاظ فخاف قلبه منهم، ثم إنه طلع القصر ودخل على جودر، فرآه جالسًا جلسة لم يجلسها ملك ولا سلطان، فسلَّمَ عليه وتمنَّى بين يديه وجودر لم يقم له، ولم يعمل له مقامًا، ولم يقل له اجلس، بل تركه واقفًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.