فلما كانت الليلة ٦٢٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جودرًا لما دخل عليه الملك لم يقم له ولم يعتبره ولم يقل له اجلس، بل تركه واقفًا حتى داخله الخوف، فصار لا يقدر أن يجلس ولا أن يخرج، وصار يقول في نفسه: لو كان خائفًا مني ما كان تركني عن باله، وربما يؤذيني بسبب ما فعلتُ مع أخوَيْه. ثم إن جودرًا قال: يا ملك الزمان، ليس شأن مثلكم أن يظلم الناس ويأخذ أموالهم. فقال له: يا سيدي، لا تؤاخذني؛ فإن الطمع أحوجني إلى ذلك ونفذ القضاء، ولولا الذنب ما كانت المغفرة. وصار يعتذر إليه على ما سلف منه، ويطلب منه العفو والسماح، حتى من جملة الاعتذار أنشده هذا الشعر:
وما زال يتواضع بين يديه حتى قال له: عفا الله عنك. وأمره بالجلوس فجلس وخلع عليه ثياب الأمان، وأمر أخويه بمد السماط، وبعد أن أكلوا كسا جماعة الملك وأكرمهم، وبعد ذلك أمر الملك بالمسير فخرج من بيت جودر، وصار كل يوم يأتي إلى بيت جودر، ولا ينصب الديوان إلا في بيت جودر، وزادت بينهما العشرة والمحبة. ثم إنهم قاموا على هذه الحالة مدة، وبعد ذلك خلا بوزيره وقال له: يا وزير، أنا خائف أن يقتلني جودر ويأخذ الملك مني. فقال له: يا ملك الزمان، أما من قضية أخذ المُلْك فلا تَخَفْ، فإن حالة جودر التي هو فيها أعظم من حالة الملك، وأخذ المُلْك حطة في قدره، فإن كنتَ خائفًا أن يقتلك فإن لك بنتًا فزوِّجْها له وتصير أنت وإياه حالة واحدة. فقال له: يا وزير، أنت تكون واسطة بيني وبينه. فقال له: اعزمه عندك، ثم إننا نسهر في قاعة، وَمُرْ بنتك أن تتزيَّن بأفخر زينة، وتمر عليه من باب القاعة، فإنه متى رآها عشقها، فإذا فهمنا منه ذلك فأنا أميل عليه وأخبره أنها ابنتك، وأدخل وأخرج معه في الكلام بحيث إنه لم يكن عندك خبر بشيء من ذلك، حتى يخطبها منك، ومتى زوَّجْتَه البنت صرتَ أنت وإياه شيئًا واحدًا، وتأمن منه، وإن مات تَرِث منه الكثير. فقال له: صدقتَ يا وزيري. وعمل الضيافة وعزمه، فجاء إلى سراية السلطان، وقعدوا في القاعة في أنس زائد إلى آخِر النهار، وكان الملك أرسل إلى زوجته أن تزيِّن البنت بأفخر زينة، وتمر بها على باب القاعة، فعملت كما قال ومَرَّتْ بالبنت، فنظرها جودر، وكانت ذات حُسْن وجمال وليس لها نظير، فلما حقَّق جودر النظر فيها قال: آه. وتفككت أعضاؤه واشتدَّ به العشق والغرام، وأخذه الوَجْد والهيام، واصفرَّ لونه، فقال له الوزير: لا بأس عليك يا سيدي، ما لي أراكَ متغيِّرًا متوجِّعًا؟ فقال: يا وزير، هذه البنت بنت مَن؟ فإنها سلبتني وأخذت عقلي. فقال: هذه بنت حبيبك الملك، فإن كانت أعجبَتْك أنا أتكلم مع الملك يزوِّجك إياها. فقال: يا وزير، كلِّمْه وأنا وحياتي أعطيك ما تطلب، وأعطي الملك ما يطلبه في مهرها، ونصير أحبابًا وأصهارًا. فقال له الوزير: لا بد من حصول غرضك. ثم إن الوزير حدَّثَ الملك سرًّا، وقال له: يا ملك الزمان، إن جودرًا حبيبك يريد القرب منك، وقد توسَّلَ بي إليك أن تزوِّجه ابنتك السيدة آسية، فلا تخيبني واقبل سياقي، ومهما تطلبه في مهرها يدفعه. فقال الملك: المهر قد وصلني، والبنت جارية في خدمته، وأنا أزوِّجه إياها، وله الفضل في القبول. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.