فلما كانت الليلة ٦٢٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك شمس الدولة لما قال له وزيره: إن جودرًا يريد القرب منك بتزويجه ابنتك. قال له: المهر قد وصلني، والبنت جارية في خدمته، وله الفضل في القبول. وباتوا تلك الليلة، ثم أصبح الملك فنصب ديوانًا، وأحضر فيه الخاص والعام، وحضر شيخ الإسلام، وجودر خطب البنت، وقال الملك: المهر قد وصل. وكتبوا الكتاب فأرسل جودر بإحضار الخرج الذي فيه الجواهر، وأعطاها للملك في مهر البنت، ودُقَّتِ الطبول وغنت الزمور وانتظمت عقود الفرح ودخل على البنت، وصار هو والملك شيئًا واحدًا، وأقاما مع بعضهما مدة من الأيام، ثم مات الملك فصارت العساكر تطلب جودرًا للسلطنة، ولم يزالوا يرغبونه وهو يمتنع منهم حتى رضي فجعلوه سلطانًا، فأمر ببناء جامع على قبر الملك شمس الدولة، ورتب له الأوقاف وهو في خط البندقانيين. وكان بيت جودر في حارة اليمانية، فلما تسلطن بنى أبنية وجامعًا، وقد سُمِّيت الحارة به وصار اسمها الجودرية، وأقام ملكًا مدة وجعل أخويه وزيرين، سالمًا وزير ميمنته، وسليمًا وزير ميسرته، فأقاموا عامًا واحدًا من غير زيادة، ثم إن سالمًا قال لسليم: يا أخي إلى متى هذا الحال؟ فهل نقضي عمرنا كله ونحن خادمان لجودر؟ ولا نفرح بسيادة ولا سعادة ما دام جودر حيًّا. قال: وكيف نصنع حتى نقتله ونأخذ منه الخاتم والخرج؟ فقال سليم لسالم: أنت أعرف مني، فدبِّرْ لنا حيلة لعلنا نقتله بها. فقال: إذا دبَّرْتُ لك حيلةً على قتله، هل ترضى أن أكون أنا سلطانًا وأنت وزير ميمنة، ويكون الخاتم لي والخرج لك؟ قال: رضيت. فاتفقا على قتل جودر من شأن حب الدنيا والرئاسة.
ثم إن سليمًا وسالمًا دبَّرَا حيلة لجودر وقالا له: يا أخانا، إن مرادنا أن نفتخر بك، فتدخل بيوتنا وتأكل ضيافتنا وتجبر خاطرنا. وصار يخادعانه ويقولان له: اجبر خاطرنا وكُلْ ضيافتنا. فقال: لا بأس، فالضيافة في بيتِ مَن فيكم؟ قال سالم: في بيتي، وبعدما تأكل ضيافتي تأكل ضيافة أخي. قال: لا بأس. وذهب مع سليم إلى بيته، فوضع له الضيافة وحط فيها السم، فلما أكل تفتَّتَ لحمه مع عظمه، فقام سالم ليأخذ الخاتم من إصبعه، فعصى منه فقطع إصبعه بالسكين، ثم إنه دعك الخاتم فحضر له المارد وقال: لبيك فاطلب ما تريد. فقال له: امسك أخي واقتله، واحمل الاثنين المسموم والمقتول وارمهما قدام العسكر، فأخذ سليمًا وقتله، وحمل الاثنين وخرج بهما ورماهما قدام أكابر العسكر، وكانوا جالسين على السفرة في مقعد البيت يأكلون، فلما نظروا جودرًا وسليمًا مقتولين، رفعوا أيديهم من الطعام وأزعجهم الخوف، وقالوا للمارد: مَن فعل بالملك والوزير هذه الفِعَال؟ فقال لهم: أخوهم سالم. وإذا بسالم أقبل عليهم وقال: يا عسكر، كُلُوا وانبسطوا، فإني ملكت الخاتم من أخي جودر، وهذا المارد خادم الخاتم قدامكم وأمرته بقتل أخي سليم حتى لا ينازعني في الملك؛ لأنه خائن وأنا أخاف أن يخونني، وهذا جودر صار مقتولًا، وأنا بقيت سلطانًا عليكم، هل ترضون بي؟ وإلا أدعك الخاتم فيقتلكم خادمه كبارًا وصغارًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.