فلما كانت الليلة ٥٤٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري صار يحكي لأصحابه جميع ما حصل له في جبل الماس، ويخبرهم أن التجار لا يقدرون على مجيء شيء منه إلا بحيلة مثل التي ذكرها، ثم قال: فلما نظرتُ على تلك الذبيحة وتذكَّرْتُ هذه الحكاية، قمتُ وجئتُ عند الذبيحة، فنقَّيْتُ من هذه الحجارة شيئًا كثيرًا، وأدخلتُه في جيبي وبين ثيابي، وصرتُ أنقِّي وأُدْخِل في جيوبي وحزامي وعمامتي وبين حوائجي، فبينما أنا على هذه الحالة وإذا بذبيحة كبيرة، فربطتُ نفسي عليها بعمامتي، ونمتُ على ظهري، وجعلتها على صدري، وأنا قابض عليها، فصارت عالية على الأرض، وإذا بنسرٍ نزل على تلك الذبيحة وقبض عليها بمخالبه، واقتلع بها إلى الجو، وأنا معلَّق بها، ولم يزل طائرًا إلى أن صعد بها إلى أعلى الجبل، وحط بها، وأراد أن ينهش منها، وإذا بصيحة عظيمة عالية من خلف ذلك النسر، وشيء يخبط بالخشب على ذلك الجبل، فجفل النسر وخاف وطار إلى الجو، ففككتُ نفسي من الذبيحة، وقد تلوَّثَتْ ثيابي من دمها، ووقفت بجانبها، وإذا بذلك التاجر الذي صاح على النسر تقدَّمَ إلى الذبيحة فرآني واقفًا، فلم يكلمني، وقد فزع مني وارتعب، وأتى الذبيحة وقلَّبَها فلم يجد فيها شيئًا، فصاح صيحة عظيمة وقال: وا خيبتاه! لا حول ولا قوة إلا بالله، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وهو يتندم ويخبط كفًّا على كف، ويقول: وا حسرتاه! أي شيء هذا الحال؟ فتقدَّمْتُ إليه، فقال لي: مَن أنت؟ وما سبب مجيئك إلى هذا المكان؟ فقلت له: لا تخف ولا تخشَ؛ فإني إنسي من خيار الإنس، وكنت تاجرًا ولي حكاية عظيمة، وقصة غريبة، وسبب وصولي إلى هذا الجبل وهذا الوادي له حكاية عجيبة، فلا تَخَفْ فلك ما يسرك مني، وأنا معي شيء كثير من حجر الماس، فأعطيك منه شيئًا يكفيك، وكل قطعة معي أحسن من كل شيء يأتيك؛ فلا تجزع ولا تخف. فعند ذلك شكرني الرجل، ودعا لي، وتحدَّثَ معي، وإذا بالتجَّار سمعوا كلامي مع رفيقهم، فجاءوا إليَّ، وكان كل تاجر رمى ذبيحته، فلما قدموا علينا سلَّموا عليَّ وهنوني بالسلامة، وأخذوني معهم، وأعلمتهم بجميع قصتي، وما قاسيته في سفرتي، وأخبرتهم بسبب وصولي إلى هذه الوادي.
ثم إني أعطيت لصاحب الذبيحة التي تعلَّقْتُ فيها شيئًا كثيرًا مما كان معي؛ ففرح بي، ودعا لي، وشكرني على ذلك، وقال لي التجار: والله إنه قد كُتِب لك عُمْر جديد، فما أحد وصل إلى هذا المكان قبلك ونجا منه، ولكن الحمد لله على سلامتك. وباتوا في مكان مليح أمان، وبتُّ عنده وأنا فرحان غاية الفرح بسلامتي ونجاتي من وادي الحيات، ووصولي إلى بلاد العمار. ولما طلع النهار قمنا وسرنا على ذلك الجبل العظيم، وصرنا ننظر في ذلك الوادي حيات كثيرة، ولم نزل سائرين إلى أن أتينا بستانًا في جزيرة عظيمة مليحة، وفيها شجر الكافور، كل شجرة منها يستظِلُّ تحتها مائة إنسان، وإذا أراد أحدٌ أن يأخذ منه شيئًا، يثقب من أعلى الشجرة بشيء طويل، ويتلقى ما ينزل منه؛ فيسيل منه ماء الكافور، ويقعد مثل الصمغ، وهو عسل ذلك الشجر، وبعد ذلك تيبس الشجرة، وتصير حطبًا. وفي تلك الجزيرة صنف من الوحوش يقال له الكزكزان، يرعى فيها رعيًا مثل ما يرعى البقر والجاموس في بلادنا، ولكن جسم ذلك الوحش أكبر من جسم الجمل، ويأكل العلق؛ وهو دابة عظيمة لها قرن واحد غليظ في وسط رأسها، طوله قدر عشرة أذرع، وفيه صورة إنسان، وفي تلك الجزيرة شيء من صنف البقر، وقد قال لنا البحريون المسافرون وأهل السياحة في الجبال والأراضي إن هذا الوحش المُسمَّى بالكزكزان يحمل الفيل الكبير على قرنه، ويرعى به في الجزيرة والسواحل، ولا يشعر به، ويموت الفيل على قرنه، ويسيح دهنه من حر الشمس على رأسه، ويدخل في عينيه فيعمى فيرقد في جانب السواحل، فيجيء له طير الرخ فيحمله في مخالبه، ويروح به عند أولاده، ويزقهم به، وبما على قرنه، وقد رأيت في تلك الجزيرة شيئًا كثيرًا من صنف الجاموس ليس له عندنا نظير، وفي ذلك الوادي شيء كثير من حجر الماس الذي حملته معي، وخبَّأْتُه في جيبي، وقايضوني عليه ببضائع ومتاع من عندهم، وحملوها لي معهم، وأعطوني دراهم ودنانير، ولم أزل سائرًا معهم وأنا أتفرج على بلاد الناس وعلى ما خلق الله، من وادٍ إلى وادٍ، ومن مدينة إلى مدينة، ونحن نبيع ونشتري إلى أن وصلنا إلى مدينة البصرة، وأقمنا بها أيامًا قلائل، ثم جئتُ إلى مدينة بغداد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.