فلما كانت الليلة ٦٢٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا لما أسلم وحكى للشيخ جميع ما جرى له من أوله إلى آخِره، حتى وصل إلى حديث غول الجبل الذي جاء في طلبه، قال له: يا غريب، هل أنت مجنون تسير إلى غول الجبل وحدك؟ فقال له: يا مولاي، معي مائتا فارس. فقال له الشيخ: يا غريب، ولو كان معك عشرة آلاف فارس ما تقدر عليه، فإن اسمه الغول، يأكل الناس، نسأل الله السلامة، وهو من أولاد حام، وأبوه هندي الذي عمر الهند وسُمِّي به، وقد خلَّفه وسمَّاه سعدان الغول، فكان يا ولدي جبَّارًا وشيطانًا مريدًا، ما له مأكول إلا ابن آدم، فنهاه أبوه قبل موته عن ذلك، فما انتهى وزاد في الطغيان، فطرده أبوه بعد ذلك ونفاه من بلاد الهند بعد حروب وتعب عظيم، فجاء إلى هذه الأرض وتحصَّنَ بها وسكن فيها، وصار يقطع الطرق على الرائح والجائي، ويرجع إلى مسكنه بهذا الوادي، ورُزِق بخمسة أولاد غِلَاظ شداد، يحمل أحدهم على ألف بطل، وقد جمع أموالًا وغنائم وخيلًا وجمالًا وبقرًا وغنمًا قد سَدَّتِ الوادي، وأنا خائف عليك منه، فاسأل الله تعالى أن ينصرك عليه بكلمة التوحيد، فإذا حملتَ على الكفار فقل: الله أكبر. فإنها تخذل مَن كفر.
ثم إن الشيخ أعطى غريبًا عامودًا من بولاد، وزنه مائة رطل، وفيه عشر حلقات، إذا هَزَّه حامله طنَّتْ حلقاته مثل الرعد، وأعطاه سيفًا مجوهرًا من صاعقة، طوله ثلاثة أذرع، وعرضه ثلاثة أشبار، إذا ضرب به صخرة قَدَّها نصفين، وأعطاه درعًا وترسًا ومصحفًا وقال له: سِرْ إلى قومك واعرض عليهم الإسلام. فخرج غريب وهو فرحان بالإسلام، وسار حتى وصل إلى قومه، فتلقَّوْه بالسلام وقالوا له: ما أبطأك عنَّا؟ فحكى لهم جميع ما جرى له من أوله إلى آخره، وعرض عليهم الإسلام، فأسلموا جميعًا وباتو إلى الصباح. فركب غريب وأتى الشيخ يودِّعه، فودَّعه وخرج وسار حتى وصل إلى قومه، وإذا بفارس وهو في الحديد غاطس لم يظهر منه غير آماق البصر، فحمل على غريب وقال له: اخلع ما عليك يا قطاعة العرب، وإلا رميتك بالعطب. فحمل غريب عليه وجرى بينهم حرب يشيب المولود، ويذيب من هوله الحجر الجلمود، فكشف البدوي البرقع فإذا هو سهيم الليل أخو غريب من أمه ابن مرداس، وسبب خروجه وإتيانه إلى ذلك المحل، أن غريبًا لما سار إلى غول الجبل كان سهيم غائبًا، فلما رجع لم ينظر غريبًا فدخل على أمه فوجدها تبكي، فسألها عن سبب بكائها، فأخبرته بما جرى من سفر أخيه، فما تمهَّلَ على نفسه ليستريح، فلبس آلة حربه وركب جواده وسار حتى وصل إلى أخيه، وجرى بينهما ما جرى. فلما كشف سهيم وجهه عرفه غريب وسلَّمَ عليه وقال: ما حملك على هذا؟ قال له: حتى عرفت طبقتي معك في الميدان، وقدري في الضرب والطعان. وسارا فعرض غريب على سهيم الإسلام فأسلم، ولم يزالوا سائرين حتى أشرفوا على الوادي، فلما نظر غول الجبل غبار القوم قال: يا أولادي، اركبوا وائتوني بهذه الغنيمة. فركبت الخمسة وساروا نحوهم، فلما رأى غريب الخمسة العمالقة قد هجموا عليهم، لكز جواده وقال: مَن أنتم؟ وما جنسكم؟ وما تريدون؟ فتقدَّمَ فلحون بن سعدان غول الجبل، وهو أكبر أولاده، وقال: انزلوا عن خيولكم، وكتِّفوا بعضكم حتى نسوقكم إلى أبينا يشوي بعضكم ويطبخ بعضكم، فإن له زمانًا طويلًا ما أكل آدميًّا.
فلما سمع غريب هذا الكلام حمل على فلحون، وهزَّ العمود حتى طنت حلقاته مثل الرعد القاصف، فاندهش فلحون فضربه غريب بالعمود، وكانت ضربته خفيفة وقد وقعت بين أكتافه، فسقط مثل النخلة السحوق، فنزل سهيم وبعض القوم على فلحون وكتَّفوه. ثم إنهم وضعوا في رقبته حبلًا وسحبوه مثل البقرة، فلما رأى إخوته أخاهم أسيرًا حملوا على غريب، فأسر منهم أربعة والخامس فرَّ هاربًا حتى دخل على أبيه، فقال له أبوه: ما وراءك؟ وأين إخوتك؟ فقال له: أسرهم صبي ما خط عذاره، طوله أربعون ذراعًا. فلما سمع غول الجبل كلام ابنه قال: لا طرحت الشمس فيكم من بركة. ثم إنه نزل من الحصن واقتلع شجرة عظيمة، وطلب غريب وقومه وهو راجل على قدميه؛ لأن الخيل لم تحمله لعظم جثته، وتبعه ابنه وسارَا حتى أشرفا على غريب، وحمل على القوم من غير كلام، وضرب بالشجرة فهشَّمَ خمسة رجال، وحمل على سهيم وضربه بشجرة فزاغ عنها وراحت خالية، فغضب الغول ورمى الشجرة من يده، وانقضَّ على سهيم فخطفه مثل ما يخطف الباشق العصفور، فلما نظر غريب إلى أخيه وهو في يد الغول، صاح وقال: الله أكبر يا جاه إبراهيم الخليل ومحمد ﷺ. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.