فلما كانت الليلة ٦٣٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا توجه هو وقومه والغول وقومه إلى وادي الأزهار، رأى فيه الطيور ومن جملتها القمري ملأ بصوته الأمكنة خلقة الرحمن، والبلبل يغرِّد بحسن صوته كالإنسان، والشجر يكلُّ عن وصفه اللسان، والفاخت أضحى بصوته يهيم الإنسان، والمطوق تجاوبه الدرة بأفصح لسان، والأشجار المثمرة من كل فاكهة زوجان، والرمان حامض وحلو على الأفنان، والمشمش لوزي وكافوري ولوز خراسان، والبرقوق يختلط بأشجار أغصان البان، والنارنج كأنه مشاعل النيران، والكباد مالت به الأغصان، والليمون دواء لكل قرفان، والحامض يشفي من علة اليرقان، والبلح على أمه أحمر وأصفر صُنْع الله العظيم الشان، وفي مثل هذا المكان يقول الشاعر الولهان:
فأعجب غريبًا هذا الوادي، فأمر أن ينصبوا فيه سرادق فخرتاج الكسروية، فنصبوه بين الأشجار وفرشوه بالفرش الفاخر، وقعد غريب وجاءهم الطعام، فأكلوا حتى اكتفوا، ثم قال غريب: يا سعدان. قال: لبيك يا مولاي. قال: هل عندك شيء من الخمر؟ قال: نعم، عندي صهريج ملآن بالعتيق. فقال: ائتنا بشيء منه. فأرسَلَ عشرة من العبيد فجاءوا من الخمر بشيء كثير، فأكلوا وشربوا واستلذوا وطربوا، وطرب غريب وتذكَّرَ مهدية، فأنشد هذه الأبيات:
ولم يزالوا يأكلون ويشربون ويتفرجون ثلاثة أيام، ثم رجعوا إلى الحصن، ودعا غريب بسهيم أخيه فحضر، فقال له: خذ معك مائة فارس وسر إلى أبيك وأمك وقومك بني قحطان، فأتِ بهم إلى هذا المكان ليعيشوا فيه بقية الزمان، وأنا أسير إلى بلاد العجم بالملكة فخرتاج إلى أبيها، وأنت يا سعدان أَقِمْ أنت وأولادك في هذا الحصن حتى نعود إليك. قال له: ولِمَ لَمْ تأخذني معك إلى بلاد العجم؟ قال له: لأنك أسرتَ بنت سابور ملك العجم، وإن وقعَتْ عينه عليك أكل من لحمك وشرب من دمك. فلما سمع غول الجبل ذلك ضحك ضحكًا عاليًا مثل الرعد القاصف وقال: يا مولاي وحياة رأسك، لو تجتمع عليَّ العجم والديلم لَأسقيتهم شرابَ العدم. فقال غريب: أنت كما تقول، ولكن اقعد في حصنك حتى أعود إليك. فقال: سمعًا وطاعة. فرحل سهيم، وتوجَّهَ هو إلى بلاد العجم، ومعه قومه من بني قحطان، ومعه الملكة فخرتاج وقومها، وساروا قاصدين مدائن سابور ملك العجم.
هذا ما كان من أمر هؤلاء، وأما ما كان من أمر الملك سابور، فإنه انتظر مجيء ابنته من دير النار فما عادت وفات الميعاد، فالتهبت في قلبه النار، وكان له أربعون وزيرًا، وكان أكبرهم وأعرفهم وأعلمهم وزيرًا اسمه ديدان، فقال له الملك: يا وزير، إن ابنتي أبطأت ولم يجئنا خبر عنها، وقد فات ميعاد مجيئها، فأرسِلْ ساعيًا إلى دير النار ليتحقق الأخبار. فقال: سمعًا وطاعةً. ثم خرج الوزير ونادى مقدم السعادة وقال له: سر من وقتك إلى دير النار. فخرج وسافر حتى وصل إلى دير النار، وسأل الرهبان عن بنت الملك فقالوا: ما رأيناها في هذا العام. فعاد على إثره حتى وصل إلى مدينة إسبانير ودخل على الوزير وأعلمه بما كان؛ فدخل الوزير على الملك سابور وأعلمه، فقامت قيامته ورمى تاجه في الأرض، ونتف لحيته، ووقع على الأرض مغشيًّا عليه، فرشوا عليه الماء فأفاق وهو باكي العين، حزين القلب، فأنشد قول الشاعر:
ثم دعا الملك بعشرة قواد وأمرهم أن يركبوا بعشرة آلاف فارس، وكل قائد يتوجه إلى إقليم ليفتشوا على الملكة فخرتاج، فركبوا وتوجه كل قائد وجماعته إلى إقليم، وأما أم فخرتاج فإنها لبست هي وجواريها السواد، وفرشوا الرماد، وقعدوا في البكاء والعديد. هذا ما جرى لهؤلاء. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.