فلما كانت الليلة ٦٣٢
قال: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا لما حمل عليه قوم الصمصام حملة واحدة، حمل عليهم وصاح: الله أكبر، فَتَح ونَصَر وخَذَل مَن كَفَر. فلما سمع الكفار ذِكْر الملك الجبَّار الواحد القهَّار الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، نظر بعضهم إلى بعض وقالوا: هذا الكلام الذي أرعد فرائضنا وأضعف هممنا وقصَّر أعمارنا، فما سمعنا في عمرنا أطيبَ من هذا الكلام. ثم إنهم قالوا لبعضهم: ارجعوا عن القتال حتى نسأل عن هذا الكلام. فرجعوا عن القتال ونزلوا عن الخيول، واجتمع كبارهم وتشاوروا وطلبوا المسير إلى غريب وقالوا: يمضي إليه منَّا عشرة. واختاروا عشرة من خيارهم فتوجهوا إلى خيام غريب، وأما غريب وقومه فإنهم نزلوا في خيامهم وتعجبوا من رجوع القوم عن الحرب. فبينما هم كذلك وإذا بالعشرة رجال قد أقبلوا وطلبوا الحضور بين يدي غريب، وقبَّلوا الأرض ودعوا له بالعز والبقاء، فقال لهم: ما لكم رجعتم عن القتال؟ فقالوا: يا مولانا، أرعبتنا بالكلام الذي صحتَ به علينا؟ فقال لهم: ما تعبدون من المصائب؟ فقالوا: نعبد ودًّا وسواعًا ويغوث أرباب قوم نوح. قال غريب: إنَّا لا نعبد إلا الله تعالى، خالِق كل شيء ورازق كل حي، وهو الذي خلق السموات والأرض، وأرسى الجبال، وأنبع الماء من الأحجار، وأنبت الأشجار ورزق الوحوش في القفار، فهو الله الواحد القهار. فلما سمع القوم كلام غريب، انشرحت صدروهم بكلمة التوحيد وقالوا: إن هذا الإله ربٌّ عظيم، راحم رحيم. ثم قالوا: فما نقول حتى نصير مسلمين؟ قال غريب: قولوا لا إله إلا الله، إبراهيم خليل الله. فأسلم العشرة إسلامًا صحيحًا. ثم قال غريب: إن دليل حلاوة الإسلام في قلوبكم أن تمضوا إلى قومكم وتعرضوا عليهم الإسلام، فإن أسلموا أسلموا، وإن أَبَوْا نحرقهم بالنار. فسار العشرة حتى وصلوا إلى قومهم وعرضوا عليهم دين الإسلام وشرحوا لهم طريق الحق والإيمان، فأسلموا قلبًا ولسانًا، وسَعَوْا على الأقدام حتى وصلوا إلى غريب وقبَّلوا الأرض بين يديه، ودَعَوْا له بالعز وعلوِّ الدرجات وقالوا: يا مولانا، نحن صرنا عبيدك، فمُرنا بما تريد، فإنا لك سامعون مطيعون، وما بقينا نفارقك؛ لأن الله هدانا على يديك. فجازاهم خيرًا وقال لهم: امضوا إلى منازلكم وارتحلوا بأموالكم وأولادكم، واسبقونا على وادي الأزهار، وحصن صاصا بن شيث، حتى أشيِّع فخرتاج بنت الملك سابور ملك العجم وأعود إليكم. فقالوا: سمعًا وطاعةً.
ثم إنهم رحلوا من وقتهم وقصدوا حيَّهم وهم فَرِحون بالإسلام، وعرضوا الإسلام على عيالهم وأولادهم فأسلموا، ثم هدُّوا بيوتهم وأخذوا أموالهم ومواشيهم ورحلوا إلى وادي الأزهار، فخرج غول الجبل وأولاده واستقبل القوم، فكان غريب أوصاهم وقال لهم: إذا خرج إليكم غول الجبل وأراد أن يبطش بكم، فاذكروا الله تعالى خالق كل شيء، فإنه متى سمع ذِكْر الله تعالى يرجع عن القتال ويلقاكم بالترحيب. فلما خرج غول الجبل بأولاده وأراد أن يبطش بهم، أعلنوا بذِكْر الله تعالى، فتلقَّاهم بأحسن ملتقًى، وسألهم عن حالهم، فأخبروه بما جرى لهم مع غريب، ففرح بهم سعدان وأنزلهم وغمرهم بالإحسان.
هذا ما جرى لهم، وأما غريب فإنه رحل بالملكة فخرتاج وتوجَّهَ إلى مدينة إسبانير، فسار خمسة أيام، وفي اليوم السادس ظهر له غبار، فأرسل رجلًا من الأعجام يتحقَّق له الأخبار، فسار إليه ثم عاد أسرع من الطير إذا طار، وقال: يا مولاي، هذا غبار ألف فارس من أصحابنا الذين أرسلهم الملك يفتِّشون على الملكة فخرتاج. فلما بلغ غريب ذلك، أمر أصحابه بالنزول وأن يضربوا الخيام، فنزلوا وضربوا خيامهم حتى وصل إليهم القادمون، فتلقَّاهم رجال الملكة فخرتاج وأخبروا طومان الحاكم عليهم، وأعلموه بالملكة فخرتاج. فلما سمع طومان بذكر الملك غريب دخل عليه وقبَّلَ الأرض بين يديه، وسأله عن حال الملكة، فأرسله إلى خيمتها، فدخل عليها وقبَّلَ يدَيْها ورجلَيْها وأخبرها بما جرى لأبيها وأمها، فأخبرته بجميع ما جرى لها، وكيف خلَّصَها غريب من غول الجبل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.