فلما كانت الليلة ٦٣٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة فخرتاج لما حكت لطومان جميع ما حصل لها من غول الجبل وأَسْرها، وكيف خلَّصها غريب وإلا كان أكلها، قالت: فواجب على أبي أن يعطيه نصف ملكه. ثم إنه قام طومان وقبَّلَ يدَيْ غريب ورجلَيْه، وشكر إحسانه وقال: عن إذنك يا مولاي، هل أرجع إلى مدينة إسبانير فأبشِّر الملك؟ فقال له: توجَّهْ وخذ منه البشارة. فسار طومان ورحل غريب بعده. فأما طومان فإنه جَدَّ في السير حتى أشرف على إسبانير المدائن، فطلع القصر وقبَّلَ الأرض قدام الملك سابور، فقال الملك: ما الخبر يا بشير الخير؟ فقال له طومان: ما أقول لك حتى تعطيني بشارتي. فقال له الملك: بشِّرني حتى أرضيك. فقال: يا ملك الزمان، أَبْشِر بالملكة فخرتاج. فلما سمع سابور ذِكْرَ ابنته وقع مغشيًّا عليه، فرشوا عليه ماء الورد فأفاق وصاح على طومان وقال له: تقرَّبْ إليَّ وبشِّرني. فتقدَّمَ وشرح له ما جرى للملكة فخرتاج، فلما سمع الملك ذلك الكلام خبط كفَّيْه على بعضمها وقال: مسكينة يا فخرتاج. ثم إنه أمر لطومان بعشرة آلاف دينار، وأنعم عليه بمدينة أصبهان وأعمالها، ثم صاح على أمرائه وقال: اركبوا بأجمعكم حتى نلاقي الملكة فخرتاج. ودخل الخادم الخاص أعلم أمها وكامل الحريم، ففَرِحن بذلك وخلعت أمها على الخادم خلعة وأعطته ألف دينار، وسمع أهل المدينة بذلك فزينوا الأسواق والبيوت، وركب الملك طومان وساروا حتى رأوا غريبًا، فترجَّلَ الملك سابور ومشى خطوات ليستقبل غريبًا، وترجَّلَ غريب ومشى إليه واعتنقَا وسلَّمَا على بعضهما، وانكبَّ سابور على يدي غريب فقبَّلَهما وشكر إحسانه، ونصبوا الخيام قبال الخيام، ودخل سابور على ابنته، فقامت له واعتنقته وصارت تحدِّثه بما جرى لها، وكيف خلَّصَها غريب من قبضة غول الجبل، فقال لها أبوها: وحياتك يا سيدة الملاح إني أعطيه حتى أغمره بالعطاء. فقالت له: صاهِرْه يا أبتي حتى يكون لك عونًا على الأعداء، فإنه شجاع. وما قالت هذا الكلام إلا لأن قلبها تعلَّقَ بغريب، فقال: يا بنتي، أَمَا تعلمين أن الملك خردشاه رمى الديباج، ووهب مائة ألف دينار، وهو ملك شيراز وأعمالها، وهو صاحب ملكٍ وجنودٍ وعساكر. فلما سمعت فخرتاج كلام أبيها قالت: يا أبتي، ما أريد ما ذكرتَ لي، وإنْ أكرهتَني على ما لا أريد قتلتُ روحي. فخرج الملك وتوجَّهَ إلى غريب فقام له، وجلس سابور وصار لا يشبع نظره من غريب، وقال في نفسه: والله إن ابنتي معذورة حيث حبَّتْ هذا البدوي.
ثم حضر الطعام، فأكلوا وباتوا، ثم أصبحوا سائرين إلى أن وصلوا إلى المدينة، ودخل الملك وغريب ركابه في ركابه، وكان لهم يوم عظيم، ودخلت فخرتاج قصرها ومحل عزِّها، وتلقَّتْها أمها وجواريها وقُمْنَ بالفرح والزغاريد، وجلس الملك سابور على كرسي مملكته، وأجلس غريبًا على يمينه، ووقف الملوك والحجَّاب والأمراء والنوَّاب والوزراء ميمنة وميسرة، وقد هنَّئوا الملك بابنته، فقال الملك لأرباب دولته: مَن أحَبَّني يخلع على غريب. فوقع عليه خلع مثل المطر، وأقام غريب في الضيافة عشرة أيام، ثم أراد المسير فخلع عليه الملك وحلف بدينه أنه لا يرحل إلا بعد شهر، فقال غريب: يا ملك، إني خطبت بنتًا من بنات العرب، وأريد أن أدخل عليها. فقال الملك: أيتهما أحسن، أمخطوبتك أم فخرتاج؟ فقال غريب: يا ملك الزمان، أين العبد من المولى؟ فقال الملك: فخرتاج صارت جاريتك؛ لأنك خلَّصْتَها من مخالب الغول، وما لها بعل سواك. فقام غريب وقبَّلَ الأرض وقال: يا ملك الزمان، أنت ملك وأنا رجل فقير، وربما تطلب مهرًا ثقيلًا. فقال له الملك سابور: يا ولدي، اعلم أن الملك خردشاه صاحب شيراز وأعمالها خطبها وجعل لها مائة ألف دينار، وأنا قد اخترتك دون الناس أجمعين، وقد جعلتك سيف مملكتي وترس نقمتي. ثم التفت لكبراء قومه وقال: اشهدوا عليَّ يا أهل مملكتي أني زوَّجْتُ ابنتي فخرتاج لولدي غريب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.