فلما كانت الليلة ٦٣٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مرداسًا لما طلع بين يدي عجيب قال له: إني أتيت مستجيرًا بك. فقال: مَن ظلَمَك حتى أجيرك منه؟ ولو كان سابورًا ملك العجم والترك والديلم. فقال مرداس: يا ملك الزمان، ما ظلمني إلا صبي ربَّيْته في حجري، وقد وجدته في حجر أمه في وادٍ، فتزوَّجْتُ بأمه فجاءت مني بولد فسمَّيْته سهيم الليل وولدها اسمه غريب، فنشأ في حجري وطلع صاعقة محرقة وداهية عظيمة، فقتل حسَّان سيد بني نبهان، وأفنى الرجال وقهر الفرسان، وعندي بنت ما تصلح إلا لك، وقد طلبها مني فطلبت منه رأس غول الجبل، فسار له وبارزه وأسره وصار من جملة رجاله، وسمعتُ أنه أسلَمَ وصار يدعو الناس إلى دينه، وخلَّصَ بنت سابور من الغول وملك حصن صاصا بن شيث بن شداد بن عاد، وفيه ذخائر الأولين والآخرين وكنوز السابقين، وقد سار يشيع بنت سابور وما يرجع إلا بأموال العجم. فلما سمع عجيب كلام مرداس اصفرَّ لونه وتغيَّرَ حاله وأيقن بهلاك نفسه، وقال: يا مرداس، وهل أم هذا الصبي عندك أو عنده؟ قال: عندي في خيامي. قال: فما اسمها؟ قال: اسمها نصرة. قال: هي إياها. فأرسل أحضرها فنظر عجيب إليها فعرفها فقال: يا ملعونة، أين العبدان اللذان أرسلتهما معك؟ قالت: قتَلَا بعضهما على شأني. فسلَّ عجيب سيفه وضربها فشقَّها نصفين وسحبوها ورموها، ودخل في قلبه الوسواس فقال: يا مرداس، زوِّجني بنتك. فقال مرداس: هي من بعض جواريك، وقد زوَّجْتُك بها وأنا عبدك. فقال عجيب: مرادي أن أنظر إلى ابن الزانية غريب حتى أهلكه وأذيقه أصناف العذاب. وأمر لمرداس بثلاثين ألف دينار مهر ابنته، ومائة شقة من الحرير منسوجة بطراز الذهب مزركشة، ومائة مقطع بحاشية ومناديل وأطواق ذهب، ثم خرج مرداس بهذا المهر العظيم، فاجتهد في جهاز مهدية.
هذا ما جرى لهؤلاء، وأما ما كان من أمر غريب، فإنه سار حتى وصل إلى جزيرةٍ، وهي أول بلاد العراق، وهي مدينة حصينة منيعة، فأمر غريب بالنزول عليها، فلما نظر أهل المدينة نزول العسكر عليهم، أغلقوا الأبواب وحصَّنوا الأسوار وطلعوا الملك فأعلموه، فنظر من شرفات القصر فوجد عسكرًا جرارًا وكلهم أعجام فقال: يا قوم، ما يريدون هؤلاء الأعجام؟ فقالوا: لا ندري. وكان الملك اسمه الدامغ؛ لأنه كان يدمغ الأبطال في حومة الميدان، وكان من جملة أعوانه رجل شاطر كأنه شعلة نار اسمه سبع القفار، فدعاه الملك وقال له: امضِ إلى هذا العسكر وانظر أخبارهم وما يريدون منَّا وارجع عاجلًا. فخرج سبع القفار كأنه الريح إذا سار حتى وصل إلى خيام غريب، فقام جماعة من العرب فقالوا: مَن أنت وما تريد؟ فقال: أنا قاصد ورسول من عند صاحب المدينة إلى صاحبكم. فأخذوه وشقوا به الخيام والمضارب والأعلام حتى وصلوا به إلى سرادق غريب، فدخلوا على غريب وأعلموه به فقال: ائتوني به. فأتوا به، فلما دخل قبَّلَ الأرض ودعا له بدوام العز والبقاء، قال له غريب: ما حاجتك؟ قال: أنا رسول صاحب مدينة الجزيرة الدامغ أخو الملك كندمر صاحب مدينة الكوفة وأرض العراق. فلما سمع غريب كلام الرسول جرت دموعه مدرارًا، ونظر إلى الرسول وقال: ما اسمك؟ قال: اسمي سبع القفار. فقال له: امضِ إلى مولاك وقل له: إن صاحب هذه الخيام اسمه غريب بن كندمر صاحب الكوفة الذي قتله ابنه، وقد أتى إلى أخذ الثأر من عجيب الكلب الغدَّار. فخرج الرسول حتى وصل إلى الملك الدامغ وهو فرحان، ثم قبَّلَ الأرض، فقال الملك: ما وراءك يا سبع القفار؟ فقال: يا مولاي، إن صاحب هذا العسكر ابن أخيك. ثم حكى له جميع الكلام، فظنَّ أنه في المنام وقال: يا سبع القفار. فقال له: نعم يا ملك. قال له: هل الذي قلتَه حقٌّ؟ قال له: وحياة رأسك إنه حق. فعند ذلك أمر كبار قومه بالركوب، فركبوا وركب الملك وساروا حتى وصلوا إلى الخيام، فلما علم غريب بحضور الملك الدامغ، خرج إليه ولاقاه واعتنق الاثنان وسلَّمَا على بعضهما، ورجع غريب بالملك إلى الخيام، وجلسا على مراتب العز، وفرح الدامغ بغريب ابن أخيه. ثم التفت الملك الدامغ إلى غريب وقال له: إن في قلبي حسرة من ثأر أبيك، وما لي قدرة على الكلب أخيك؛ لأن عسكره كثير وعسكري قليل. فقال غريب: يا عم، ها أنا قد أتيتُ آخذ الثأر وأزيل العار وأخلي منه الديار. فقال الدامغ: يا ابن أخي، إن لك ثأرين؛ ثأر أبيك، وثأر أمك. فقال غريب: ما بال أمي؟ قال: قتلها عجيب أخوك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.