الفصل الأول

(١) «ضيوف منزل سويفت»

(صوت تحطُّم زجاج. حجر مقذوف من الشارع يسقط في إحدى حجرات المنزل الكبير الذي يسكنه سويفت. ثمة نوافذ وأبواب عديدة. في الخلف درَج يفضي إلى الدور العلوي. يدخل باتريك، الخادم، متوسط العمر وذو وجه جامد، ويبدأ بإزالة الزجاج المكسور. يتلو دخوله دخول فانيسا، الممرضة ومدبرة المنزل. تتجه إلى مكتب وتُخْرِج مفكرة.)

فانيسا (تكتب في المفكرة) : «الخامس من تشرين الأول، كُسِرَت نافذة في بيت جوناثان سويفت.»
باتريك (مغتمًّا) : إنها الرابعة خلال أسبوع واحد، لو سمحتِ.
فانيسا (تكتب) : «الرابعة خلال أسبوع واحد.» الحقيقة أن العميد توقَّع نجاحًا باهرًا بعد موعظة الأحد الماضي … أما هذا الحجر فهو صغير جدًّا يا باتريك.
باتريك (ملتقطًا الحجر) : اسمحي لي أن أخالفك يا آنسة فانيسا، فهو كبير تمامًا فيما أرى … (يطرح الحجر في الصندوق.)
فانيسا : هل لدينا ضيوف كثر في البيت؟
باتريك : كالعادة يا آنسة فانيسا.
فانيسا : مَن هم؟
باتريك : لا أعرف الجميع. هناك جلم المارد … بعض من أهل الجزيرة الطائرة … بعض الجياد …
فانيسا (مصححةً) : قلت لك هوينوهُمز يا باتريك.
باتريك : آسف جدًّا يا آنسة، هوينوهُمز. وهناك أيضًا … ذاك الذي يعيش إلى الأبد.
فانيسا : السيد صمبدي؟
باتريك : أجل. والليليبتانيون يا آنسة، إنهم مزعجون. فهم يعرقلون عملي وأخاف من أن أدوس عليهم.
فانيسا : أَرسِلهم جميعًا إلى الحديقة. أريد للدكتور سويفت أن يحتسي شايه بسلام.
باتريك : إنني أطلب منهم ذلك على الدوام، لكنهم لا يسمعون … إنهم يحدقون من النوافذ، يتلصصون من الأبواب. وأولئك الليليبتانيون يا آنسة، مزعجون إلى حدِّ أنهم قد يدخلون تحت قدميك … وأنت تعرفين، حتى الخدم لديهم أعصاب!
فانيسا : أعرف ذلك جيدًا! خاصة حين أنقدك أجرك.

(تخرج فانيسا. باتريك يدير طاولة صغيرة، يشعل مصباحًا كحوليًّا ويُعِد الشاي. شخص كئيب يظهر عند أحد الأبواب، مرتديًا زيًّا غريبًا، قبعةَ بولر إنجليزية سوداء مستديرة، معطفَ فراك أسود حتى الركبتين، وشيئًا آخر يبدو هجينًا بين رداء إغريقي أو روماني طويل مشدود بحزام حول الخصر والتنورة، وينتعل في قدميه صندلًا إغريقيًّا. إنه السيد صمبدي.)

صمبدي : عِمتَ مساءً يا باتريك.
باتريك : عِمت مساءً يا سيد. نلتمس من الجميع النزول إلى الحديقة.
صمبدي : أم لعله الصباح الآن؟
باتريك : ذلك ممكن تمامًا يا سيد. نلتمس منك النزول إلى الحديقة.
صمبدي : حسنًا، عِمت صباحًا إذن!
باتريك : عِمت صباحًا يا سيد (يحاول أن يقوده خارج الغرفة).
صمبدي (مقاومًا) : ولكن ما التاريخ؟ ما هو التاريخ؟
باتريك : الخامس من تشرين الأول.
صمبدي : وما العام؟
باتريك : ١٧٤٥.
صمبدي : قبل الميلاد أم بعده؟

(باتريك، وقد تحمَّلَ فوق طاقته، يدفع صمبدي خارج أحد الأبواب. وما هي إلا لحظة حتى يعاود صمبدي الظهور مِن باب آخر. قرعٌ شديد على باب ثالث. يفتح باتريك الباب فيواجهه زوج حذاء هائل. يرد باتريك رأسه إلى الخلف كي يخاطب الشخص المحجوب الذي يرتدي هذا الحذاء.)

باتريك : يا سيد جلم، لا تدخل الغرفة لو سمحت. خاصة بهذا الحذاء الوسخ. امضِ إلى الحديقة. ماذا؟ ماذا؟ أنا لا أسمعك! انحنِ … (مخاطبًا صمبدي) آه لو يخبط رأسه بالجدار! … (يصرخ) السيد لانسيلوت لم يأتِ … كلا! إنني أرفض أن أصعد ثلاث مجموعات من السلالم في كل مرة كي أرد عليك!
صمبدي : لانسيلوت؟ هل قال لانسيلوت؟ كيف يمكن هذا؟ هل نحن في العصور الوسطى إذن؟
باتريك (ملوحًا له بيده كي يبقى متنحيًا) : ذلك ممكن تمامًا.
(يحاول أن يغلق الباب لكن إحدى فردتي الحذاء الهائل تمنعه) كُن لطيفًا واسحب قدميك خارج الباب يا سيد!
صمبدي (مخاطبًا باتريك) : لا تغضب مِني أيها الخادم. إنني أحاول فقط أن أعرف في أي زمن أعيش. عندما يعيش شخص إلى الأبد، مثلي، فإن الزمن يتخثَّر في دماغه، وتتكدس السنون فوق بعضها البعض، لدرجة أنني في بعض الأحيان لا أعرف في أيةِ ألفيةٍ من الأعوام أحيا. أين نحن الآن يا باتريك؟
باتريك (محاولًا كبح انفعاله) : سيدي، أنا أعدُّ الشاي.
وعليك ألا توجِّه مثل هذه الأسئلة الحمقاء أبدًا إلى شخص والماء المغلي بين يديه.
صمبدي : ومَن أكلم إذن؟
باتريك (يأخذ صمبدي من ذراعه ويقوده إلى النافذة) : انظر هناك، هل ترى شجرة البلوط تلك؟ نعم، تلك الكبيرة الضخمة … سيكون جميلًا منك أن تجاذبها أطراف الحديث، هي أيضًا عمرها خمسمائة عام تقريبًا.
صمبدي : خمسمائة عام فقط! أين هي مني إذن! إنني أتذكرها وهي جوزة.

(باتريك يُنزِل إبريق الشاي. تظهر وجوه المواطنين الضاحكة من النافذة.)

باتريك (كابحًا نفسه) : كل ذلك بسببك يا سيد. لقد ثقلت الشاي!

(يجذب صمبدي من ياقته ويدفعه خارج الغرفة.)

(ولكنَّ الباب يفتح ثانيةً ويدخل الطبيب سيمسون في ثياب السفر يحمل حقيبة كبيرة.)

الطبيب : عِمتَ ظهرًا! أنا الطبيب.
باتريك (يتقدَّم منه بقبضتين مضمومتين) : آسف يا سيد، لقد نفد صبري (يزعق) إلى الحديقة!
الطبيب : أنا الطبيب سيمسون.
باتريك : الجميع إلى الحديقة! وإن أمسكت بوغد آخر … (ينتبه لما قاله) آه، أنا في غاية الأسف يا سيدي. ما اسمك قلت؟
الطبيب : سيمسون. الطبيب سيمسون. طبيب الأمراض العقلية.
باتريك : آه، أستميحك عذرًا أيها الطبيب! إنني مسرور جدًّا لرؤيتك. لقد أعلموني بأنك قادم.
الطبيب : ولهذا انقضضت عليَّ؟
باتريك : أستميحك عذرًا مرةً ثانيةً يا سيدي. ولكن حتى الخدم لديهم أعصاب. إن هذه الأشياء التي تحصل هنا …
الطبيب : ما الذي يحصل هنا؟
باتريك : إنه منزل مجنون. حقًّا إنه منزل مجنون!
الطبيب (ينظر من النافذة) : لستُ متأكدًا تمامًا من ذلك. لقد عملت في مؤسسات كهذه. مظهر منزلكم مختلف بعض الشيء. وهؤلاء الناس لا يبدون مثل المجانين.
باتريك (مبتهجًا) : هذا ما أظنه أنا أيضًا! إنهم جماعة من المحتالين يا سيدي! محتالون وأدعياء!
الطبيب : ولماذا تفسحون لهم مجالًا إذن؟
باتريك : إنها أوامر العميد، مشيئته ووصيته الأخيرة. أنت تعلم يا سيدي أن سيدنا العزيز عندما مات أول مرة، أوصى بأن يكون منزله وأملاكه كلها للمجانين. هل سمعت طوال عمرك بمثل هذا؟ وهل يمكنك أن تتخيل ماذا كانت النتيجة في أيرلندا؟ لقد حلت عندنا حشود المتسولين. مردة، وهوينوهُمز … وجزر طائرة. وأسوأ الجميع … أولئك الليليبتانيون.
الطبيب (مهتمًّا) : مَن؟
باتريك : الليليبتانيون يا سيدي! ثمة ليليبتانيون يسرحون ويمرحون في كل أرجاء المنزل. صار المكان حقلًا للألغام. إننا نخشى أن ندوس عليهم. والخدم لديهم أعصاب، كما تعلم.
الطبيب : اطمئن أيها الخادم. سوف أعمل لإعادة النظام في هذا البيت.
باتريك (ناظرًا بحزن إلى الطبيب) : كم عمرك يا سيدي؟
الطبيب : ثلاثون. لِمَ تسأل؟
باتريك : إنه عمر الطبيب السابق. عندما غادَرَنا، كان كمن في السبعين، رغم أنه لم يمكث معنا سوى أسبوع واحد فقط. (الناقوس يدق. سويفت والممرضة فانيسا يظهران في خلفية الغرفة) هل أُخبرهم بمجيئك؟
الطبيب : لا. أود أن أراقب، أولًا.
باتريك : لكنهم طلبوا مني أن أخبرهم بوصول الطبيب حال قدومه.

(الطبيب يتقدم من باتريك ويهمس في أذنه شيئًا ما.)

(يطقطق باتريك بكعبيه بطريقة عسكرية) عظيم يا سيدي! أنت الرجل الذي نحتاجه تمامًا! (يرفع صينية الشاي ويحملها باتجاه سويفت وفانيسا) الشاي جاهز يا سيدي!

(يختبئ الطبيب خلف خزانة الكتب. يجلس سويفت إلى المنضدة. باتريك يلف منديل المائدة حول عنق سويفت. وجه هذا الأخير يبقى ساكنًا خاليًا من أية تعابير.)

فانيسا (تنظر حولها) : ألم يصل الطبيب بعد؟
باتريك : بلى، لقد وصل يا آنسة فانيسا. (يلاحظ نظرتها المستهجنة) أردت أن أخبركم بقدومه، لكنه لم يدعني أفعل. قال إنه يرغب بإلقاء نظرة أولًا.
فانيسا : حقًّا! ذلك ممتع … وكيف تجده يا باتريك؟ ألا يبدو لك الطبيب الجديد أحمق بعض الشيء؟
باتريك (مرتبكًا) : ما كنت لأقول ذلك.
فانيسا : أحمق ومغرور. على الأقل هذا ما يقوله كل من رآه. والعميد له الرأي ذاته. أليس كذلك أيها الجليل؟

(يبقى سويفت جامدًا دون تعابير.)

أوافقكَ تمامًا … وبما أن ترشيحه لقيَ دعم مجلس الأوصياء والوزير الأول، فإننا لا نستطيع أن نتوقع منه الكثير. أليس كذلك أيها الجليل؟

(يبقى سويفت لا مباليًا.)

ملاحظة صائبة تمامًا يا سيدي. صائبة تمامًا (تبتسم).
وأنا أوافقك تمامًا!
باتريك (يرفع صوته متعمدًا) : لو سمحت لي أيها الجليل، فإن الطبيب الجديد خلَّف لديَّ انطباعًا حسنًا. نظرة ثاقبة، وجه حاد الملامح … وآمل أن يكون سمعه جيدًا أيضًا.
فانيسا (بصورة جافة) : سوف ننظر في رأيك يا باتريك. دعنا الآن.
باتريك : حسنًا يا آنسة! (يسير بضع خطوات، ثم يتمهَّل، وكأنما يخشى أن يطأ بقدميه شيئًا غير مرئي) هششش! إنهم يسرحون ويمرحون في كل مكان، هؤلاء الأقزام … انتظر، لا بأس! لن يطول بقاؤك هنا (يخرج).
فانيسا (لسويفت) : إن لم يكن لديك اعتراض يا سيدي فسوف أقدم لك تقريرًا عن بريد اليوم ونحن نشرب الشاي. (ترفع طبقًا مليئًا بالرسائل والصحف) الحدث الرئيسي هو رد الفعل على موتك الأخير. كل الصحف تقرُّ بأن مآتمك اتصفت بحماس منقطع النظير هذه السنة. فقد عمَّت المظاهرات أيرلندا طولًا وعرضًا. كما حدث شغبٌ في دبلن. السيد هورنري، عضو البرلمان، سأل في البرلمان: «حتَّام سيُسمَح للعميد سويفت بالسخرية من البريطانيين؟» حتى إنه عرض على التصويت مذكرةً يحظر عليك فيها الموت (تبتسم) لكن اقتراحه لم يتجاوز التلاوة الأولى. فقد صرَّح أحد أعضاء المعارضة أن إنجلترا بلد ديمقراطي ومواطنيها، الذين لا يعيشون في حرية كاملة على الرغم من ذلك، يجب أن يكون بمقدورهم، على الأقل، أن يموتوا متى يشاءون! (تبتسم) هذا تعليق من النوع الذي يحلو لك تمامًا يا سيدي، أليس كذلك؟ وها هنا رسالة من فرنسا. أحد المعجبين بك بعث إليك برأي فولتير في أعمالك: «سويفت أعظم هجَّاء في هذا القرن، ولكنَّ الهجاء عنده ليس شكلًا فنيًّا خالصًا وإنما هو الضرورة المأساوية التي يفرضها الإقصاء الأيديولوجي من الحياة المعاصرة.» ما رأيك يا سيدي؟ (يبقى سويفت لا مباليًا.)

(امرأة تقارب الأربعين من عمرها تظهر من النافذة وهي تحمل باقة من الزهور البرية. إنها أستير جونسون. تحاول أستير ألا تثير الانتباه وهي تضع الزهور في المزهرية.)

(تلتفت فانيسا إليها) آنسة جونسون، اذهبي إلى الحديقة لو سمحتِ.
أستير (بتهذيب مفرط) : عِمتِ ظهرًا، أيتها الممرضة. إنني مسرورة جدًّا لرؤيتك.
فانيسا : وأنا كذلك، آنسة جونسون. اذهبي إلى الحديقة. سيوافيك العميد فيما بعد.
أستير : لقد أحضرتُ بعض الزهور.
فانيسا : هذا لطف زائد منك. ولكن لدينا في البيت ما يكفي من الزهور.
أستير : هذه زهور برية. والعميد يحبها أكثر من كل الزهور.
فانيسا (وقد بدأ صبرها ينفد) : أنت تُعطلين العميد يا آنسة جونسون.
أستير : لقد جلبتُ له حلوى للشاي. إنها الحلوى المفضلة لديه؛ حلوى التفاح.
فانيسا : لا يمسُّ العميد حلوى التفاح أبدًا. صدقيني، فأنا أعرف عاداته كما تعرفينها. أرجوك، اذهبي إلى الحديقة!

(تحاول سحب الستائر.)

(أستير تحاول منعها.)

سوف تمزقين الستائر يا آنسة جونسون!
أستير : سأخيط لك ستائر جديدة، أيتها الممرضة. زرقاء فاتحة من قماش منقط. ستائر رائعة.
فانيسا : لست معجبة بذوق الطبقة الدنيا الذي لديك يا آنسة جونسون. اذهبي إلى الحديقة وإلا استدعيتُ الخدم وسوف يسحبونك بالقوة إلى هناك!

(يتجهَّم سويفت وينهض فجأةً عن المنضدة.)

(تهرول إليه فانيسا مذعورة) ما الأمر أيها العميد؟ اعذرني. لم تكن لدي أية نية في إيذاء هذه المرأة. وأنت تعلم مشاعرنا الطيبة واحدتنا تجاه الأخرى. أخبريه يا آنسة جونسون، أن الأمر كذلك! انظري كم هو شاحب، فالاضطراب لا يناسبه أبدًا!

(تنسحب أستير حزينة. سويفت يحاول الاقتراب من النافذة.)

(تسحب فانيسا الستائر بسرعة.)

لا يا سيدي. دعها تمضِ؛ إنها ليست ستيلا. إنها كما أوضحت لك مجرد واحدة من زوَّارك المجانين. ستيلا ماتت، ومنذ سنوات عديدة. أنت تعرف ذلك … وهذه المرأة لا تشبه ستيلا حتى. ثُم ولو كانت تشبهها، لا أستطيع أبدًا أن أفهم كيف تعجبك امرأة بهذا المظهر. إن لك ذوقًا رفيعًا … (تلاحظ نظرة العميد الغاضبة) آه، اعذرني يا سيدي! لستُ لبقةً! وبالكاد أدرك ما أقول …

(يسير سويفت صامتًا باتجاه أحد الأبواب.)

(فانيسا تلحق به) اعذرني يا سيدي … أنت لم تُنهِ شايَك … آه، ما الذي فعلته …

(تخرج فانيسا وسويفت. يظهر الطبيب من مخبئه وينظر حوله بدهشة. يتفحص المكتب واللوحات، ويسير عدة خطوات وفجأة يتعثر في مشيته فيلهث خائفًا. يحدق في الأرضية، ثم يجلس على ذراع الكرسي إلى طاولة الشاي. الضوء يخبو قليلًا … طرف الطاولة، حيث كان سويفت جالسًا، يتضخم بسرعة. شخص بالغ الصغر يظهر متسلقًا غطاء الطاولة كي يبلغ أعلاها.)

(٢) الليليبتانيون

(طرف الطاولة. كوب شاي هائل الحجم يتصاعد منه البخار. قرب الكوب ثمة صحن يحوي كعكة بالقشدة أُكِل نصفها وعليها شوكة. في صُحَيفَة الشاي قطعتا سكر. على الطاولة مصباح ضخم مشتعل. في هذا الوقت تسلق الليليبتاني الأول غطاء الطاولة وصار فوقها. ينظر حوله، ومن ثم يتجه إلى كوب الشاي ويقيس نفسه عليه. الكوب أطول منه بمرتين تقريبًا. بعد ذلك يتجه إلى قطعتي السكر ويحاول جاهدًا ولاهثًا رفع واحدة منهما، ولكنه يخفق. في هذه الأثناء، يتسلق الليليبتاني الثاني غطاء الطاولة ويقف مراقبًا الأول.)

الثاني : تريد شيئًا حلو المذاق؟
الأول (مُروَّعًا) : مَن؟ أهذا أنت يا ريلب؟
الثاني : ومَن تظن إذن؟
الأول : أنا أسأل؟ أهذا أنت يا ريلب؟
الثاني : سؤال غريب يا فليم. (يضحك متهكمًا) إنها نكتة. مجموع ما في هذا البيت من ليليبتانيين هو اثنان، وعندما يلتقيان، يسأل واحدهما الآخر: «أهذا أنت؟» لماذا تسلقت إلى هنا يا فليم؟
الأول : شعرت بالظمأ.
الثاني : حقًّا؟ وما الذي تدسه في حزامك؟
الأول : قارورة.
الثاني : وما الذي ستفعله بها؟
الأول : ولماذا تستجوبني بهذه الصورة؟
الثاني : لأنك كذَّاب ولا تريد قول الحقيقة! لكن الحقيقة يجب أن تقال، وسأقولها أنا.
أنت يا فليم، لا تنوي شرب الشاي أبدًا، وإنما أردتَ أن تأخذ بعضًا منه إلى بِتي.
الأول : حسنٌ، وماذا لو فعلت؟ إنها مريضة. وهي تحتاج الشاي بالليمون.
الثاني (بعنف) : انظر هنا يا فليم، لا أحب سماع أحد يشير إلى زوجتي ﺑ «هي». ثم زوجتي مريضة، أو زوجتي محمومة، أو تحتاج شايًا بالليمون! ذلك شغلي أنا.
الأول : لكنك لم تكن هناك.
الثاني : عذرٌ أقبح من ذنبٍ؛ فالرجل الغريب يجب ألَّا يدخل غرفة امرأة حين يكون زوجها غائبًا. هل هي التي نادت عليك؟
الأول : أجل.
الثاني : وكيف؟
الأول : كانت تئن.
الثاني : النداء والأنين أمران مختلفان يا فليم! فأنت تنادي أحدًا ما على وجه التحديد، ولكنك تئن على العموم، على العالم ككل. (ينتزع منه القارورة) وأنا أطلب منك ألا تدخل غرفتنا بعد الآن، حين لا يُنادَى عليك بالذات.

(يتحول إلى الكوب، ولكنه يتحقق من أنه لا يستطيع بلوغ حافته. ينظر حوله يائسًا.)

الأول : إنه مرتفع جدًّا!
الثاني : كم أمقت هذا الخزف الساكسوني. أطقم الشاي اليابانية أفضل بكثير. أكوابٌ صغيرة جميلة على مستوى الصدر، وليست كهذه القدور الضخمة القبيحة.
الأول : أردتُ أن أضع قطعة من السكر لأقف عليها.
الثاني : حسنٌ، ولماذا لم تفعل؟
الأول : إنها ثقيلة جدًّا. لا أستطيع رفعها وحدي.
الثاني (بابتسامة لاذعة) : من الأفضل أن أحاول إذن (يتجه إلى قطعة السكر وبجهد جهيد يرفعها عن الصحيفة، يسير بضع خطوات متعثرة عبر الطاولة، ويصرخ فجأة).
ساعدني يا فليم! ساعدني!

(يندفع الأول بسرعةٍ لمساعدة الثاني ومع بعضهما يضعان قطعة السكر عند أسفل الكوب. وبصمت يعودان إلى القطعة الثانية.)

الثاني : هذه أصغر قليلًا. أعتقد أن باستطاعتي تدبُّر أمرها.
الأول (بِاسْتكانة) : حسنٌ، لقد أردت أن … (بصعوبة يرفعان القطعة الثانية، يحملانها إلى كوب الشاي ويضعانها فوق القطعة الأولى.)
الثاني (معتليًا قطعتي السكر) : آخ آخ! لقد تعبت … دعنا نرتاح. ليأخذ الشيطان الإنجليز! لِمَ يستخدمون مثل هذه القطع الهائلة من السكر؟ إن واحدة منها لتكفي عشرات الناس العاديين. قطعة واحدة فقط. وكم من الأشياء اللذيذة يمكنك أن تصنع بها! توت بري مُحلَّى، مثلًا، تقدمه للفتيات.
الأول : ليسوا أهلًا لذلك.
الثاني : إنهم يفتِّتون السكر ببساطة، ليصنعوا هذه الكعكة البائسة ويغمروها بالقشدة، ويلتهموها. أما حين يتعلق الأمر بصنع حلوى رخيصة، عادية، لذيذة …
الأول : ليسوا أهلًا لها.
الثاني : صحيح أنك لا تستطيع إنكار التطور الكبير في البلد …
الأول : بالطبع، لا تستطيع.
الثاني : شوارع كلها ملساء مستوية. بيوت جميلة. عربات …
الأول : بالطبع.
الثاني : وهم مندفعون قُدمًا في رحاب العلم. ولكن ثمة كثير من الأشياء ما زالت بعيدة عن متناولهم.
الأول : بالطبع هم كذلك.
الثاني : التوت البري المُحلَّى، مثلًا.
الأول : ليسوا أهلًا له …
الثاني : أو خذ مثالًا آخر، تذكَّر معي؟ ماذا كنا نسميها هناك؟ ماذا كنا نسميها … أنت تعرف. أف، لقد نسيت. (يفكر) ولكن على العموم، أنا أحبها جدًّا.
الأول (متحسِّرًا) : إنني أحب هذا المكان!
الثاني : لا تكذب!
الأول (بحزم) : أحبُّ هذا المكان!
الثاني : ها أنت تكذب ثانيةً! (غاضبًا) ما الذي تحبه هنا؟! النوم على طرف الأريكة؟ أم سرقة الشاي من كوب سيدك؟
الأول : كُفَّ عن هذا!
الثاني : أم التطواف بين المنازل الهائلة والفزع يملأ قلبك من أن تُداس بحافر، أو قدم، أو حذاء؟
الأول : كُفَّ، أرجوك!
الثاني : هل تعلم كيف يدفنوننا هنا؟
الأول : كف عن هذا!
الثاني : في علبة ثقاب! الثلاثة معًا في علبة ثقاب واحدة!
الأول (صارخًا) : كف عن هذا قلت لك!

(يهجم على الثاني.)

(شجار قصير.)

الثاني : دعني. دعني أقول لك (يتخلَّص منه) ولا تتجرأ على المجيء إلى غرفتنا ما لم تُدعَ بالذات! (يتسلق السكر محاولًا الوصول إلى حافة الكوب ولكنه يخفق) ألا يوجد أي شيء آخر للوقوف عليه؟
الأول : قطعة كعك وحسب.
الثاني : هراء! إنها دبقة جدًّا. (يهبط قفزًا إلى الطاولة) هيا بنا. سنحاول أن نغلي بعض الماء في الطابق السفلي. (ينظر غاضبًا إلى كوب الشاي) قِدرٌ أجوف، أولاد زِنًى فاسدون (يهز قبضته للكوب).
الأول : انتظر! جاءتني فكرة! لقد فكرت كيف يمكننا أن نغرف بعض الشاي.
الثاني : حسنٌ؟
الأول : يجب أن يعتلي أحدنا كتفي الآخر.
الثاني : ألديك الكثير من هذه الأفكار النَّيِّرة؟
الأول : بالطبع، الأمر بغاية البساطة؛ يتسلق أحدنا إلى هنا وستكون أنت! ويتسلق الآخر على كتفيه.
الثاني : هراء! ثم إنني لا أرغب في أن يعتلي أحد ظهري.
الأول : أما أنا فلا أمانع في أن أقف تحت.
الثاني : تريد أن تقتلني بسخائك، أليس كذلك؟
الأول : لا، لا أريد ذلك. ولكنها أفضل طريقة. أنا أطول منك، ولذلك فإن من الأفضل أن تكون …
الثاني (مقاطعًا) : ماذا؟
الأول : قلت أنا أطول منك، ولذا …
الثاني : مَن أطول؟ أنت؟
الأول : دعك من هذا يا ريلب. ألَم نتجادل في ذلك بما يكفي؟
الثاني : لم أفهمك.
الأول : قلت: ألَم نتجادل كفايةً … لقد اعتُبِر الأمر دومًا بمثابة البديهية. هل تذكر، في الجيش كنتُ القدوة اليمنى للاصطفاف، أما أنت فكنتَ تقف بعيدًا في آخر الصف. وفي أية حفلة راقصة كنتُ دومًا من بين أول الراقصين الذين يتم اختيارهم.
الثاني : هذا لا يعني شيئًا، فذلك كان منذ زمن بعيد.
الأول : ماذا؟ لكن البشر لا يزدادون طولًا بعد سن العشرين.
الثاني : أنا ازددتُ!
الأول : حسنٌ إذن. لِمَ نتجادل؟ دعنا نتقايس.
الثاني : لا نستطيع أن نفعل ذلك وحدنا، لا بد من وجود أحد ما كي يحكم بيننا. فلنمضِ إلى بتي.
الأول : ولِمَ نُقحم بتي في ذلك؟ سنقف ظهرًا لظهر وينتهي الأمر.

(يقترب الثاني من الأول كارهًا. يقفان ظهرًا لظهر ويبدو الأول أطول.)

حسنٌ أما قلت لك؟
الثاني : لا يمكنني أن أستوعب هذا … ما الحذاء الذي تنتعله في قدميك؟
الأول : مِن ذات النوع الذي تنتعله.
الثاني : وماذا عن شَعرك؟ إنه منفوش أما شعري فسائب مسترسل.
الأول : أوه، دعك من هذا يا ريلب! فعلنا ذلك عشرات المرات وأنت على الدوام تلتمس الأعذار.
الثاني : قل ما تشاء، سأقف من تحت.
الأول : لا يجوز ذلك يا ريلب.
الثاني : سأقف من تحت لأنني الأقوى.
الأول : حسنٌ، قف حيث تحب. ولكن لا تنسَ، سأدوس عليك.
الثاني (ساخرًا) : وما الذي يمكن أن أتوقعه منك غير هذا؟
(يتسلق السكر) أعطني تلك الشوكة.
الأول (فزعًا) : لماذا؟
الثاني : لأستند عليها، لماذا؟!

(الأول يعطي الشوكة للثاني.)

(يتكئ الثاني على الشوكة) والآن، اصعد!
الأول (بخوف) : هل أنت واثقٌ من أنك لن تسقطني يا ريلب؟
الثاني : لستُ واثقًا. سنرى.
الأول : لا تغضب يا ريلب. إن وقوفك تحت لا يقلل من شأنك. بل على العكس! إن ذلك يُظهر كم أنت نبيلٌ؛ فأنت تعاني إكرامًا لزوجتك المريضة، إكرامًا لجميلتنا بتي. ذلك نبيل جدًّا! وبما أنك أخذت على عاتقك الوقوف تحت، فلا بدَّ أنك قوي، أقوى الجميع. في فرقة السيرك الأقوى يقف تحت دائمًا …
الثاني : آه، دعك من هذا.
الأول : لست أطول منك، أنا أنحف. هل تذكر، لقد اعتادوا في المدرسة أن يسمُّوني «النحيف».
الثاني : لقد اعتادوا في المدرسة أن يسمُّوك «الدودة».
الأول : لقد عَنوا بذلك أنني نحيف مثل الدودة.
الثاني : أوه، لا، لم يَعنوا ذلك. لقد عَنوا أن لا أحد يستطيع التمييز بين رأسك و… (يضحك.)
الأول : أخيرًا! أخيرًا! استعدت حس الدعابة لديك. إن حس الدعابة بالنسبة لنا هو الشيء الأساسي الذي جلبناه معنا من هناك يا ريلب، أليس كذلك؟ هؤلاء لا يستطيعون أن يمزحوا مثلنا، هل يستطيعون؟
الثاني : ليسوا أهلًا لذلك.
الأول (يضع يديه على كتفي الثاني) : حسنٌ، هل أصعد؟
الثاني (يحني ظهره) : حظًّا سعيدًا في رحلتك!

(يتسلق الأول كتفي الثاني ومن هناك يسحب جسمه إلى حافة الكوب.)

الأول : أف، إنه ساخن! كما لو كنت في حمَّام … (يميل إلى الأمام) اللعنة.
الثاني : ما الأمر؟
الأول : الكوب فارغ حتى منتصفه. لا أستطيع أن أصل إلى الشاي. سأحاول بهذه الطريقة … (يأخذ حزامه، يربطه إلى القارورة ويدليها إلى الكوب) الآن أستطيع غرف بعض الشاي. (يحدق في البعيد) يا لهذا المنظر هناك يا ريلب!
الثاني : منظر! أي منظر؟
الأول : رائع! يمكنك أن ترى نضد المائدة من هنا يا ريلب. إنه مليء بالأقداح المزخرفة، وها هي أشعة القمر تسقط عليها، فتتوهج بالألوان القزحية … جميلة جدًّا! كم أتألم لأنك لا تستطيع رؤيتها … إنها جميلة إلى حد الجنون يا ريلب. مثل عروض الألعاب النارية. أتذكُر تلك الألعاب النارية التي كنا نعرضها عشية السنة الجديدة؟ هل تود أن أساعدك لتصعد؟
الثاني : ألديك مزيد من هذه الأفكار النيرة؟
الأول : حين تتعافى بتي. سوف نتسلق نضد المائدة نحن الثلاثة فهي تحب الألعاب النارية.

(فترة صمت. يجلس الأول صامتًا لبرهةٍ من الوقت، وهو يحدق باتجاه نضد المائدة، بينما يسير الثاني ذهابًا وإيابًا عند قاعدة الكوب.)

الثاني : فليم، هل لي بسؤال؟
الأول : بالطبع.
الثاني : هل أنت مغرم بزوجتي؟
(فترة صمت) لِمَ لا تجيب؟
الأول : إنني أفكر ماذا أقول … إن قلت أحبها كثيرًا، فسوف أجرح مشاعرك … وإن قلت أحبها قليلًا فسيكون في ذلك إهانة لبتي. لذا لن أجيبك عن سؤالك يا ريلب.
الثاني : حسنٌ إذن. سوف نضع السؤال بصيغة أخرى. هل تحب أن تنام مع زوجتي؟
الأول : لا.
الثاني : لِمَ لا؟
الأول : أنا أحترمك كثيرًا يا ريلب.
الثاني : وهل هذا السبب الوحيد؟
الأول : كما أنني أحب بتي إلى حد كبير يمنعني من السماح بأن يُحكَى عليها هكذا. (بعد فترة صمت) أنا آسف.
الثاني : لا، أنت شخص قويم تمامًا … وليس هناك ما يضايقني. لقد أخبرتني الحقيقة والحقيقة لا تزعجني أبدًا. عندما كذبتَ عليَّ منذ قليل بخصوص المجيء إلى هنا لشرب الشاي، كان ذلك شنيعًا. ولكنني لا أغضب لدى سماع الحقيقة أبدًا …

(فترة صمت.)

الأول : سوف أرحل عمَّا قريب يا ريلب.
الثاني : وإلى أين تذهب؟
الأول : لم أحسم الأمر بعد. سوف أمضي إلى بلد آخر.
الثاني : لماذا؟
الأول : لا بد من وضع حد لهذا. نحن لا نفعل سوى جعل الحياة لا تطاق بالتساؤل كيف نحيا معًا. حان الوقت لفصم عُرى هذا المثلث الأحمق. سوف أترككم وأرحل.
الثاني : لكنك لن تقوى على الحياة وحدك.
الأول : سأجد لنفسي عملًا ما. فعلى الرغم من كل شيء، أنا عازف بيانو يا ريلب. عازف بيانو جيد.
الثاني : كفَّ عن هذا الهراء. هل رأيت الآلات الموسيقية التي لديهم هنا؟ كل مفتاح مثل زِند الخشب. كيف تتوقع أن تعزف على مثل هذا البيانو؟!
الأول : بأقدامي يا ريلب! لقد فكرت بكل ذلك. إذا ركضتُ من مفتاح إلى آخر بالسرعة الكافية، فستكون النتائج حسنة تمامًا. كما أن لدى العميد بيانو قيثاري. وقد تمرنت من جديد … لا تستطيع عزف شيء عظيم، بالطبع، ولكن الألحان الشعبية ليست سيئة كثيرًا.
الثاني : دعك من هذا! أنت موسيقي عظيم، ولا يمكنك أن تنزل إلى مستوى هراء السيرك بهذه الصورة.
الأول : هل من أحد هنا يعرف أنني موسيقي عظيم؟
الثاني : أنا أعرف. وبتي كذلك …
الأول : ولذلك سأرحل.
الثاني : كُفَّ عن التحدث بما لا تفهمه! إنه لمُخزٍ أن تحجل من مفتاح إلى آخر، مثل البرغوث. أنت كائن بشري، ويجب أن تصون كرامتك الإنسانية. أنت صديقي، وتحب زوجتي. وفوق كل شيء، نحن أتينا من هناك. ثلاثة أشخاص أسوياء في هذا البلد الجهنمي الهائل. يجب أن يُخلِصَ كلٌّ منَّا للآخر. لا ترحل عنا يا فليم!
الأول : طبعًا، طبعًا، لا يمكن أن أرحل يا ريلب. إنها مجرد … فكرة فانتازية.
الثاني : وتعالَ لترانا.
الأول : شكرًا.
الثاني : متى تشاء. حتى لو لم تُدعَ بالذات.
الأول : شكرًا يا ريلب. أنت لطيف جدًّا.

(فترة صمت.)

الثاني (يلاحظ فجأةً حذاء الأول) : ما الذي تنتعله؟
الأول (محدقًا في نضد المائدة) : يا لحركة الضوء الرائعة.
الثاني : لقد سألتك ما الذي تنتعله؟ (يشير إلى حذائه.)
الأول : ما الأمر؟
الثاني : ما الذي وضعته في الحذاء؟ في الداخل؟
الأول (مرتبكًا قليلًا) : لا أفهم ما الذي ترمي إليه.
الثاني : ابن زنًى فاسد! حذاء! حذاء هائل من الفلين! وكعبان زائفان؟ أنت وغد حقير!
الأول : بأي حقٍّ تهينني؟
الثاني : أنت أفعى غادرة! لقد وقفتُ بثقةٍ ظهرًا لظهر، بينما هو …
الأول : لقد أعطيتك الفرصة لتكون فوق، ولكنك رفضت.
الثاني : منذ متى وهذا الحذاء الفلين في حذائك؟
الأول : ليس شغلك.
الثاني (مهتاجًا) : إذن أنت تنتعله منذ مدة طويلة. أنت محتال! هكذا كنتَ تغش دومًا كلما تجادلنا. كنت غشاشًا في الجيش، عندما كنت القدوة اليمنى وأنا في المؤخرة … وفي حفلات الرقص عندما كنتَ أول مَن يُنتَقَى لأنك الأطول … وأمام بتي!
الأول : لا تثُر هكذا.
الثاني : لستَ صديقي يا فليم! لقد خنتني. وخدعتَ زوجتي. لقد رأيتُ كيف تألقت عينا تلك المرأة الطاهرة حين نظرتْ إليك … كانت تقول لي: «انظر يا ريلب. صديقنا فليم يزداد طولًا يومًا بعد يوم. لا بدَّ أن ذلك بسبب تمارينه القاسية جدًّا جدًّا.» لو أنها عرفت فقط …
الأول (يصرخ) : إنها تعرف.
الثاني : ماذا؟
الأول : إنها تعرف! لأنها رأتني دون حذاء! دون أي شيء عليَّ!
الثاني (بهدوء) : احفظ لسانك!
الأول : لماذا؟ إنها الحقيقة. والحقيقة تغضبك. إذن اسمع! أنا وبتي يحب واحدنا الآخر منذ زمن بعيد. وأنا أذهب إلى غرفتك لأنها تطلب مني ذلك، مني أنا بالذات!
الثاني : اخرس!
الأول : كنتُ على الدوام أطول منك يا ريلب! والمسالة ليست مسألة حذاء … بل مسألة أنني فوق وحسب! كما أنا الآن. لقد بلغتُ حافة الكوب وأتمتع برؤية قوس قزح على نضد المائدة، بينما أنت، كالعادة، في المؤخرة متخلفًا، أو متواريًا في الأسفل.
الثاني : سوف أقتلك يا فليم.
الأول : عندما تمسك بي أولًا! أيها القزم!
الثاني : ماذا؟
الأول : أجل، هكذا سميناك أنا وبتي.
الثاني : لماذا، سوف … (يمسك بالشوكة ويهجم على الكوب.)
الأول (واقفًا على حافة الكوب) : لا تستطيع أن تطالني! لا تستطيع أن تطالني! (يركض على الحافة) ليليباتي صغير بائس! (ينزلق فجأة) ريلب! النجدة، أنا أسقط … ريلب! … (يسقط في الكوب.)
الثاني : فليم! ما الذي حدث؟ (يركض يائسًا حول الكوب) فليم! أجبني! لا تتركني، يا فليم! (يضرب بقبضتيه على جدار الكوب) النجدة! ساعدونا! النجدة!
(أحدٌ ما يطفئ المصباح. الخشبة في ظلام تام. ومن ثَم يعود الضوء تدريجيًّا. فانيسا وباتريك يقفان في المدخل. إنهما يريان سويفت، مطرقًا بصمت وحزن ينظر إلى كوب الشاي … الطبيب جالس على بُعدٍ، ومن الواضح أنه عاجز عن فهْم ما يحدث.)
فانيسا : أيها العميد. أود أن أقدم لك الطبيب سيمسون.
الطبيب (مسرورًا) : لقد التقينا من قبل. قابلتُ العميد بينما كان خارجًا يتمشَّى، لكنه لم يشأ أن يكلمني. ليس مهمًّا … سوف نكون أصدقاء، أليس كذلك أيها العميد؟ كل الأعضاء في مجلس الأوصياء يأملون أننا سنكون على ما يرام وأننا سنحقق شفاء كاملًا بجهودنا المشتركة. هل تسمعني يا سيدي؟ ما الأمر؟ الدموع تترقرق من عينيك …
باتريك : لا بدَّ أن الشاي بارد، وذلك ما أغضب العميد.
الطبيب : حقًّا؟ هذه الترهة … (يتجه إلى سويفت وينظر في الكوب) شيء ما سقط في الكوب … لا بد أنها ذبابة يا سيدي! ليس هذا بالشيء الذي يدعو إلى الغضب. (يحاول أن يأخذ الكوب، ولكن سويفت يمنعه) دعني … أكره ألا يطيعني مرضاي. دعني! (يأخذ الكوب بقوة من بين يدي سويفت وينفض الذبابة بأصابعه بعيدًا) كل شيء حسن الآن. وسوف يكون عميدنا في مزاج طيب من جديد. أليس كذلك؟ (يعيد الكوب إلى سويفت.)

(سويفت يتأمل الطبيب للحظة، ومن ثَم يرفع الكوب عامدًا ويرشق الشاي في وجهه.)

(٣) «القصة المرضية»

(اليوم التالي. الغرفة ذاتها في منزل سويفت. الطبيب يكمل فحص سويفت. فانيسا تساعده. الخادم باتريك يقف على بُعدٍ. يُمكِنُ رؤية ضيوف العميد يتمشَّون في الخارج. مسرحي متجول يرتدي زي المهرج ويغني.)

الطبيب (بغضب) : اسحب الستائر يا باتريك، وقل لهذا المتشرد أن يكفَّ عن إنشاده التافه.
فانيسا : إنها لشكسبير أيها الطبيب. من الملك لير.
الطبيب : لا أعرف شيئًا عن ذلك. نحن في عهد الملك جورج. لذا دعينا نواصل ما بأيدينا. افعل ما قلته لك يا باتريك!
باتريك (بلهجة الرضا) : حسنٌ أيها الطبيب (يخرج).
الطبيب (واضعًا أذنه على صدر العميد) : أجل … خُذ نفَسًا … جيد! يمكنك أن ترتدي ملابسك (يمضي إلى المكتب حيث أوراقه، ويجلس).

(فانيسا تساعد العميد في ارتداء ملابسه.)

والآن سنسجل القصة المرضية. ساعديني، أيتها الممرضة. ما اسمه الكامل؟
فانيسا : جوناثان سويفت.
الطبيب (يكتب) : باﻟ «ف»؟
فانيسا : ماذا؟
الطبيب : قلت هل تُهجَّى «سويفت» با ﻟ «ف»؟
فانيسا (مرتبكة قليلًا) : بالطبع أيها الطبيب.
الطبيب : سنة الميلاد؟
فانيسا : ١٦٦٧.
الطبيب : المهنة؟
فانيسا : رجل دين، فيلسوف، كاتب.
الطبيب (يكتب) : «… كاتب» وهل يجد عميدنا متسعًا من الوقت للكتابة أيضًا؟ هذا مثير.
فانيسا : هل تمزح يا سيدي؟
الطبيب : أنا لا أمزح أبدًا أيتها الممرضة. وخاصةً أثناء العمل.
فانيسا : ألم تقرأ أيًّا مِن كتب سويفت؟!
الطبيب : أنا لا أقرأ الأدب القصصي وما شابه، ليس لديَّ الوقت حتى للقراءة في ميدانِ تخصصي.

(يبقى سويفت لا مباليًا.)

فانيسا : ألم تسمع أبدًا بكُراساته؟

(يهز الطبيب كتفيه بلا مبالاة.)

أو بكتابه المشهور رحلات جوليفر؟
الطبيب : جوليفر؟ لحظة … أظن أنني سمعت به، عن رجل بالغ السمنة، يأكل بنهم …
فانيسا (بجفاف) : ذلك غارغنتيا يا سيدي، لرابليه. جوليفر مختلف تمامًا.
الطبيب (لا مباليًا) : إذن فأنا لا أذكر …
فانيسا : اعذرني أيها الطبيب، لكنني لا أعتقد أن بإمكانك مساعدة العميد. علاج فنان دون معرفةِ أعماله! … سوف ألجأ إلى مجلس الأوصياء كي يرسلوا طبيبًا آخر.
الطبيب : أنت حرة في فعل ذلك إن أردتِ يا فانيسا. ولكن أخشى أن المجلس سوف يجد من الأسهل استبدال الممرضة. (فجأةً) لحظة! تذكرت الآن … جوليفر – إنه كتاب للأطفال …
فانيسا : لقد كُتبَ للكبار.
الطبيب : غريب … سمعتُ مربيةً تقرؤه لبعض الأطفال الصغار … عن ذلك الطبيب، الذي يجد نفسه في أرض الليليبتانيين، ومن ثَم في أرض المردة، وبعد ذلك في بعض الأماكن الأخرى …
فانيسا (بغيظ) : ليست مجرد بعض الأماكن، إنها لابوتا، بالنيباربي، لجناج، جلبدبريب. وأخيرًا، بلاد الهوينوهُمز.
الطبيب : يا إلهي، ما هذه الأسماء! ولماذا كل هذا؟
فانيسا (بأسلوب لاذع) : إنه كتاب هام جدًّا يا سيد. وأنا لن أجازف وأرويه بلغة مبتذلة، خاصة بحضور مؤلفه. (تأخذ الكتاب عن الرف) من الأفضل أن تقرأه (تضع الكتاب أمام الطبيب وتخرج برفقة سويفت).

(يفتح الطبيب الكتاب ويقلب صفحاته، ومن ثَم يطبقه بلا مبالاة، تظهر أستر جونسون عند النافذة.)

أستير : أيها الطبيب، أرجوك، لا تغضب من فانيسا. سلوكها ليس حسنًا، ولكنها تحب العميد.
الطبيب : وهل أنتِ مسرورة أم آسفة لذلك؟
أستر : هذه ليست مشكلة. إنها تساعد العميد في عمله. وهي تدير مراسلاته الضخمة.
الطبيب : من الغريب أنك أنتِ … نعم، أنتِ … تلتمسين مصلحتها!
أستير : أنا أعذرها. على الرغم من كل شيء … فهي مجنونة.
الطبيب : مَن؟ الممرضة فانيسا؟
أستير : أجل يا سيدي … (تبتسم) انظر، منذ سنوات عديدة عديدة، مضت عَرفَ العميد فتاةً تُدعَى فانيسا. وأهدى إليها قصيدةً. وهكذا قررت فانيسا الممرضة أن تكون فانيسا القصيدة. (بحقد مفاجئ) يا للبائسة! كم هي حمقاء لتصدق الشِّعر … عندما كان العميد بصحته كان بمقدوره تمجيد حتى المقشة من خلال شِعره! لا أيها الطبيب! لقد أحب العميد امرأةً أخرى. طوال عمره! وكان يكتب لها الرسائل، كل يوم! أكثر من ألف رسالة محفوظة باقية.
الطبيب : آمل أن اسمها لم يكن مطابقًا لاسمك.
أستير (تتظاهر بأنها لم تفهم سخريته) : لقد أطلق عليها اسم ستيلا. وذلك الاسم هو من ابتكاره أيضًا. آه، كان عميدنا مبدعًا عظيمًا.
الطبيب (بَرِمًا) : ولكن مَن تزوَّج عميدك؟
أستير : لم يتزوَّج أبدًا أيها الطبيب. كان ثمة امرأتان في حياته ولم يسمح لنفسه بجرح مشاعر أي منهما.
الطبيب : وهل تُوفِّيتا كلتاهما؟
أستير : أجل.
الطبيب : في الوقت ذاته؟
أستير : لِمَ تسأل هكذا؟
الطبيب : أقصد أنه كان بإمكانه الزواج بتلك التي بقيت حية.
أستير (تنظر إلى الطبيب بانتباه) : اعذرني يا سيدي، ولكن هل أنت من نوتنغهامشير؟
الطبيب : أجل، لماذا؟
أستير : هذا ما خمنته … اقرأ الكتاب يا سيدي … ربما ستفهم عندها أن لهذا المنزل حكاية خاصة مع الموت. هنا يموت الجميع ومع ذلك لا أحد يموت …

(يظهر باتريك ويمشي بخطًى واسعة وبنزق متجهًا إلى النافذة كي يسحب الستائر.)

باتريك : لا تعطلي الطبيب يا آنسة جونسون. اذهبي إلى الحديقة.

(تتراجع أستير عن النافذة وتنسحب.)

(يتجه باتريك إلى نافذة أخرى ولكنه يتعثر ببعض العوائق اللامرئية. للطبيب): هؤلاء الليليبتانيون من جديد! هشش!
الطبيب (يقترب من باتريك فجأة ويصرخ) : كُف عن لعب دور الأحمق! أي ليليبتانيين؟! من أين؟ أم أنك حلمت بهم في الكابوس؟
باتريك : وهل حلمت أنت بهم يا سيدي؟
الطبيب : هذا ليس موضوعنا.
باتريك : اثنان منهم؟ قرب كوبٍ من الشاي، هه؟ أحدهم عازف بيانو، الآخر متزوج … الأول ذو حذاء الفلين في حذائه كان أطول … أليس كذلك؟
الطبيب (بعد تفكير قصير) : لا؛ الذي لا ينتعل حذاء فلين كان أطول.
باتريك (متهللًا) : انظر أي كابوس رأيناه كلانا. في هذا المنزل الجميع يرون الأحلام ذاتها … وكلها صادرة عن العميد سويفت! إنه تأثيره الرهيب.
الطبيب : ولكنه لا ينبس ببنت شفة.
باتريك : احترس يا سيدي! هذا الرجل يلقي مواعظه صامتًا، حتى على المنبر. (ينظر حوله ويخفض صوته هامسًا) في بعض الأحيان يتمشى أمام رعاياه … ولا ينطق إطلاقًا. وهم أيضًا لا ينطقون … وهذا كل ما في الأمر! ولكن لسببٍ ما سرعان ما يُظهِر الأيرلنديون كراهيتهم للوزير الأول ويكتشفون أن فقرهم لا يطاق.

(قرعٌ شديد على الباب.)

تفضل … ها نحن أمام مثال على تأثيره المشئوم. هذا المارد المجنون سوف يطلب مرة أخرى مقابلة السيد لانسيلوت (يفتح الباب).

(فردتا الحذاء الهائلتان على الباب.)

يا سيد جلم، لقد طلبت منك ألا تأتي. ماذا؟ (يميل برأسه إلى الخلف) أنا لا أسمعك … أي فارس؟ وأين يمكن لي أن أجد لك فارسًا؟
الطبيب : مَن هذا الرجل على طوَّالتين؟
باتريك : على طوَّالتين؟ (بدهشة حقيقية) هل تعتقد أنهما ليستا قدمين حقيقيتين؟ أي وغد هو إذن! سوف نختبرهما في الحال … (يرفس إحدى الفردتين) هيه أنت يا سيد، هناك! انزل! (يرفس ثانيةً) من الأفضل أن أجرب بالماء المغلي!
الطبيب : توقف عن هذا يا باتريك!
باتريك : لا أيها الطبيب، أريد أن أعرف الحقيقة! حتى الخدم لديهم أعصاب …
الطبيب : سوف نعرف الحقيقة بطريقة أخرى. (يتجه إلى مجموعة الأسلحة المعلقة على الجدار ويتناول الخوذة والسيف) اصعد الدَّرج يا باتريك، وقل لهذا المارد إن السيد لانسيلوت قد وصل، هل تفهم؟ لقد وصل وهو جاهز للمبارزة.
باتريك (مبتهجًا) : بالطبع يا سيدي! آه، أُحِس أنك ستُغَربِل هذا المنزل! (يتناول بوقًا) هل تسمح لي بإطلاق إشارة التحدي؟
الطبيب : ليس ذلك ضروريًّا.
باتريك : بل ضروري! يجب أن يتم كل شيء حسب أصول المبارزة الحقيقية!

(ينفخ في البوق مبتهجًا، ويخطو إلى الباب بطريقة عسكرية. لحظة أو اثنتين ويُسمَع صوته من مكان ما عالٍ جدًّا.)

أيها المارد جلم! الفارس الشجاع، السيد لانسيلوت، يقبل تحديك!

(٤) «معركة مع المارد»

(يفتح الباب ويدخل إلى الغرفة رجل يميل إلى السِّمنة، قامته متوسطة وعيناه حزينتان. إنه جلم. باتريك يرافقه.)

باتريك : أيها السيدان، اسمحا لي أن أقدِّمكما. السيد جلم، المارد. (يشير إلى الطبيب) السيد لانسيلوت.
جلم : أيها الفارس المقدام، لقد أسعدني قبولك للتحدي! وأنا واثق من أن مبارزتنا سوف تجري حسب الأصول والقواعد المتَّبعة، كما أنها ستكون حاميةً عنيدةً.
الطبيب (يُلقي السيف جانبًا) : أنا لا أحب النكات السمجة يا سيد جلم. لقد أتيت إلى هنا لكي أقارع ماردًا. ولستَ سوى رجل متوسط القامة، لا يزيد طوله عن ستة أقدام …
جلم : خمسة أقدام وثماني بوصات. ومع ذلك يا سيدي، أنا مارد بالفعل، مارد حقيقي تمامًا. أعلَمُ أن من الصعب تصديق هذا، ولكن الذي جرى هو أنني تضاءلت.
الطبيب : وكيف جرى ذلك؟
جلم : إن كنتَ ترغب، فسوف أخبرك.
الطبيب : أجل أرغب، ولكن أوجز.
جلم (بحزن) : حسنٌ.
الطبيب : اجلس إلى الطاولة. (للخادم) وأنت يا باتريك، اسحب الستائر. لا نريد أن يتفرج علينا الآخرون.

(يسحب باتريك الستائر، بينما يُبدي المراقبون من النافذة استياء واضحًا.)

جلم (مداهنًا) : هل أُثقِلُ لو طلبت قدحًا من الخمر؟

(ينظر باتريك إلى الطبيب متسائلًا. يشير الطبيب برأسه موافقًا. يذهب باتريك لجلب الخمر وهو يدمدم مكلمًا نفسه.)

الطبيب (متمليًا جلم) : هل تشرب منذ زمن طويل؟
جلم : أجل. ولكنني لست مدمنًا، إنه دواء … المهم، دعني أبدأ من البداية … حسنٌ يا سيد لانسيلوت، أنا مارد بالفعل، على الرغم من أن ذلك قد يبدو اليوم غير قابل للتصديق. والدي، جلم الكبير، كان مسألةً أخرى، طوله مائتا قدم، أطول من كاتدرائية دبلن. ولقد بدا ذلك بمثابة التجديف فقرر الأسقف أنَّ على والدي أن ينحني وينثني بشكل مضاعف. وظل هكذا بقية عمره يا للبائس، مثل المصاب بالقِطان في فقراته. وطن والدي الأصلي هو بروبدنجناج، إنها بلاد المردة التي وصفها سويفت، لا بد أنك قد قرأت عنها؟
الطبيب : أظن ذلك، أكمل.
جلم : وصل والدي إلى شواطئ بريطانيا بعد غرق سفينته. وكانت حياته هنا قصيرة ومليئة بالعناء. في البداية مثَّلَ في السيرك دور الوحش الغريب. لكن البدعة خَبَت وتخلَّوا عن الوالد وتركوه لنزوات القدر … وازداد حنين والدي إلى وطنه والتمس السماح له بالعودة إلى بروبدنجناج، لكن أحدًا لم يتمكن من تأمين السفينة … وهكذا راح يقوم بأعمال غريبة؛ يحمل صخور الجبال، ينظف مداخن الأبنية العالية كما عمل في آخر سنواته منارة في الميناء، يصرف كل ليله واقفًا على الرصيف، حاملًا مصباحه المضاء.
واسمع كيف مات، أثناء عاصفة رعدية شديدة. إن البرق يا سيدي ينجذب إلى الأشياء الأطول … اللعنة! أين باتريك؟ كم من الوقت يحتاج إحضار قدح من الخمر؟

(يظهر باتريك ومعه صينية.)

باتريك : لا حاجة للصراخ يا سيد! لستَ في حانة! إن كنتَ قد جئت لخوض مبارزة، فاسلُك كما يسلك السادة.
جلم : آه، أجل، اعذرني! (يعبُّ الخمرَ جرعةً واحدةً ويتابع حكايته) حسنٌ، كنت أحكي لك عن والدي. قبل موته بفترة قصيرة تزوج من امرأة إنجليزية طويلة جدًّا. والمهم أن ثمرة هذا الزواج الغريب كانت أنا، جلم الصغير، نصف مارد ونصف إنجليزي، ومخلوق تَعِس جدًّا. وكان من سوء حظي أيضًا أن أبوَيَّ منحاني، فضلًا عن ضخامة الجسم، دماغًا هائلًا، جعلني أنمو بسرعة فظيعة. لقد بدأت بالنطق ولم يكن عمري سوى خمسة أيام، وبلغاتٍ عديدة. وتعلمت القراءة والكتابة والحساب وأنا في المهد. واستغرقت معي المدرسة الثانوية ثلاثة أيام، أمَّا الجامعة فشهر. وبعد سنة أصبحتُ مدرسًا فذًّا في الجامعة وموهوبًا شأن أي عضو في الجمعية الملكية … في البداية امتلأ مواطِنِيَّ إعجابًا بي، ولكن الأمر بدأ يثير سخطهم لاحقًا. فهذا الطفل الناضج عقليًّا قبل الأوان جرح وقار الحكمة الجليلة. ورحتُ أقتحم أغوار العلم أعمق فأعمق، مكتشفًا قوانين وحقائق، وسرعان ما تلمست ضرورة وجود قوانين وحقائق جديدة … وكما تعلم فإن «مَن تزدد معرفته يزدد حزنه» … فضلًا عن أنني بدأت أرتفع مثل ساق الفاصولياء، قدمًا بعد قدم فوق مواطِنِيَّ. وسرعان ما امتلكتُ إطلالةَ عين الطائر على بلدي. رأيت كم هي جميلة، وكم هي رائعة بهضابها وجبالها، ولكنني رأيت أيضًا أنها مهدمة، وغاباتها محترقة، وأنها قائمة دونما منطق أو تخطيط، ورأيت كيف يقتل الناس بعضهم بعضًا من أجل قطعة أرض. كل شيء في المارد مفرط يا سيدي؛ البصر والسمع، والضمير، وبالتالي فإن كل طلقة ترددَ صداها في أذني، وكل مِيتَةٍ مَزَّقت قلبي … ولذا قررت أن أجعل بلدي بلدًا سعيدًا وبدا لي أنني أعرف السبيل لإصلاح الجميع، وأنني أدرك معنى الوجود … فذهبت إلى الملك. لكنه رفض أن يستقبلني … سيدي، قُل لباتريك أن يحضر قدحًا آخر. لقد وصلنا إلى اللحظة الأشد حزنًا.
باتريك : هذا داهية يا سيدي!
الطبيب : أحضِر قدحًا يا باتريك.

(قرعٌ على النوافذ.)

باتريك (يزيح الستارة مستهجنًا) : اهدءوا! اضبطوا أنفسكم! سوف يبدآن خلال لحظة! أقول لكم كونوا مهذبين. إنهما يستعدان للمبارزة …

(يسحب الستارة ويمضي مدمدمًا.)

جلم : لم يستقبلني الملك! قال إنه لا يستطيع الإصغاء لنصيحة شخص يخاطبه من علٍ. فقلت إنني مستعد لأن ألقي بنفسي على قدميه. لكن الملك قال إن النصيحة من تحت لا تهمه أبدًا. وأضاف إلى ذلك أن ثمة في بريطانيا فرسانًا جسورين يتكفلون بتلقين هذا المغرور درسًا. وهكذا أعلن الحرب عليَّ! حوالي خمسة عشر فارسًا حملوا على المارد. كان بمقدوري أن أذيقهم طعم الموت بضربة واحدة، ولكنهم أهلي. وأدركت أن على الرجل القوي أن يكون شهمًا! كنت مستعدًّا للموت، لو كان ذلك يجعل بلدي في حال أفضل … ودخلت الصراع مع الفرسان!

(ينهض ويسير في الغرفة.)

(الطبيب يتابعه بانتباه.)

لم ألقَ من النجاح مقدار أونصة واحدة! فقد كان الفرسان مقاتلين عديمي النفع! أسقَطَتْهُم جيادهم، وسهامُهم أخطأت هدفَها، ولم تصل رماحهم حتى إلى سراويلي … وبعث إليَّ الملك برسالة سرية: «توقف عن جلب العار على بريطانيا! ارحل ولا تعُد!» وكتبتُ في ردِّي: «يا جلالة الملك، هذا بلدي! أريد أن أكون خادمًا له، لا تبعدني عنه! وسأفعل كل ما تأمر به!» وردَّ الملك: «كف إذن عن لعب دور الأحمق وكن مثل أي فرد آخر!»

(يدخل باتريك ويضع قدحًا آخر من الخمر أمام جلم.)

باتريك : هذا هو القدح الأخير يا سيد! فلا تطلب غيره أبدًا (ينكفئ جانبًا ويصغي إلى المحادثة).
جلم (بيأسٍ) : وهكذا بدأتُ أتضاءل! (يشرب الخمر) وكان هذا أسوأ أنواع العقاب. الكل يعلم صعوبة الصعود إلى القمة، ولكن النزول هو أسوأ بكثير. لا تسألني كيف تضاءلت. تمارين رياضية خاصة، حمية، التواءات وانحناءات شتَّى … ولقد هبطتُ، وكأنما كنتُ أتبع ممرًّا جبليًّا شديد الانحدار، خطوةً، خطوةً، وفي كل يوم كنتُ أصبح أقرب إلى مستوى مواطنيَّ. أما رأسي فكان أكبر مشكلة، ولكن الكحول أنقذَ الموقف. جرعة كبيرة من الكحول ثلاث مرات يوميًّا تطرد في الحال أية أفكار أو معرفة زائدة عن الحد. في السنة الأولى وجدتُ صعوبة في نسيان ما تعلمته كزميل في الجمعية الملكية. بعد ذلك هانَ الأمر. فخلال شهر نسيت ثقافتي الجامعية. وخلال أسبوع واحد تبخرت المدرسة الثانوية. أما الفلسفة فكلفتني ثلاثة أيام كي تتبدد، والتاريخ يومًا واحدًا. وبعد ذلك … جاء دور تلك التي … ماذا يسمونها الآن … آه يا عزيزي … مهما يكن اسمها فقد نسيتها دون أية مشكلة على الإطلاق، خلال ساعتين تقريبًا … وبعبارة أخرى، فقد حوَّلت نفسي تدريجيًّا إلى سيد عادي ذي قدرات عادية. ومكثتُ هنا في دبلن، وبدأتُ أعمل في إحدى المؤسسات، وأكسب عيشًا معقولًا، ثم تزوجت، وبنيت لنفسي بيتًا صغيرًا … بيتًا صغيرًا رائعًا بحديقة يا سيدي. وعلى حين غرَّة شرع ذاك العميد سويفت يدق النواقيس ويجمع المجانين من طول البلاد وعرضها. أنا وزوجتي ضحكنا في البداية، ومن ثَم لعبت في رأسي فكرة استرداد براعتي الفائقة القديمة. فكرتُ، ما قولك يا جلم؟ ألا تود أن تعود بين الغيوم؟ ليست هذه بالمجازفة الكبيرة. سوف أضحك، وأعب الهواء النقي المنعش … فَليُحضِر أحد ما شرابًا.
باتريك (بعنف) : ألَم أقُل؟ كل غايته هي أن يتسول شرابًا بالمجان.
الطبيب : أحضر بعضًا من الخمر!
باتريك : ولكن يا سيدي …
الطبيب (متجهمًا) : ولي أيضًا.

(يخرج باتريك مدمدمًا.)

جلم : لقد شيدتُ هذا الحذاء بنفسي، فقد كان لديَّ بعض المخيلة الباقية. وعندما اعتليته ووجدت نفسي أقرب إلى الغيوم، هل تعلم يا سيد لانسيلوت، شيء ما نَشِطَ هنا في الحال (يشير إلى جبهته) لم يَضِع كل شيء. لقد بدأت أتذكر أشياء … جزءًا بعد جزء … جزءًا بعد جزء … الهواء هناك في الأعالي نقي جدًّا … وبدأتِ الأفكار تعود إلى خاطري بسرعة ومرة أخرى يا سيدي، أردتُ أن أفعل شيئًا ما من أجل بلادي. إن كنت لا أستطيع أن أكون ماردًا مرة أخرى في حياتي، فلماذا لا أكون ماردًا في مماتي يا سيدي؟ وهذا ما دفعني لأن أبعث بالتحدي إلى لانسيلوت … وأنا ممتنٌّ لك جدًّا على استجابتك. لقد سمعتُ أنك فارس مقدام وجسور يا سيدي، ولن ترفض لقائي في قتال فردي؟ ولسوف يجلب انتصارك المجد لبلادك!

(الطبيب يتأمل جلم بإمعان. جلم يستجيب بنظرة حزينة هادئة. يخفُّ تحديق الطبيب.)

الطبيب : هذا مستحيل، للأسف.
جلم : لماذا؟
الطبيب : لا أشعر بأية عداوة تجاهك. وفوق ذلك، أنا ضد المبارزة.
جلم : هذه ليست مبارزة، إنها نزال فرسان. والرابحان هما الشجاعة والرشاقة. وأنت ترى كم يتوق الشعب لمشاهدة قتال فردي؛ فهم متشوقون لمشاهدة الرجال الشجعان. نريد أبطالًا. هيا الآن، كُن جَسورًا يا سيد لانسيلوت.
الطبيب : أنا طبيب، الطبيب سيمسون.
جلم (ساخطًا) : أنا لا أحفل بالنكات السمجة! يمكنك أن تعتبر أنني مجنون وأنك طبيب، لكنني سأعتلي طوَّالَتَيَّ وترتدي أنت خوذتك ويلتقي المارد مع لانسيلوت.
الطبيب : رافق السيد إلى الخارج يا باتريك.
جلم (مهتاجًا) : آه، لا! إن لم تعد يدك قادرة على حمل السيف، فإن يدي لن ترتجف … (يندفع باتجاه عدة القتال، وقبل أن يتمكن الطبيب من منعه ينتزع سيفًا) لن أدع روحك تتحمل الإثم. ولن يكون لك سوى الثناء (يفتح الباب ويصرخ) يعيش لانسيلوت المقدام (يغمد السيف في صدره هو).
الطبيب : ما الذي فعلناه يا باتريك؟!
باتريك : اهدأ أيها الطبيب، اهدأ … إنه حادث عرضي وقع من غير قصد.

(٥) «كله تمثيل بتمثيل»

(الطبيب وقاضي القضاة، وهو سيد بدينٌ يرتدي ثياب القاضي وشَعره المستعار، يهرولان على طول الرواق في منزل سويفت الفسيح … يتبعهما شُرطيان ضخمان (جنجر ودارك) وهما يسحبان باتريك الخادم من قفا عنقه. يفتح القاضي باب المكتب. سويفت جالس إلى مكتبه وبقربه فانيسا.)

الطبيب : عذرًا لهذا التطفل أيها الجليل، ولكن لدينا رسالة مستعجلة لك.
فانيسا : ولِمَ هذا القاضي والشرطيان؟ هذا بيت خاص.
القاضي (بجفاف) : معذرةً، أيتها الممرضة. ولكن عندما يقتحم المجرمون منزلًا خاصًّا فإن القانون لا بدَّ أن يلحقهم عاجلًا أم آجلًا!

(يفتح القاضي النافذة ويرى الجميع ثُلةً من رجال الشرطة يسوقون ضيوف العميد إلى عربة مغطاةٍ بالخيش تجرها الأحصنة.)

فانيسا : هذه قسوة! أيها الطبيب، كيف يمكنك أن تترك مرضاك في …
الطبيب (مقاطعًا) : هؤلاء ليسوا بمجانين، وإنما هم ممثلون يا مدام! مسرحيون جوَّالون من النوع الرديء. وسوف يُعاقَبون على تمثيلهم وانتحالهم هذا.
القاضي : إنك ترى أيها العميد العزيز كيف أساء هؤلاء الأوغاد استعمال وصيتك الإنسانية. لقد قصدتَ التخفيف عن البؤساء فجاءت إليك عصبة من المحتالين. تعالَ الآن يا باتريك! أخبر سيدك كيف خدعته.
باتريك (يسقط على ركبتيه) : اصفح عني يا سيدي! لم أفكر أبدًا أن هذا سيحصل … لم أقصد سوى الخير! اللوم يقع على وصيتك أنت. فعندما كتبتها قلت لنفسي، ما الذي سيحدث في هذا المنزل، لو صار ملاذًا للمجاذيب؟ ونحن في النهاية مجرد خدم، ولسنا ممرضات … ولدينا أعصاب! وفي تلك اللحظة بالذات قَدِمَت هذه الثُّلة من الممثلين الجوالين إلى دبلن. وهكذا مضيتُ لمقابلتهم وقلتُ: «أيها السادة، لديَّ لكم عمل طيب تمامًا! يمكنكم الإقامة في مقر العميد، وسوف نقدِّم لكم المأكل والمشرب، ومقابل ذلك عليكم أن تتظاهروا بالجنون التام …» آه، اصفح عني يا سيدي! كل ما قصدته هو أن يمثلوا بعض الشخصيات الهزلية التي أبدَعتَها.
القاضي (على نحو ميلودرامي) : يا لك من محتال ماكر!
باتريك : قدَّرتُ أن العميد لن يغضب. فلطالما أحبَّ هذا الضرب من المزاح. وفي البداية سار كل شيء على أكمل وجه. كان هزلًا حقيقيًّا … واحدٌ تظاهر بأنه ليليبتاني، وآخر مارد … وكل ذلك بروح طيبة! لكن الأوغاد تمادوا كثيرًا بعد ذلك. وبدءوا يتخلصون من بعضهم بعضًا وحصلت إراقة دماء …
القاضي : لقد أثاروا المدينة كلها! هنالك شغب في الشوارع. إنها جائحة جنون شاملة!
باتريك : إنهم ممثلون يا سيدي، ما الذي تتوقعه غير ذلك؟ والتمثيل فيه ارتجال. ثمة شيءٌ ما من هاملت في داخل كل ممثل.
فانيسا : إلى أين يأخذون هؤلاء الناس؟
القاضي : إلى السجن يا آنسة فانيسا. المكان المناسب لهذا النوع من الفن.
باتريك : ولكنني أدليتُ باعترافٍ صريح لا لبسَ فيه …
فانيسا : لا تقلق يا باتريك! مدبرة المنزل هي المسئولة عن كل ما يحصل فيه. (للقاضي) يمكنك أن تعتقلني يا سيدي!
القاضي : أنتِ مصروفة من الخدمة يا آنسة فانيسا! لقد أقالَكِ مجلس الأوصياء من جميع مهامكِ المتعلقة بالعناية بالعميد سويفت! سلِّمي، من فضلك، مفاتيح البيت للممرضة الجديدة …

(يُفتح الباب، وتظهر أستير جونسون مرتديةً لباس مدبرة البيت الأسود.)

أيها الطبيب، دعني أعرِّفكما، الآنسة أستير جونسون ستكون الآن مساعِدتك.
أستير : لقد سبق أن تعارفنا أنا والطبيب. ولا شك أنه اعتبرني واحدةً من المجاذيب.
الطبيب : ممثلة مسرحية بالأحرى.
فانيسا : أما أنا فلم تكن لديَّ أبدًا أية أوهام بشأنكِ يا آنسة جونسون. إن موهبتك أضعف بكثير من أن تكوني ممثلة مسرحية، وصدقك أقلُّ بكثير من أن تكوني مجذوبة. لكنني مسرورةٌ لأنَّ مجلس الأوصياء اختارك أنتِ. وآمل أن الوقت الذي صرفتِه تطوفين حول البيت وتتلصصين من النوافذ سوف ينفعك!
أستير : أنا آسفة جدًّا لأنني حللتُ محلَّكِ، أيتها الممرضة … ولكن المهم هو بقاء العميد في صحةٍ جيدة وفي ظل رعاية حسنة، أليس كذلك؟
فانيسا : بالطبع يا آنسة جونسون. ولي رجاء عندك. أرجو ألا تعلقي أية ستائر مزينة برسوم الأزهار. لن يوبخك العميد، لكنه سوف يتألم؛ فهو لا يستطيع احتمال الذوق المبهرج الرخيص.
أستير (كاظمةً غيظها) : حسنٌ، أيتها الممرضة. سأعنى برجائك. ولكنني سأنزع هذه الستائر في الحال؛ فهي كالحة جدًّا، رغم مطابقتها للذوق الحديث.
فانيسا (تُخرِج حزمة المفاتيح) : هذا مفتاح هذه الغرفة، ومفتاح المطبخ. وهنا مفاتيح خِزانات الكتب. وهذا للمكتب يا آنسة جونسون، وسوف أريكِ كيف تُرتَّب الأوراق؛ فالعميد يحب أن يجدها في ترتيب معين. وأنا على ثقة من أن شيئًا لن يضيع أو يُفقَد؟
أستير : سوف أنظر في ذلك يا آنسة.
فانيسا : لكنني سأريحك من هذه الأوراق (تأخذ لفيفة من الرسائل) إنها مراسلاتي الخاصة مع العميد. هل يمكنني أخْذُها؟
أستير : بالطبع يا آنسة؛ فأنا أشك في أن يجد فيها كُتَّاب سيرة العميد ونقَّاد أعماله أية أهمية.
فانيسا : ملاحظة صائبة تمامًا، أيتها الممرضة. أرجو ألا تنزعجي لمناداتك هكذا؟ أجل يا آنسة جونسون، أنتِ على حق تمامًا، وسوف أحرق هذه القصاصات في الحال؛ فهي لن تنفع أحدًا (تتجه إلى الموقد).

(ينهض سويفت فجأة ويندفع صوب الموقد.)

أستير (تتبعه مسرعة) : ما الأمر أيها العميد؟ لِمَ تبكي؟ هذه ليست فانيسا! فانيسا تلك ماتت … أنت تعرف ذلك … ما نفعُ هذه الرسائل بالنسبة إليك؟ حسنٌ، إن كانت هذه الرسائل تهمك إلى هذه الدرجة … (تمدُّ يدها إلى الموقد وتضعها فيه) سأجمعها كلها. سأعيد كل كلمة … ولكن اهدأ.
(ينحني سويفت فوقها، ويتناول يدها المحروقة المغطاة بالسخام ويلثمها) آه يا سيدي! هل تلك الفتاة عزيزة عليك إلى الحد الذي يجعلك مستعدًّا للصفح عني؟ أشكرك! هيا الآن، يجب أن ترتاح.

(يتَّجهان إلى الباب. وعندما يصلان إليه تلتفت الآنسة جونسون إلى القاضي) إن سيدي العميد يلتمس منك عدم نقل هؤلاء الناس اليوم. دعهم هنا يومًا آخر فقط … فالمأتم لم ينتهِ بعدُ.

(ينظر القاضي إلى الطبيب متسائلًا يومئ الطبيب برأسه علامة الموافقة.)

القاضي : حسنٌ! على مسئوليتك أيها الطبيب. ولكن لا مسرح، لا تمثيل. هل تسمع؟ فرقوا الحشد، وخلوا الممثلين في الحجر داخل العربة وتحت الحراسة! هل هذا واضح أيها الشرطي؟
الشرطي جنجر : تمامًا يا سيدي!

(ينظر الطبيب من النافذة، ثمة شرطيان يثبِّتان على العربة حاجزًا ضخمًا من القضبان المتصالبة.)

(٦) «صمبدي»

(مساءً. الزاوية البعيدة من الحديقة. عربة الممثلين بالخيش الذي يغطيها. مؤخرة العربة مغلقة بحاجز حديدي عليه قُفل ضخم. يمكن رؤية وجوه الممثلين بين الفينة والأخرى عبر القضبان. الشرطيان يحرسان العربة. على مقربة يقف سويفت صامتًا.)

(الممثلون يغنُّون بهدوء.)

الشرطي دارك : كفُّوا عن الغناء!
الشرطي جنجر : دعهم يغنُّون … صوتهم ليس عاليًا.
دارك : التمثيل ممنوع، فسوف يجذب الجمهور.
جنجر : معك حق! ولكن يا للخسارة. لقد رأيت بعضًا من تمثيلياتهم … وأحببت تلك التمثيلية الصغيرة عن الليليبتانيين.
دارك : عن ذاك الذي غرق في كوب الشاي! ها ها ها! لا بأس بها.
جنجر : وأحببت تمثيلية المارد أيضًا … لكن الذي أبهجني هو الرجل الذي يعيش إلى الأبد.
دارك : أي واحد كان هذا؟
جنجر : ذاك الذي نسي مَن يكون (يشير إلى الحاجز الحديدي) ها هو … إنه الذي يقول: «تلك البلوطة عمرها خمسمائة عام، ولكنني أذكرها وهي بعد جوزة …» أنت تعالَ إلى هنا.
دارك : الأفضل ألا نثيرهم.
جنجر : لن نثير أحدًا، سوف نتسلَّى وحسب.
صمبدي : هل ناديتماني أيها السيدان؟
جنجر : يا للطريقة التي تلبس بها يا رجل … منظرك مضحك. ما اسمك؟
صمبدي : كما ترى، فقد عشت في هذا العالم طويلًا جدًّا بحيث نسيت اسمي؛ ولهذا سَمِّني «صَمْبُدي».
جنجر : «صمبدي»! (يضحك) يا لهؤلاء الممثلين … وكم تبلغ من العمر؟
صمبدي : آلافًا عديدة من السنين.
جنجر : يقول آلافًا عديدة (يضحك).
صمبدي (بحزن) : لا داعي للضحك أيها السادة. كل واحد منا يعيش آلافًا عديدة من السنين، أو أكثر. لكن معظمنا يعاني من قصور الذاكرة. (يمعن النظر في وجه الشرطي جنجر) لقد رأيتك في مكانٍ ما من قبل يا سيدي، منذ حوالي خمسين عامًا …
جنجر : خمسون؟ ها أنت تخطئ. إن عمري لا يتجاوز الخامسة والأربعين.
صمبدي : في هذه الحياة. هذه الحياة! ولكننا تقابلنا في التي قبلها. لقد تذكَّرت الآن تمامًا. كنتَ في الخدمة في ساحة السوق … قرب سجن البلدية.
دارك : هذا مكان خدمته الآن.
صمبدي : ربما. ولكننا تقابلنا في عهد الملك جورج الأول. (يمعن النظر إلى جنجر) أجل، وأنت … لقد تذكَّرتك … الشارب والنمش … وأنت نفسك سوف تتذكر لو بذلت قليلًا من الجهد.
جنجر : كيف؟
صمبدي : أغمض عينيك.
جنجر : حسنٌ (يغمض عينيه).
صمبدي : تقول إنَّ عمرك الآن خمسة وأربعون عامًا؟
جنجر : أجل.
صمبدي : والآن فقط حاول بهدوء. ودون عجلة، أن تستحضر حياتك الماضية. أنت الآن في الثلاثين. هل تذكر؟
جنجر : أجل، أذكر ذلك.
صمبدي : وعندما كنتَ في العشرين؟ فتيًّا، متين البينة، ووجنتاك مورَّدتان … هل تذكر؟
جنجر : أجل أذكر … بالطبع، أذكر. ذلك عندما تزوجتُ بولي.
صمبدي : رائع. والآن أنت في العاشرة. هل تذكر؟
جنجر : حسنٌ، أشياء قليلة … وقتها كنَّا نعيش قرب غلاسكو، في الريف.
صمبدي : لا تستطرد، ولا تقطع تركيزك. نحن نقترب الآن من اللحظة الحاسمة. أنت الآن في الخامسة. هل تذكر؟
جنجر (بعد تفكير) : حسنٌ … أذكر بعض النُّتَف فقط.
صمبدي : أنت الآن في الرابعة … في الثالثة … في الثانية … في الأولى … أنت الآن في الرَّحِم!
جنجر : أين؟!
صمبدي : في رَحِم أمك! جنينًا مستلقيًا هناك، ودم أمك يجري في داخلك. تذكَّر! هيا! حاول أن تتذكر. ها أنت الآن تعبر من هذه الحياة إلى الحياة السابقة … هيا اقفز! ها أنت، ببذتك النظامية وخوذتك، واقف في ساحة السوق في دبلن، قرب سجن البلدية. تمر بك العربات، والحمام يطير فوق رأسك، وأنت واقف هناك تحدِّق.
جنجر (يفتح عينيه مرعوبًا) : آه، لقد تذكرت!
دارك : لقد تماديتما!
جنجر : قسمًا لقد تذكرت! أنا واقف هناك، في ساحة السوق …
دارك : أنت تقف هناك على الدوام الآن!
جنجر : أجل، لكن هذا كان منذ زمن بعيد يا يسوع! (يرسم إشارة الصليب مذعورًا) يا عذراء … لقد تذكرت! لطالما أحسستُ بأنني قد عشت من قبل …
صمبدي : بالطبع، لقد عشت! الجميع عاشوا من قبل، ولا تحتاج إلا لأن تتعلم كيف تستحضر ذلك. هذه هي الرسالة التي يكرز بها العميد سويفت!
دارك (ملاحظًا قدوم الطبيب) : هشش! اهدءوا. (يمسك بذراع جنجر) تعالَ يا جاك، وإلا لقينا المتاعب.
جنجر (غير قادر على ضبط نفسه) : كنتُ واقفًا في ساحة السوق! أجل! في ساحة السوق!
دارك : حسنٌ، وما العيب في ذلك؟ (يقوده بعيدًا.)

(يتَّجه الطبيب إلى سويفت ويحاول مترددًا أن يجرَّه إلى الحديث.)

الطبيب : سيدي، إنني أود بصورة أو بأخرى أن نبدأ في فهمِ واحدنا الآخر … لا أعرف كيف يمكن لذلك أن يتحقَّق، ولكن صدقني، أنا لا يهمني سوى صحتك … (يبتسم) أنا لا أصدِّق أنك مجنون!

(يمعن سويفت النظر في عيني الطبيب.)

سويفت : هُس …
الطبيب : ماذا؟ قل لي أيها العميد … أخبرني …

(يظهر الشرطي جنجر ثانيةً عند الحاجز الحديدي، دون أن يلاحظ وجود سويفت أو الطبيب.)

جنجر (يقرع القضبان) : يا سيد صمبدي!
صمبدي (يبدو من بين القضبان) : ما الأمر أيها الشرطي؟
جنجر : أرجو ألا أكون قد أيقظتك. ولكنني أود الغوص أعمق قليلًا …
صمبدي : بأي معنًى؟
جنجر : متذكِّرًا حياتي السابقة. النقطة التي وصلنا إليها هي حيث كنتُ أقف في ساحة السوق، قرب السجن.
صمبدي : تعني في عهد الملك جورج؟
جنجر : أجل.
صمبدي : حاول أن تتذكر المزيد.
جنجر (يغمض عينيه) : بعد ذلك لا بد أنني كنت في الثلاثين … ثم في العشرين … أتزوج من بولي.
صمبدي : هل تزوجت بولي في حياتك السابقة أيضًا؟
جنجر (معتصرًا ذاكرته) : أجل، ولكن بولي تلك كانت أصغر قليلًا، فقط. وأقل بدانةً. وهي أشبه بكاتي، الفتاة التي كان لي شأن معها عندما ذهبتُ لزيارة بعض الأقرباء في مانشستر.
صمبدي : لا تستطرد، لا تقطع تركيزك، أنت الآن في العشرين ومتزوج من بولي، التي تشبه كاتي، ومن ثَم أنت في العاشرة، ثم في الخامسة … الرابعة … الثالثة … الثانية … الأولى … أنت في الرَّحِم … إلى الوراء … إلى الوراء بعيدًا! وها أنت في حياتك قبل السابقة …
جنجر : لا بد أن ذلك كان في عهد الملك إدوارد؟
صمبدي : أجل. هل تذكرتَ شيئًا؟
جنجر : إنني واقف قرب السجن، في ساحة السوق.
صمبدي : هل أنت واثق من أنك لا تخلط بين الأمور؟
جنجر : أجل، واثق تمامًا. إنني في الخدمة، أحرس السجن.
صمبدي (بحزن) : أجل، كما خمَّنتُ.
جنجر : ما الذي يعنيه كل هذا يا سيدي؟
صمبدي : لا جدوى مِن تذكر المزيد يا جاك. أخشى أن المشهد سيكون ذاته دومًا. تتبدَّل العهود وأنت واقف هناك في موقعك، في ساحة السوق.
جنجر (مغتاظًا قليلًا) : ولِمَ الأمر هكذا؟
صمبدي : من الواضح أنَّ هذا هو قدَرك يا جاك.
جنجر : لكنه قدَرٌ خائب كثيرًا يا سيدي.
صمبدي : وما الذي بيدك في ذلك؟
جنجر : قدَر خائب كثيرًا يا سيدي … أعرف أنني لا أستطيع أن أكون في الماضي سيدًا أو عميدًا مهمًّا، مثل عميدنا سويفت. لكن … لماذا أعَامَل هكذا؟ أُترَكُ واقفًا هناك ولا شيء يتغير أبدًا …
صمبدي : اعذرني يا جاك، ولكنها غلطتك.
جنجر : غلطتي؟
صمبدي : بالطبع. فما الذي فعلته كي تغير أي شيء في قَدَرك؟ هل قمتَ بأي عمل حازم في حياتك كلها؟ لقد حرَستَ السجن على الدوام، في عهد جورج، وفي عهد إدوارد، وفي عهد هنري.
جنجر : لكن السجن هو مكان المجرمين.
صمبدي : هذا يتوقف على الزاوية التي تنظر إليه منها يا جاك. لقد اعتُبِرَ روبن هود مجرمًا، لكنه في النهاية صار بطلًا. وجان دارك كانت مهرطقة، وبعد مائة سنة أصبحت قديسة. أنت وحدك يا جاك، وقفت تحرس السجن ببلاهة قرنًا بعد قرن، ولم تجشِّم نفسك عناء التفكير أو الفهم! وما الذي تفعله الآن؟
جنجر : ماذا تقصد؟
صمبدي : ما الذي تفعله هنا الآن؟ لماذا وضعوك هنا؟
جنجر : كي أحرس …
صمبدي : كما كنتَ منذ مئات السنين، إن أردت أن تستعيد في المستقبل ذكرى هذا اليوم، كيف سيكون حالك؟ لا شيء جديد. ستكون ثانيةً في حراسة أناس أبرياء وُضِعوا خلف القضبان.
جنجر : ولِمَ احتجزوكم؟
صمبدي : ولِمَ يحتجزون الناس في أيرلندا؟ لأي سبب. أنا هنا لأنني أعيش إلى الأبد. قل لي يا جاك، هل هذه جريمة؟

(الشرطي جنجر يقضي برهةً وهو يفكر عابسًا.)

الطبيب (لسويفت) : عذرًا يا سيدي، سوف أتدخَّل … فهذا كلام خطير. صدقني لستُ غرًّا في مجال الطب العقلي.

(«هُس!» يأتي الصوت من مكانٍ ما خلفه. ينظر الطبيب حوله خائفًا ويرى مجموعة من المواطنين وأصابعهم على شفاههم: «هُس» الشرطي جنجر يمضي إلى الحاجز الحديدي في مؤخرة العربة من جديد.)

جنجر : يا سيد صمبدي.
صمبدي : أنا هنا يا جاك.
جنجر : أخبرني يا سيد صمبدي، منذ متى بدأ هذا؟
صمبدي : منذ متى بدأ ماذا؟
جنجر : منذ متى وأنا أحرس السجن؟
صمبدي : هذا ما لا أعلمه يا جاك. تذكَّر أنت.
جنجر : ولكنك تقول إنك عشت آلافًا عديدة من السنين.
صمبدي : أجل. ولكن هذا لا يعني أننا كنا نتقابل في كل ذلك الوقت. ما هي الفترة التي تشغل بالك؟ العصور الوسطى؟ الغزو النورماندي؟
جنجر : السنة ٣٣.
صمبدي : ماذا؟
جنجر : السنة الثالثة والثلاثون بعد ميلاد المسيح. سنة الصلب! (يخفض صوته ويهمس) أنا رجل أخشى الله يا سيدي. قد أغفر لنفسي كل شيء ما عدا ذلك. حاول أن تتذكر. السنة ٣٣. أورشليم … السجن … الحراس يُحضِرون يسوع من السجن …
صمبدي : ليحفظك الرب يا جاك، أنا لا أتذكَّر ذلك.
جنجر : لكن الآخرون يتذكرون. سقفُ كاتدرائيتنا مزيَّن بالرسوم. وثمة لوحة … له وهو يُقاد مُكبلًا … محاطًا بالحراس وبالناس … وإلى اليمين هنالك حارس. شارب جنجر، نمشه، أذناه البارزتان (يصر بأسنانه).
صمبدي : تمالك نفسك يا جاك! لستَ أنت!
جنجر : ومَن هو إذن؟
صمبدي : أنا أطمئنك. إنه واحد آخر.
جنجر : لماذا إذن تذكَّرتُ كل ما جرى؟ استرجعتُ كل شيء، وكأنه حدث البارحة. تذكرتُ كيف اقتادوه إلى الخارج، وكيف صرخ الحشد. كيف جرَّده الجنود من الملابس، وألبسوه رداءً قرمزيًّا. وعندما ضفروا إكليل الشوك، وضعوه حول رأسه، ووضعوا قصبة في يمينه، وكانوا يجثون قُدَّامه ويستهزئون به، قائلين، السلام … وأنا كنتُ واقفًا هناك إلى اليمين. كنتُ مسلَّحًا، لكنني بقيت أتفرج، ولم أحرك ساكنًا لأنقذ الرجل البريء.
صمبدي : أنت مخطئ يا جاك.
جنجر : لا، لست مخطئًا يا سيدي! لقد تيقنتُ الآن أن ذلك كان أنا. وأن قدري قد بدأ منذ ذلك الحين! وكان من الممكن أن يتكرَّر حدوث ذلك مئات المرات يا سيدي، لو لم تعلِّمني كيف أتذكر. لكنني سأضع الآن حدًّا لكل ذلك (يفتش في حزامه، يخرج مفتاحًا ويشرع بفتح قفل الحاجز الحديدي).
الطبيب (خارجًا من مكمنه) : ما الذي تفعله أيها الرقيب؟
جنجر (يشهر مسدسه ويهدد الطبيب) : لا تقترب أدنى اقتراب! إنني، أنا الرقيب جاك، أعتبر هؤلاء الناس أبرياء وأمنحهم حريتهم.

(يأتي الشرطي دارك راكضًا.)

دارك : جاك، ما الذي تفعله. هل جننت؟
جنجر (يصوِّب المسدس باتجاهه) : تراجع! إنني، أنا الرقيب جاك، أُطلقُ سراح هؤلاء الناس …
دارك : وما الذي سأقوله للقاضي؟
الطبيب : أيها الشرطي! سوف تُعاقَب على هذا عقابًا شديدًا!
دارك : سوف يحيلونك إلى محكمة عسكرية يا جاك. فكِّر بالأمر!
جنجر : فكِّر أنت بنفسك! تذكَّر! اذهب إلى الكاتدرائية، وانظر إلى اللوحة، انظر إن لم تكن صورتك بين الجنود؟
دارك : أيُّ جنود؟ لقد فقد صوابه!
جنجر (للممثلين) : ها أنا أُطلِقُ سراحكم (يضع المفتاح في القفل ويديره).
دارك : توقف! (يُشهر مسدسه ويطلق النار على جنجر) سامحني يا جاك! ولكنه واجبي، وأنا أقوم بواجبي (يصرخ) النجدة! (يخرج راكضًا.)

(الشرطي جنجر يترنَّح ويسقط بين ذراعي الطبيب. صمبدي يخطو خارج العربة وينحني فوق الشرطي.)

جنجر : حسنٌ، قُضِي الأمر يا سيدي … انظر كم هو بسيط … سوف أعيش حياةً مختلفة من الآن فصاعدًا، أليس كذلك؟
صمبدي : بالطبع يا جاك. كل شيء سيختلف. سوف تبدأ صفحة جديدة تمامًا.
جنجر (وهو يموت) : لا يا سيدي … لا حاجة لأن تكون جديدة كليًّا … لتكن بولي فيها ثانيةً … وكاتي …
صمبدي : أجل؟ لتكونا هناك.
جنجر : لكن لتكن النهاية مختلفة في المرة التالية.
صمبدي : نهاية مختلفة بالطبع يا جاك. سوف يكون ضميرك مرتاحًا على الدوام. وسوف ترى السماء زرقاء كما هي الآن …

(الطبيب يضع جنجر على الأرض بحذر. يخرج الممثلون من العربة ويقفون حولهما صامتين على شكل حلقة. فجأة ينطلق التصفيق. يرفع الطبيب بصره خائفًا. المواطنون المجانين يصفقون.)

الطبيب (مخاطبًا سويفت، وصارخًا) : ولكن هذا دم! قل لهم! إنه دم (ينظر العميد إليه صامتًا. تزداد حدة التصفيق).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥