الفصل الثاني

(١) «مجلس الأوصياء»

(قاعة ضخمة يجتمع فيها مجلس الأوصياء. لفيف من السادة على رءوسهم شَعر مستعار يقفون إلى النوافذ المفتوحة ويمسحون السماء بمناظيرهم. بينهم الطبيب. يمكن سماع بعض التعليقات):

– «هو ذاك.»

– «أين؟ لا أرى شيئًا البتة.»

– «هناك فوق … شيء مدوَّر … مثل صُحَيْفة الفنجان.»

– «إنه مُذَنَّب أيها السادة! مُذنَّب صغير.»

– «أنا أقول إنه علامة من عند الرب!»

– «لعله سحابة!»

(يُفتح الباب ويدخل الحاجب ليبلغهم بقدوم «وزير أيرلندا الأول، السيد روبرت وولبول».)

(يدخل الوزير الأول وقد بدا عليه القلق ومعه قاضي القضاة.)

(يسارع الجميع إلى الجلوس حول الطاولة.)

القاضي : أيها السادة! سوف نعقد الآن اجتماعًا طارئًا لمجلس الأوصياء، الذي استدعيته بناءً على أوامر الوزير الأول.

(تتحوَّل كل العيون إلى الوزير الأول، الذي لا يزال وجهه كالحًا.)

لقد كلفني الوزير الأول بإعلامكم أنه شديد الاهتمام بصحة محبوبنا العزيز العميد سويفت وبالحالة العامة للبلد. وهل ثمة حاجة للقول كم كان اضطرابنا شديدًا، نحن الجميع، بسبب الضعف العقلي لمعاصرنا العظيم؟ ولكن ما الذي يمكن فعله إن لم يكن الطب قد حقق الكمال بعدُ؟ وعلى أية حال، إنه ليسعدني أن أبلغكم أن الطبيب الجديد، الدكتور سيمسون، قد بثَّ فينا الأمل؛ فهذا الطبيب الشاب لم يقضِ في منزل العميد سوى أيامٍ قليلة، ولكنه قام خلالها بالكثير؛ فقد تم اعتقال الممثلين، والممرضة فانيسا صُرِفَت من الخدمة، وافتُضِحَ أمر الخادم، هذا المحتال الراسخ في الاحتيال …
أحد أعضاء المجلس : عظيم!
الطبيب (مضطربًا) : أنا آسف ولكنني لا أفهم …
القاضي (مقاطعًا) : لا حاجة للتواضع أيها الطبيب، النجاح هو النجاح. على الرغم من أنَّ بعض الحوادث التي جرت بعد ذلك كانت مزعجة بعض الشيء: فقد فرَّ الممثلون جميعًا، وقُتِل شرطي، والخادم المحتال طلب التوبة وعاد إلى موقعه السابق.
عضو مجلس أول : والبارحة غرقت سفينتان أخريان في ميناء دبلن.
عضو مجلس ثانٍ : بحمولتيهما؟
عضو مجلس أول : بالطبع. كانتا محمَّلتين بالثياب؛ ثياب إنجليزية رائعة.
الأسقف : ولا تنسوا القلاقل في كوفنتري.
القاضي : أجل، حقًّا … القلاقل في كوفنتري … والشغب في غلاسكو … وأخيرًا هذا … (يشير إلى النافذة) هذا الشيء الطائر الغامض، الذي ظهر في سموات أيرلندا، ناشرًا الذعر بين العامة.
العالم : إنه مذَنَّب أيها السادة، مذَنَّب نموذجي أبتر دون ذيل!
القاضي : أأنت واثق من ذلك؟
العالم : بالطبع. إن لدينا براهين لا يمكن دحضها.
الأسقف : بل هو علامة من عند الرب، بشير بيوم الدينونة.
العالم : إنه مذنَّب أبتر! صدقني يا سيدي الأسقف.
الأسقف : دعِ السموات للكنيسة يا ولدي!
العالم : لا يا سيدي، مع الاحترام! فالسموات جزء من النظام الكوني، وهذا أمر يخصُّ العالم!
الوزير الأول (بهدوء، ولكن بحيث يسمعه الجميع) : السماء فوق أيرلندا هي جزء من أيرلندا. وهذا أمرٌ يخص إنجلترا.
القاضي : لا ريب في ذلك يا سيدي، لا ريب؛ (للجميع) ولهذا بالضبط سألنا لندن عن طبيعة هذه الظاهرة الملحوظة.
أحد أعضاء المجلس : وماذا كان ردُّهم؟
العالم : مذنَّب أبتر، أنا متأكد من ذلك؟
القاضي : فقط لو …
الأسقف : يوم الدينونة؟
القاضي : أسوأ. لقد كتبوا: «قرِّروا بأنفسكم!»

(فترة صمت.)

ما هي آراؤكم حول الموضوع أيها السادة؟

(صمت.)

إذن، سيكون الرأي العام أن هذا الجسم الغريب غير موجود.
عضو مجلس أول : شبح؟ حلم؟ طيف؟
القاضي : هذا ما علينا أن نقرره. إنَّ لدينا حرية اختيار كاملة في هذا المجال.
العالم : أنا أقترح مصطلح «هلوسة». هلوسة نموذجية أيها السادة! وهي مدعمة بوقائع لا تقبل الجدل.
عضو مجلس أول : صحيح تمامًا. عندما تنتشر القلاقل على الأرض، تظهر لنا هذه الأشياء اﻟ …
الطبيب (ناظرًا حوله بدهشة) : عذرًا أيها السادة، لكنني لا أفهم بالضبط …
القاضي (بشيء من الغضب) : ما كل هذا؟ فأنت لستَ من أهالي نوتنغهامشاير؟
الطبيب : بلى، أنا منهم. وماذا في ذلك؟
القاضي : آه، لا شيء. ظننتُ أنك …

(يبتسم الجميع وينظرون بتعالٍ إلى الطبيب.)

هل قرأت الجزء الثالث من رحلات جوليفر؟
الطبيب : لقد بدأت به، ولكنه مملٌّ جدًّا.
القاضي : مملٌّ؟ حقًّا، هل تعلم … (يُخرِجُ الكتاب) فقط اقرأ هذه الصفحة، الصفحة ٢٧١. (يعطي الكتاب للطبيب) اقرأها بصوت مرتفع من فضلك!
الطبيب (يقرأ) : «… كانت الشمس حادة جدًّا، حتى إنني اضطررت لأن أشيح عنها بوجهي، وفجأة عمَّ الظلامُ كل شيء، كما خمنتُ، بطريقة تختلف تمامًا عما يحدث عند توضع الغيوم. تراجعتُ، ورأيتُ جسمًا معتمًا ضخمًا يحجب الشمس عني … وسوف يصعب على القارئ أن يتصور ذهولي وأنا أشاهد جزيرة في الهواء …»
الوزير الأول (بهدوء، ولكن بحيث يسمعه الجميع) : «جزيرة في الهواء» … جميل!
القاضي : دون ريب يا سيدي! إن أسلوبه لا يُضاهَى. تابِع القراءة أيها الطبيب.
الطبيب : «… والجزيرة الطائرة أو العائمة دائرية الشكل تمامًا، وقطرها ٧٨٣٧ ياردةً أو حوالي ٤ أميال ونصف …»
العالم (ناظرًا من النافذة بمنظاره) : كالعادة، إنه دقيق تمامًا. إن ﻠ «الهلوسة» هذه الأبعاد بالضبط.
الطبيب : لقد فهمت تمامًا أيها السادة!
العالم (ساخرًا) : أخيرًا … تهانينا.
القاضي (للعالم) : وفِّر تهانيك. يجب أولًا أن نرى ما الذي فهمه؛ فهو من نوتنغهامشاير، في النهاية.
الطبيب : هل تريد أن تعزوَ ذلك (يشير إلى النافذة) إلى سويفت؟
القاضي : ما الذي تعنيه ﺑ «تعزو» أيها الطبيب؟ انتقِ تعابيرك. لقد كتَبَ كل هذا منذ زمن بعيد. ولا بد أنك تدرك أن مثل هذا الوصف التفصيلي والفني البارع يمكنه أن يثير هلوسة حادة في الأمة برُمتها.
العالم : جائحة جنون! عندما يجنُّ واحد من عامَّة القوم، فإن ذلك لا يترك أثرًا. ولكن عندما ينفجر عقل عظيم مثل عقل سويفت، فإنَّ الأفكار والخيالات تتطاير في كل اتجاه.
الطبيب : لكن العميد سويفت ليس مجنونًا، هذا هو رأيي القاطع، كطبيب!
عضو مجلس أول : لا تكن متعجلًا يا صديقي العزيز، لا تكن متعجلًا.
الطبيب (مصرًّا) : العميد سويفت ذو عقل سليم تمامًا! ولقد أعلمتُ لندن بهذه الحقيقة.

(اضطراب عام.)

القاضي (بجفاف) : ومتى أعلمتهم؟ ومَن؟
الطبيب : منذ بضعة أيام بعثتُ برسالة …
القاضي (للوزير الأول) : لم نَعد قادرين على إيقافها. لمَن الرسالة؟ لمَن كتبها أيُّها السيد؟
الطبيب : لعضوٍ في البرلمان طلب مني أن أزوده بالأخبار.
القاضي : وهكذا سيصبح كل ذلك معروفًا لدى البرلمان والصحافة.
الأسقف : يا للأحمق! يا للأحمق الكبير!
الوزير الأول (ينهض ويتجه نحو الطبيب) : ولكن كيف أمكن لهذا الشخص أن يأتي إلى هنا؟

(صمت شامل.)

إنني أسأل كيف أتى هذا الشخص إلى هنا؟ ومَن الذي كلَّفه بذلك؟

(فترة صمت.)

القاضي (بهدوء) : أنت يا سيدي!
الوزير الأول (بعنف) : أعرف ذلك! ولكن مَن الذي قام بتزكيته؟
القاضي : لقد بدا ترشيحه مستوفيًا للعديد من المؤهلات: حداثة السن، الغباء، انعدام الثقافة … ولم يَبدُ عليه أنه سيقع تحت تأثير العميد.
الوزير الأول : ومَن هو، بالتحديد، الذي صادق على تعيينه؟
القاضي (مترددًا) : سويفت! لسببٍ ما اختاره هو من بين كل الأطباء الذين عُرِضوا عليه.

(الوزير الأول يلقي على الطبيب نظرة شاملة، ومن ثَم يمشي مسرعًا وبخطًى ثابتةٍ باتجاه الباب. القاضي يهرع خلفه.)

استراحة أيها السادة، استراحة قصيرة!

(ينسحب القاضي والوزير الأول. يتجه أعضاء المجلس إلى النوافذ وهم يتهامسون، ويستأنفون مراقبة «الجزيرة الطائرة».)

الطبيب (مخاطبًا الجميع) : أيها السادة! حبذا لو تفسِّرون لي؟ لمَ هذا الخداع؟ لمصلحة مَن؟

(الجميع ينظرون في مناظيرهم ويتظاهرون بأنهم لم يسمعوا.)

(الطبيب يكاد يصرخ) ما الذي حدث؟!
عضو مجلس أول (يأخذ الطبيب من ذراعه ويخفض صوته لدرجة الهمس) : لا حاجة للصراخ، أيُّها الشاب. سوف نعرف ما الذي حدث عندما يعود القاضي والوزير الأول. يمكنني أن أعطيك رأيي في الموضوع: أنت دمرتنا، دمرت أيرلندا، ودمرت سويفت.
الطبيب : لكن كيف؟ اللعنة على كل هذا!
عضو مجلس أول : كل شيء واضح. إن سويفت فنان عظيم، وذلك إذا ما حكمنا تبعًا لقوانين الفن.
عضو مجلس ثانٍ (يأخذ الطبيب من ذراعه الأخرى ويهمس) : أما إذا ما حكمنا تبعًا للقانون العام فإنه يستحق أن يقضي حياته كلها في السجن مقابل كل كتيب كتبه.
العالم (من خلفهم) : وهكذا فإن الحياة نفسها أوحت بالحل: العميد مجنون صريح، ونحن الأوصياء عليه. هو يكتب ما يشاء ونحن نقوم ببذل كل ما نستطيع بذله من إطراء مفرط.
الأسقف : وكلنا أبرياء في نظر الرب!
عضو مجلس أول : وفي نظر الحكومة!
العالم : هل تدرك أي تناغم كامل دمَّرتَ أيها الطبيب؟
الطبيب : كل ما فعلته هو أنني وضعت التشخيص.
عضو مجلس أول : يكون التشخيص اتهامًا في بعض الأحيان!

(يفتح الباب ويدخل الوزير الأول عابسًا ومعه القاضي. يعود الجميع إلى أماكنهم حول الطاولة مسرعين.)

القاضي : أيها السادة! سوف نتابع الآن. لقد كلفني الوزير الأول بإبلاغكم أنه بعد الاكتشاف الهام الذي قام به طبيبنا لم نعد نستطيع انتظار أوامر لندن ونحن ننظر إلى سلوك العميد دون أن نحرك ساكنًا … كل هذه الممارسات الغريبة وخاصة هذا الجناز السخيف الذي رتبه لنفسه يجب أن تنتهي في الحال!
عضو مجلس أول : لكن كيف؟
القاضي : بطريقة طبيعية إلى أبعد حد!

(فترة صمت. الأسقف يبدأ صلاته بصوت خفيض.)

(٢) (جوليفر)

(مكتب العميد. سويفت جالس على مقعده، وقربه تجلس أستير جونسون ومعها مفكرة. صوت غناء تحت إحدى النوافذ. يبدو الصوت شديد الشبه بصوت فانيسا.)

أستير : هل أغلِق النافذة أيها الجليل؟ الهواء رطب. (تتجه إلى النافذة وترى مغنية تشبه فانيسا تمامًا) من فضلك، اذهبي إلى الحديقة يا عزيزتي. توجد هناك طاولة للضيوف. وسوف يقدِّمون لكِ شيئًا تأكلينه. (تغلق النافذة) يا إلهي! كم تشبه هذه المتشردة فانيسا، ليس فانيسا التي كانت هنا، وإنما تلك التي أحبَبتَها … (تتوقف برهة) أنا آسفة يا سيدي إنني أتطفَّل على ذكرياتك. دعنا نتابع عملنا (تتناول المفكرة).
(ينهض سويفت ويتجه إلى النافذة ويضغط بوجهه على زجاجها. الفتاة التي تشبه فانيسا تُشاهَد للحظة على بعدٍ.)

أنتَ تجلب البلبلة لنفسك أيها العميد. (بحزن) لقد تعبتُ. كم هو صعب أن تفهم رجلًا يفكر في البشرية كلها ويفكر في الوقت ذاته في فتاة عند النافذة.

(سويفت يعود لمواجهتها.)

لا يا سيدي قلت لك إنني لا أعلم أين دُفِنَت فانيسا. لقد تحرينا عن ذلك ولكن دون جدوى … (بغضب مفاجئ) وبالمناسبة، إن قبر ستيلا موجود هنا، عند جدار الكاتدرائية، ومع ذلك لم يتم تبديل الزهور هناك منذ ثلاثة أيام. وأنت تعلم كم كانت مغرمة بالزهور البرية …

(تُسمَعُ ضجة في الحديقة. حجر يكسر النافذة ويسقط على المكتب.)

(أستير تقفز خائفةً) هؤلاء «الياهو» المرعبون مرة أخرى! هذا ليس مكانًا آمنًا أيها الجليل!

(يبقى سويفت ساكنًا. صوت تحطُّم لوح آخر من الزجاج. صرخات وأصوات عراك في الخارج. يُفتح الباب فجأة ويظهر الطبيب ساحبًا معه باتريك.)

باتريك (مقاومًا) : أنت تخيلت ذلك أيها الطبيب! لست أنا مَن فعل ذلك.
الطبيب : تخيلت ذلك؟ (يقلب جيب سترة باتريك الطويلة فيسقط منها عدد من الأحجار) هذا الوغد كان سيحطم كل نوافذ البيت.

(يتجه سويفت إلى باتريك. ينظر في عينيه بحزن. ومِن ثَم يبتعد مسرعًا باتجاه الباب.)

باتريك (يهرع خلفه) : ليس صحيحًا أيها الجليل. لم أفعل ذلك. بل هم! الياهو! لقد هززتُ قبضتي في وجوههم كي أخيفهم فظن الطبيب أنني أقذف شيئًا …

(يخرج سويفت.)

(باتريك مواجهًا الطبيب بنظرة يأس) انظر الآن ماذا فعلت يا سيدي؟ لقد جرحت قلب العميد.
الطبيب (لأستير) : لقد رأيت الكثير من الأجلاف الوقحين في حياتي، ولكن هذا …
أستير : اتركنا يا باتريك! من الواضح أن طبيبنا مخطئ، وسوف أحاول أن أقنعه بذلك.
باتريك : أقنعي السيد يا آنسة جونسون. هذا هو الأمر الأساسي؛ فقد أصابته نوبة قلبية هذا الصباح …
أستير : سأحاول، لا تقلق يا صديقي …

(يخرج باتريك.)

الطبيب (بحزم) : هكذا إذن! لقد فهمت! إنها مؤامرة! أنتِ يا آنسة جونسون … ذلك الخادم الوغد … مجلس الأوصياء … جميعكم تتمنون موت العميد. لقد لاح لي اليوم أنَّ كارثةً ستقع. والآن عرفت مَن الذي يدبرها.
أستير : عفوًا أيها الطبيب، لقد كان لديَّ على الدوام تصوُّر بائس فيما يتعلق بنباهتك. لا بدَّ أن ذلك بسبب كونك من نوتنغهامشاير.
الطبيب : اللعنة، لماذا تداومين على لكزي باسم نوتنغهامشاير؟
أستير : يقولون إن الضباب كثيف هناك. وإن كل البلد متخلف من حيث تطوره. إنني أرجوك ألا تكون قاطعًا في أحكامك على هذا النحو! أنت تقيم في بيت غير عادي وتعمل مع أناس من مستويات مختلفة. لا تتسرع في استخلاص الأحكام! وإذا ما بدا لك فجأةً أن أحدًا ما يقذف الحجارة …
الطبيب : ليس أحدًا ما، بل باتريك! لقد رأيته بأم عيني!
أستير : وحتى لو كان هو. يجب أن نفكر أولًا؛ لماذا؟ هل كان يقصد الأذية أم أن الأمر هو العكس تمامًا؟ لعله أراد أن يُسعِد سيده؟
الطبيب (مذهولًا) : يسعده؟
أستير : كل الهجَّائين تُكسَر نوافذهم. إنها ميزة هذا النوع الأدبي. باقات الورد للشعراء، كِسرات القرميد لنقاد المجتمع، إنه مجدهم ومكافأتهم … الهجَّاء الذي يكف عن إثارة السخط يكف عن كونه هجاء. حياته تفقد كل معنًى. ولهذا فإن فعلك قد أحزن العميد كثيرًا.
الطبيب : أنا الملوم إذن! أنتِ التي تدبرين هذه الأمور وأنا الذي يقع عليَّ اللوم … ربما كان هجَّاءً رديئًا، سويفتُك هذا!
أستير (غاضبة) : سويفت عبقري! لكنه واقع في شَرك. لقد سيقَ إلى هذا البيت، مغلق الفم، ومحاصرًا بجدران من عدم الفهم (تتجه إلى النافذة وتفتحها).

(نرى وجوه المواطنين تحدق في الطبيب بلامبالاة.)

انظر، ها هم الياهو الحقيقيون! تمعَّن جيدًا في وجوههم المتبلدة. لا شيء يحركهم، لا شيء يثيرهم. سويفت مسجون خلف جدران من عدم الفهم. ولقد استأجر الممثلين كي يوضحوا أفكاره للناس، لكن السلطات كانت أكثر دهاءً، فقد استأجرت جمهورًا. الحصار كامل. (تسحب الستائر) ولكنني لا ألقي باللوم على أحد. لقد تغير الزمن يا سيدي، فمَن هو الذي يستجيب اليوم للإلماعات والإيحاءات التي جعلت العميد مشهورًا؟ الكل أدرك القصد منذ زمن طويل ولم يَعد الأمر مسليًا … لقد ضمر الوعي عند الناس! وهذا ما يعذب سويفت. هل تشك في أن هذه الجريمة تجري هنا؟ إنها تجري! دون خنجر أو حاجة للسم. يمكنك أن تقتل بعدم الفهم. رويدًا رويدًا، وبشكل منظَّم دون أن تخرق قانونًا واحدًا، خاصة حين يُقدَّر لكَ أن تلعب الدور الرئيسي. ولقد قام الوزير الأول والقاضي بكل ما بوسعهما. يمكنك أن تُجهِز على أي شخص يا سيدي. أي شخص ولو كانت صحته أفضل بكثير من صحة العميد.

(فترة صمت. يتجه الطبيب إلى النافذة. يأتي صوت المطر عبر الزجاج المكسور.)

الطبيب : حسنٌ! سوف أرحل من هنا.
أستير : لستُ واثقةً من أنَّ هذا هو القرار الصائب …
الطبيب (مقاطعًا) : بلى، إنه القرار الصائب. سوف أغادر. أنا طبيب. ووصية أبقراط الأولى هي عدم الضرر. وأنا لا أرغب في أن أكون سببًا لهلاكه. ولماذا أكون؟ أنا لم أطلب إرسالي إلى هنا … كنت أعيش في نوتنغهامشاير الصغيرة الهادئة، أمضي إلى مهنتي كل يوم، ولديَّ زوجة عادية وأطفال عاديون، وأعالج مجاذيب عاديين … لماذا كان عليَّ أن آتي إلى هذا البيت الغريب، هذا البيت الذي لا يعرف أحد لمَن تم بناؤه. إنني ألعنه بكل حماقته وغموضه! لا شيء مقدس هنا! ليس الموت، والحب، والإيمان سوى ذرائع للسخرية! يكفي! حان وقت الرحيل. لم أتمكن من مساعدة أحد، ولكنني على الأقل لم أفقد عقلي! شكرًا للرب على هذا!
أستير (قلقةً) : لكنني أرجوك أن تبقى. يعتقد العميد أنه بحاجة شديدة إليك.
الطبيب (غاضبًا) : وكيف تعرفين ما يعتقده؟
أستير : من الصعب أن أشرح لك كل شيء في الحال أيها الطبيب. (تأخذ الكتاب عن الرف) اقرأ كتاب العميد يا سيدي؛ فقد يتضح لديك شيء ما.

(تضع الكتاب أمام الطبيب وتتجه إلى الباب.)

الطبيب (ينظر إليها للحظة، ومن ثَم يصرخ غاضبًا) : أخبري العميد بأن كتابه حقق معي نجاحًا مذهلًا!

(يلوِّح بذراعه بعنف ويطوِّح بالكتاب إلى النافذة.)

أستير (بعنف) : العميد على حقٍّ تمامًا. يمكن للإنسان أن يكون أسوأ من أية بهيمة. القرود تكسر المرايا لأنها لا تحب أن تُبصِر وجوهها فيها، أما تهشيم نوافذ الكاتب بكتبه، فلا يمكن أن يفكر بذلك إلا سيد الطبيعة وحده.

(صوت المطر يزداد ارتفاعًا. ينظر الطبيب من النافذة. الكتاب تَمزَّق والريح تُبعثِر صفحاته. باتريك يندفع خلفها كالمجنون محاولًا التقاطها. الطبيب يراقبه للحظة، ومن ثَم يهرع لمساعدته. وسرعان ما يعودان مبتلين ولكن متصالحين.)

باتريك (ينشر الأوراق على الموقد) : لا تهتم يا سيدي … سوف نُجفِّفها ونكويها، ومن ثَم نجمعها مرة أخرى … سوف يعود جديدًا …
الطبيب (خجلًا) : اعذرني يا باتريك! لقد خرجت عن طوري …
باتريك : لا تقلق يا سيدي! الطبيب السابق رمى بنفسه مع الكتاب من النافذة. ردَّة الفعل لديك كانت طبيعية تمامًا! لقد قال العميد إن واجبه هو «إغاظة العالم وليس تسليته».
الطبيب : قل لي يا باتريك، هل يمكنك أيضًا أن تسمع العميد وهو يتكلم؟
باتريك : لقد فعلت ذلك مرات كثيرة يا سيدي.
الطبيب : كن صادقًا.
باتريك : حسنٌ، سوف أعبِّر بطريقة أخرى: إنه لا يكاد يصمت.
الطبيب (باحتراس) : آه، هيا انقلع من هنا!
باتريك : حسنٌ يا سيدي، (يتراجع خطوة) لا حاجة للاستياء. لقد سألتني وأنا أجبتك.
الطبيب : هل تريد أن تقول لي إن العميد شخص ثرثار؟
باتريك : بالطبع لا يا سيدي؛ فهذا التعبير لا ينطبق عليه إطلاقًا. لقد كف العميد عن استخدام الكلمات؛ فهي تشوه المعنى، خاصة في هذا الوقت وهذا العصر. إننا ننطق بأكاذيب لا تُحصَى. نفكر بشيء ونقول غيره، ونكتب شيئًا آخر يختلف عن هذا وذاك … أما العميد فقد خطا خطوة إلى الأمام! إنه يعبِّر بالأفكار! وهذا أرقى أسلوب للاتصال بين الكائنات العاقلة، دون آذان أو شفاه! حتى إنك لا تفتح فمك. إنه اتصال مباشر.
الطبيب : يجب أن أفهم … علِّمني يا باتريك!
باتريك : أعدك بذلك يا سيدي. ولكنَّ كل شيء يحتاج إلى الوقت والصبر. فكِّر كم صرفت أمك من أجل تربيتك والعناية بك، وكم قلَّدَت الصغار فيما ينطقونه، فقط من أجل أن تعلِّمكَ الكلام! أما تعليمك الاحتفاظ بالصمت! فإن ذلك يحتاج إلى العمر كله! أجل، يجب أن نبدأ من البداية. اقرأ كتاب العميد.
الطبيب : لكنه مملٌّ جدًّا.
باتريك (وكأنه يكلم طفلًا مشاغبًا) : لا، ليس مملًّا! لا تكن قليل الصبر إلى هذا الحد! حسنٌ، هذه طبعة الأطفال. (يأخذ كتابًا عن الرف) إنها طبعة مبسطة.
ألقِ نظرة إلى الرسوم على الأقل! إنها رسوم جميلة.

(تحت أنظار باتريك التي تراقبه، يقلب الطبيب بضع صفحات. تنطلق موسيقى ناعمة. يحوِّل الطبيب بصره إلى لوحة على الجدار، ومِن ثَم يعود إلى الرسوم التوضيحية في الكتاب.)

الطبيب (بهدوء) : قبعة.
باتريك : ماذا؟
الطبيب (يرفع صوته) : قبعة.
باتريك : من أي نوع يا سيدي؟
الطبيب : قبعة كبيرة، وسترة، سترة سفر.
باتريك : في الحال، خلال لحظة (يهرع إلى خزانة يفتحها ويُخرج سترة سفر وقبعة).
الطبيب (يختطفهما ويغيِّر ملابسه بعجلة، ويهمس) : أنا جوليفر!
باتريك (هامسًا) : مَن؟
الطبيب (صارخًا) : أنا جوليفر! من نوتنغهامشاير! هذا ما يقوله هنا في الكتاب: «كان لأبي ملكية صغيرة في نوتنغهامشاير.» طبيب من نوتنغهامشاير، ليمول جوليفر … لِمَ لَم أحزر ذلك من قبل؟ (يهرع إلى المرآة) أنا جوليفر! (يرقص، يهرع إلى بيانو صغير ويضغط مفاتيحه ويغني) في نوتنغهامشاير! في نوتنغهامشاير! في نوتنغهامشاير! أغبى مَن رأت عيناك من أطباء! في نوتنغهامشاير!
باتريك : شكرًا للرب! أخيرًا! (يمشي مِشية المنتصر إلى الباب) آنسة جونسون، أخبار سارة، لقد جُنَّ الطبيب (يخرج).

(الطبيب يواصل العزف. تتحول الأصوات إلى لحن، والكلمات إلى أغنية، يتابع غناءها حشد المواطنين عند النوافذ … تنتهي الأغنية بنغمات متهللة شديدة الابتهاج. وفي نوبة جنون يثب الطبيب إلى عتبة النافذة، ومن ثَم يقفز إلى الحديقة. يُقابل صوت سقوطه بموجة من التصفيق والهتاف، ثم يعمُّ الظلام خشبة المسرح.)

(٣) «صمت الطبيب سيمسون»

(تتبدَّد الظلمة تدريجيًّا، وتبدأ الأشكال بالظهور. تعود الأصوات أيضًا … شعورٌ بأن ثمة شفاء من النسيان … يفتح الطبيب عينيه ويجد نفسه مستلقيًا على الأريكة في مكتب سويفت. أستير وباتريك منحنيان فوقه.)

أستير (تتفحص الطبيب) : عجيب … لقد تغيَّر وجهه.
باتريك : لاحظي البؤبؤين. إن في عينيه نظرة مختلفة. ما أعمقها!
أستير (بلطف) : كيف تشعر الآن أيُّها الطبيب؟ إنَّها سقطة بسيطة (يئن الطبيب ثانية).
جاءت سليمة. مثل هذه الأشياء تحصل هنا … وأرجوك، لا تتكلم.
باتريك : أجل يا سيدي. حاول أن تردَّ بصمت. بالتفكير! هذا ما أردتَ أن تتعلمه.

(يجلس الطبيب على الأريكة. يحدق مبهورًا إلى باتريك ويهز رأسه.)

لا، لا حاجة لاستخدام الوجه كلِّه. النظر فقط.

(ينظر الطبيب إليه.)

جيد! أنا أفهم الآن. أنت تسألني ذهنيًّا: أيُّ شرٍّ تخفيه؟ رائع! اشرحي الأمر للطبيب يا آنسة جونسون (يمضي إلى النافذة، ويخرج منظارًا يمسح به السماء).
أستير (بلطف) : أيُّها الطبيب … ليس لديَّ الوقت كي أشرح كل التفاصيل، ولكن إن كنتَ معنيًّا حقًّا بحياة العميد، فإن بمقدورك مساعدته!
باتريك (منفعلًا) : اطرقي لب الموضوع يا آنسة جونسون. ليس لدينا المزيد من الوقت! إنهم يحومون فوق الحديقة.
أستير : (لا تنظر حولها بجزع) إنه يعني الجزيرة الطائرة! نحن جميعًا نتساءل إن كانت مُذنَّبًا أم إنهم مبعوثون قادمون من عالم آخر؟ لقد جاء إلى هنا اليوم أناس أطلقوا على أنفسهم اسم «زوَّار من المستقبل». إنَّهم اللابوتانيون …

(يهزُّ الطبيب رأسه.)

أجل يا سيدي، أنا أيضًا صُدِمتُ، ولكنهم أقنعوني بأن ذلك حقيقي، وأنهم قاموا برحلتهم من أجل اللقاء بالعميد سويفت؛ فهم يحتفلون هناك بالذكرى المئوية الثالثة لوفاته. ولقد تساءلت وباتريك إن كانت تلك خدعة؛ فقد يكون هؤلاء من مرتزقة الوزير الأول؟ فهل يمكن أن نعرِّض العميد لمثل هذا الخطر؟

(يحدق الطبيب فيها باذلًا جهدًا شديدًا من أجل أن يفهم قصدها، ومِن ثَم ينهض ويمضي إلى المكتب.)

باتريك (مبتهجًا) : لقد فهمتَ يا سيدي! إنهم لا يعرفونه بالشكل. كنتُ سأجلس هناك بنفسي، لكنَّ عينَيَّ ليستا عميقتين. وهذا ما قد يثير الشبهة.
أستير (تساعد الطبيب على الجلوس) : أجل، هكذا. امسك هذه الريشة بيمينك. هكذا اعتاد أن يصوره الرسامون. أما الآن فسوف ترتدي هذه العباءة.
باتريك : بسرعة يا آنسة جونسون! الجزيرة تهبط على الأرض! (يركض إلى الطبيب ويضع مسدسًا أمامه) … عند الضرورة فقط يا سيدي. وسوف نختبئ نحن خلف هذا الجدار.
أستير : بارك الله فيك!

(باتريك وأستير يختبئان. يُسمَع صوت موسيقى مبهمة، وضجة حادة تزداد ارتفاعًا. ثمة صوت تحطُّم وكأن الجدران تتصدَّع وتنشق وحشد من الأفراد الغرباء في لباس من النايلون والجلد يدخلون إلى غرفة المكتب. آلات تصوير تئز، وأضواؤها تومض. الزوَّار من لابوتا يحيطون بالطبيب. يتقدَّم أحدهم فجأةً إلى الأمام، ويباشر الحديث واثقًا من نفسه ثقةً عظيمة، ومتظاهرًا بعدم الارتباك في حضرة سيد البيت.)

اللابوتاني : التبجيل، التبجيل أيها الأصدقاء! أنتم في منزل جوناثان سويفت. وُلِدَ عام ١٦٦٧، وتُوفي عام ١٧٤٥. وهو يحتل منزلةً خاصة بين أعظم هجَّائي الماضي. لا تلتمسوا لديه تفاؤلية رابليه المفرِحة، ولا تهكم فولتير اللبِق، أو شكِّية فرانس المنفلتة … إن سويفت ساخر عنيف!
أحد الزوَّار (بنظرة فَزِعة إلى الطبيب) : هل أنت واثق من أنه لا يلاحظ وجودنا؟
اللابوتاني : لقد أوضحت ذلك من قبل، إنَّ العميد عاجز؛ ففي سنواته الأخيرة كان قد أصيب بالجنون التام. لاحظوا النظرة المحدقة الذاهلة، والوجه الجامد تمامًا، والغياب المطلق لأي ارتكاس أو منعكس!

(يُخرج بسرعة الخبير دبوسًا ويخز الطبيب في كتفه.)

(لا يُحرك الطبيب أية عضلة.)

أحد الزوار : أهو مرض «مِنْيير»؟
اللابوتاني : لقد أكَّد الخبراء ذلك. ولهذا فإننا لا نسبب له أي إزعاج. نحن في مكانٍ ما ممَّا قبل شعوره. بالنسبة له نحن مجرد أطياف.
أحد الزوار : يا له من شخص بائس! لماذا لا يشبه أبدًا صوره المرسومة؟
اللابوتاني : هل تقصد لوحات جرفيز في المعرض الدولي؟ إنها ليست أصيلة؛ فالمظهر الحقيقي للعميد ليس إلا واحدًا من الألغاز التي لا تزال تحير الدارسين إلى اليوم. (ينظر إلى الطبيب بابتسامة) شخص محيِّر! لم يقف أبدًا كي يرسمه الرسامون، ولم يوقِّع أبدًا على كتبه الخاصة. بل لقد مرَّر للناشر مخطوطة جوليفر من تحت الباب، غُفْل من اسم مؤلفها.
أحد الزوار : وإلامَ تعزو سخريته المريرة؟
اللابوتاني : إلى العصر! نهاية الإقطاع والنمو المتسارع للمجتمع البرجوازي، الذي سرعان ما انقلبت مُثله العليا. وفوق كل هذا عواصف القدر …
أحد الزوار : هل تعني ستيلا أم فانيسا؟
اللابوتاني : كلتيهما. امرأتان رائعتان أحبَّتاه ودمرهما بأنانيته وقسوة قلبه. المخلوقتان البائستان رحلتا في ريعان الصبا.
زائرة تشبه أستير : هذا ليس صحيحًا!
اللابوتاني : ما الذي ليس صحيحًا فيما قلتُه؟ أأنهما ماتتا أم إنهما كانتا اثنتين فقط؟

(الزوار يضحكون.)

الزائرة الشبيهة بأستير (متقدمةً للأمام) : ليس مهمًّا عدد النساء اللواتي يحدث أن يصادفهن الرجل في حياته. ليست المشكلة كم يبلغ عددهن؛ فثمة على الدوام واحدة، واحدة وحيدة! كان الأمر دومًا بهذه الصورة وسيبقى.
زائرة تشبه فانيسا : وأنتِ، بالطبع، واثقة من أنها كانت ستيلا؟
الزائرة الشبيهة بأستير : كيف حزرتِ؟
الزائرة الشبيهة بفانسيا : أنتِ تشبهينها.
الزائرة الشبيهة بأستير : المظاهر ليست مهمة، هنالك يوميات سويفت.
الزائرة الشبيهة بفانيسا : وهل يمكن لأحد على الإطلاق أن يصدِّق ما يكتبه رجل عن امرأة؟ احكمي من خلال صورة فانيسا، فقد كانت أجمل من غريمتها بما لا يقاس.
الزائرة الشبيهة بأستير : لكن لو حكمنا من خلال رسائلها، فإنها لا تدل على ذكاء أبدًا.

(ضحكٌ من الزوار الآخرين.)

الزائرة الشبيهة بفانيسا : لِمَ نتجادل بوجود المصدر الأصلي؟ فلنسأل العميد: ستيلا أم فانيسا؟

(تتجهان إلى الطبيب مصممتين.)

اللابوتاني (منبِّهًا) : لكن العميد لا يتكلم إطلاقًا!
الزائرة الشبيهة بأستير : تكفي تلميحة واحدة.

(يخفض الطبيب عينيه خائفًا. همهمة من الزوار.)

اللابوتاني : التبجيل، التبجيل يا أصدقاء! لن نتخطى حدود اللياقة.
واحد من الزوار : لكنكَ قلتَ إن العميد لا يلاحظ شيئًا.
اللابوتاني (مرتبكًا) : ضمن حدود، بالطبع.
واحد من الزوار : لا، أعطنا جوابًا محددًا: هل نحن أطياف بالنسبة له أما لا؟
اللابوتاني : أجل، مجرد أطياف! ولكن لا داعي للذعر من ذلك. فلنكبح مشاعرنا يا أصدقاء! انتقلوا إلى الحديقة. ألقوا نظرة على أحواض الزهر … والبناء … وعند منتصف الليل، حين يدُق الناقوس. أريدكم أن تجتمعوا جميعًا في الساحة أمام الكاتدرائية. ذلك سيكون هو الجزء الأكثر تشويقًا.

(ينسحب الزوار. يبقى اللابوتاني ويتجه إلى الطبيب.)

رائع أيها الطبيب! لقد أديت دورك بصمت مدهش.

(لا يرد الطبيب أبدًا.)

ألا تريد أن تنطق؟ ألم ينتهِ المشهد بعدُ؟ (يهرع إلى الخزانة ويصفق) عظيم، أيُّها العميد! سوف يضحك الزوار كثيرًا حين يعرفون كيف خدعتهم. (يفتح باب الخزانة وينظر بداخلها) لكن أين مهرجنا؟ أنا واثق من أنه مختبئ في مكانٍ ما. (بغضب) من السخف أن تصمت أكثر من ذلك أيها الطبيب؛ فهذا يترك انطباعًا سيئًا. يبدو أن العميد قد تعب من الضحك على معاصريه وقرر أن يضحك على الأجيال. وهذه تجربة خطيرة! أقول هذا كاختصاصي، كدارس لحياته وأعماله؛ فهو، وبصراحة متناهية، لا يعدو أن يكون كاتبًا عاديًّا.
وهو شخص ناكر للجميل دومًا. كان من الممكن أن أكرس عمري لدراسة ديكنز … ثاكري … وحتى غالسورثي! لكنني أبليت سراويلي جالسًا في المكتبات وقاعات المدونات، أدرسُ سويفت، ومن ثم يرحب بي هكذا! (يصرخ في سويفت اللامرئي) أنت مؤلِّف منسيٌّ أيها السيد! تقليدي ومدرسي، لا يقرأ لك أحد! اسأل مَن تشاء من هم الهوينوهُمز، أو ما هي جلبدبريب، أو بروبدنجناج. نِصفهم لم يسمع بها، والنصف الآخر لم يسمع وليس بمقدوره أن ينطق الأسماء …

(يشهر الطبيب المسدس ويصوبه إلى اللابوتاني. يتراجع اللابوتاني ولكنه لا يلبث أن يعود ضاحكًا.)

لا، هذا مبتذل! فلنَدَع السيوف والمسدسات لوالترسكوت! إنها وافرة في أعماله. سويفت أكثر بساطة لا تنزعج، ما من أحد حاول قتله. خُذ هذه مني، كاختصاصي. لقد مات بطريقة طبيعية، من جراء نوبة قلبية عادية تمامًا. في التاسع عشر من تشرين الأول عام ١٧٤٥. إن ذلك في كل الموسوعات. يمكننني أن أريك (يتناول كتابًا من محفظته الجلدية ويضعه أمام الطبيب). محاضر جلسات مجلس الأوصياء. إنها طبعة أكاديمية. حسنٌ؟ هل ستطلق النار أم ستصدقني؟

(يخفض الطبيب المسدس.)

شكرًا لك! أعتقد الآن أنني سوف أعود إلى الزوار. هؤلاء «البحاثة العظماء» يريدون على الدوم أن يحفروا علامتهم على الجدار في كل عهد. وبعد ذلك يحاول المؤرخون حل لغز تَمكُّن أحدٍ ما من استعمال ريشة من اللباد في القرن الثامن عشر (يخرج).

(يفتح الطبيب الكتاب ويقلب صفحاته. باتريك وأستير يهرعان إلى الغرفة.)

باتريك (خائب الرجاء) : كان عليك أن تضغط على الزناد أيها الطبيب! إن كان هذا شخصًا من هناك — فوق — حقًّا، فإن الرصاصة لن تؤذيه أبدًا، وإن كان واحدًا من رجال الوزير الأول فإنها لن تؤذيه أيضًا!
أستير (تفتح الكتاب وتقرأ ببطء وبصوتٍ مرتفع) : «في التاسع عشر من تشرين الأول عام ١٧٤٥ توقَّف جوناثان سويفت عن الحياة. في مساء اليوم السابق لوفاته كان قد أحسَّ بوعكة غريبة، كأنها الإحساس بالنهاية. وطبقًا لذكريات أصدقاء العميد المقرَّبين، فقد بدأ بالكلام عمليًّا بعد سنوات عديدة من الصمت. وكانت أول كلمة نطقها سويفت هي «متى؟».»

(يُفتَح الباب على مصراعيه. على العتبة يقف سويفت. أستير تغلق الكتاب بسرعة وخوف.)

(٤) «الموت الأخير لجوناثان سويفت»

سويفت : متى؟
أستير : لا أدري ما الذي تسأل عنه أيُّها العميد؟
سويفت : أنا واثق من أن هؤلاء الناس قد أعلموكم بالتاريخ الدقيق.
الطبيب (متجهمًا) : كُفَّ عن هذا! الهذر لا يناسبك. اعذرني، لكنك كنتَ تبدو أكثر ذكاءً بكثير وفمك مغلق.
سويفت : متى سأموت أيها الطبيب؟
الطبيب : هذا سؤال تعوزه اللباقة على نحوٍ مضاعف! فحتى لو كنتُ أعرف، لن أخبرك … ثمة أشياء هي بمثابة أخلاقيات طبيَّة، وأنا أقسمتُ اليمين.
سويفت : حسنٌ. دعنا نتفاهم بصمت. أنت تتعلم ذلك منذ وقت طويل، وسوف تثمر جهودك الآن.

(ينهض الطبيب متعجلًا.)

أليس غدًا حقًّا؟
الطبيب : أنا لم أقل هذا!
سويفت (حزينًا) : سيكون غدًا إذن … التاسع عشر من تشرين الأول … كُن أكثر تحديدًا، صباحًا أم مساءً؟ أنا آسف، ولكن عندما تتعلق الأمور بالموت فإنَّ كل ساعة تكون ثمينة.
باتريك (يائسًا) : لا تُجِب أيها الطبيب! لا تفكر بذلك.
سويفت : سيكون ذلك في منتصف الليل تمامًا إذن، ما زالت لديَّ ساعتان.
باتريك : لقد طلبتُ منك أن تبقى صامتًا ذهنيًّا.
سويفت : اصمتوا الآن جميعًا! لقد أخذتم من وقتي ما يكفي؛ فالإنسان يكون في وضع غير مؤاتٍ مع الموت؛ لأن الموت يعرف موعد حلوله، أما بالنسبة للإنسان فهذا الوقت مبهم … ولكنني الآن والموت ندٌّ لندٍّ! وما من أحد يعرف مَن الذي ستكون له الكلمة الأخيرة … (يأخذ الكتاب من أستير) ما الذي يخرفونه عني؟ (يقرأ) «في التاسع عشر من تشرين الأول كان منزل جوناثان سويفت مليئًا بالعويل …» مَن كتبَ هذا؟ وولبول؟ الوزير الأول؟ الأفَّاك الوقح! لن يكون هنالك شيء من هذا القبيل! لقد كررتُ ذلك مراتٍ كثيرة كي أتجنَّب مثل هذه التوافه. الساعتان طويلتان بما فيه الكفاية. سيكون لدينا الوقت اللازم للاستعداد. باتريك، آنسة جونسون، اجمعا كلَّ الممثلين … كلهم … هل تفهمانني؟
أستير : بالطبع أيها العميد.
سويفت : ادعواهم إلى هنا. قولا لهم إنه آخر تمثيل، وإن هنالك أمرًا يجب أن نناقشه.

(يخرج باتريك وأستير.)

الطبيب : إنَّ سلوكك مخيِّب للأمل كثيرًا أيها العميد. يبدو أنك تفعل كل شيء كي تجعل النبوءة تتحقق.
سويفت : على العكس! سوف نسفِّهها بصورة كاملة. وسوف تساعدني. (يأخذ ورقة وريشة ويضعهما أمام الطبيب) فلنضرم النار في مذكرات الوزير الأول الأحمق! سوف يحصل المؤرخون على مذكرات الطبيب المسئول. وهذه وثيقة قانونية لا يمكن دحضها!
الطبيب : عليَّ أن أذكِّرك بأنني لن أكتب سوى الحقيقة.
سويفت : بالطبع! الحقيقة بأسمى معنًى لهذه الكلمة. اكتب! «أنا الطبيب سيمسون، من نوتنغهامشاير، استنادًا إلى حضوري حتى الدقائق الأخيرة من حياة مريضي جوناثان سويفت من دبلن … في ساعة متأخرة من الليل، عشية ذلك اليوم المشهود، التاسع عشر من تشرين الأول عام ١٧٤٥، جاء بي العميد على نحو مفاجئ إلى مكتبه، وقال: «أيها الطبيب! أرغبُ في أن أكتب تتمةً ﻟ «رحلات جوليفر» … الجزء الخامس والأشد أهمية من الكتاب! الفصل الأخير … رحلة إلى أرض الموت … وهي رحلة سوف أقوم بها بنفسي …»» (يلاحظ أن الطبيب وضع الريشة جانبًا) لماذا توقفتَ عن الكتابة؟ هل ثمة خطأ ما؟
الطبيب : اهدأ أيها العميد! ليس في صالحك أن تهتاج هكذا …
سويفت (بَرِمًا) : ولقد صرختُ: «اهدأ أيها العميد، ليس في صالحك أن تهتاج هكذا.» ولكن العميد أجاب: «الهياج في صالحنا على الدوم» (يضع الريشة في يد الطبيب).
الطبيب (ساخطًا) : ولكنك شاحب اللون، ونبضك متسارع.
سويفت (بَرِمًا) : وصرختُ ثانيةً: «ولكنك شاحب اللون ونبضك متسارع!» ولكن العميد مدَّ لي رسغه (يرفع رسغه) واكتشفتُ أن نبضه كان منتظمًا تمامًا … وتابعَ العميد: «عند منتصف الليل، عندما يدق ناقوس الكاتدرائية، سوف أبدأ الرحلة إلى بلادٍ لعل أحدًا لم يزرها قبلي سوى دانتي. لقد وصف دانتي هذه البلاد بقلم العبقري، لكن وا حسرتاه! بكآبة مفرطة. وأنا واثق من أن كثيرًا من الأشياء المضحكة والسخيفة تحدث هناك، لكن الإنسان لا يتاح له أن يشهدها؛ فالموت ينأى بنفسه عن الظهور بمظهر السخيف!
وتلك هي نقطة ضعفه … الموت ينأى بنفسه عن أولئك الذين يزدرونه …»

(يفتح الباب. باتريك وأستير يقودان الممثلين. نجد هنا الليليبتاني الثاني، المارد جلم، صمبدي، والعديد من المواطنين.)

باتريك : نحن جميعًا مستعدون أيها الجليل …
سويفت (مخاطبًا الممثلين) : عند منتصف هذه الليلة سوف أموت للمرة الأخيرة. وهذا تمثيل ذو شأن، وأريد أن أكون مُقنِعًا قدر الإمكان … وعليكم أن تكونوا مضحكين بأقصى ما تستطيعون وأنتم تمثِّلون الحزن. وإذا ما ترنحتُ، فعليكم جميعًا أن تولولوا …
الليليبتاني الثاني : هل أولول أنا أيضًا؟ أنا ليليبتاني. لن يسمعني أحد أبدًا.
سويفت : ليس مهمًّا! ولولتنا الليلة ليست للغير، بل لأنفسنا … (يلقي نظرة شاملة على جلم) جلم! يجب أن تذهب وتغيِّر ملابسك. هاتان الطوَّالتان ليستا طويلتين بما يكفي لمثل هذا العرض المهيب.
جلم (يضحك ويرفع بنطاله) : سأفضي إليك بسرٍّ أيها العميد … هاتان ليستا طوَّالتين، إنهما ساقان! لقد بدأتُ أنمو من جديد، حقًّا وفعلًا. وهذا ما سيجعل الأمور أكثر إمتاعًا!
سويفت : جيد! (يتجه إلى صمبدي) وأنت يا سيدي صمبدي، سوف ترمقني بنظرة حزينة … ولكن عليها لمسة حسد؛ كم هو محظوظ مَن يموت! بينما عليَّ أن أعيش وأعيش.
صمبدي : لكنني أحسدك حقًّا أيها العميد. سوف تموت وسوف تكتب كل الصحف: «مات سويفت!» ولكن إذا متُّ أنا، فما الذي يمكنهم أن يكتبوه، «في تاريخ كذا وكذا خطف الموت صمبدي …» وقد يفضلون أن يكتبوا «نوبدي».
سويفت (معانقًا صمبدي) : جيد! قُل هذه النكتة عاليًا بقدرِ ما تستطيع. ستكون إشارةً لي كي أسقط! … (للمواطنين) أنتم سوف تنحنون فوقي.
ثم يأتي الطبيب ويكتب تقريره، وهذا كل شيء! وبعد ذلك أختفي إلى الأبد!
واحد من المواطنين : ألن تعود لتسمع التحية والتصفيق؟
سويفت : ليس هذه المرة.
جلم (متنهدًا) : ربما لن يكون هنالك أي تحية وتصفيق. أنت أيها العميد، مَن يقول إن التلاعب بالعقل يخلق متعةً. والأمر الذي يريد الجمهور أن يعرفه هو مَن يُحِب مَن. ستيلا: فانيسا؟ فانيسا: ستيلا؟
سويفت (بحزن) : أجل، لستُ ناجحًا في المشاهد الغنائية العاطفية … تلك هي نقطة الضعف في فني.
باتريك : لا تقلل من شأن نفسك يا سيدي. وكأن كاتبًا كلاسيكيًّا مثلك، ومتيمًا أيضًا، لا يمكنه أن يكتب مشهد حب مؤثر! لِمَ لا يكون هنالك مشهد من هذا النوع عند المذبح؟ والأرغن يعزف بكل طاقته … وسوف تساعدك الآنسة جونسون.
سويفت (متحولًا إلى أستير) : هل تساعدينني، ستيلا؟!
أستير : هل تخاطبني أيها الجليل؟
سويفت : أنت تشبهين إلى حد بعيد تلك المرأة التي أحببتها … أود لو أناديك ستيلا عند الوداع.
وأن نمضي كلانا إلى المذبَح في الكاتدرائية، ونجعل الأرغن يعزف …
باتريك (متلهفًا) : وهل أستدعي الكاهن؟
سويفت : ليس ضروريًّا. سأقوم بكل شيء بنفسي. لقد زوجت الكثيرين؛ ولهذا لا بد أن أكون جديرًا بإجراء شعائر الزواج لنفسي، مرة فقط.
أستير (بحزن) : أعفني من هذا أيها الجليل … لا أعرف كيف أتظاهر بذلك … وأنت أيضًا لا تعرف أن تتظاهر. يمكن للمرء أن يخدع الأصدقاء أو الخدم، ولكن ليس امرأة تحبه … أنتَ مغادرٌ حقًّا هذه المرة!
سويفت : وليكن؛ فأنا أريد، على الأقل، أن أضع كل شيء في مكانه المناسب …
أستير : أجل … سوف أساعدك … (تتجه إلى النافذة وتنادي) فانيسا (تظهر فانيسا).
فانيسا : هل ناديتني أيتها الممرضة؟
أستير : لقد طلبك العميد. إنه يريد أن يودعكِ … ويريد … ماذا أقول؟ … يريد أن يحدثكِ بشيء هام … أليس كذلك أيها العميد؟

(سويفت صامتًا.)

يريد العميد أن يحسم الوضع الغريب الذي كنَّا فيه أنا وأنت وهو طوال سنوات عديدة. لقد اختار … اتخذ قرارًا …
فانيسا : وكلفَك بمهمة الإعلان عن القرار؟ (لسويفت) ليست هذه نكتة مليحة تمامًا أيها الجليل. لقد أعجِبتُ دومًا بحس الدعابة المرهف لديك، لكن هذه … ليست مليحة … (للمثلين) ما رأيكم؟
جلم : لا، ليس كثيرًا …
واحد من المواطنين : قد تكون أكثر إثارة عندما يتم تنفيذها؟

(تندفع أستير وفانيسا فجأة واحدتهما إلى الأخرى تتكلمان بانفعال وغضب والواحدة تقاطع الأخرى.)

أستير : لا ترتكبي مثل هذه الحماقة يا فانيسا. إنه يحبك! أنا أعرف! لقد عرفتُ ذلك لسنوات … إنه يقرأ رسائلك مرة بعد مرة … ويدندن أشعارًا …
فانيسا : اهدئي! لقد أذللتِني بشهامتكِ! إنني أفهم صمت العميد بقدر ما تفهمينه.
أستير : لكنه أشد حاجة إليكِ!
فانيسا : ليس أنا بل أنتِ!
أستير : لقد تدبرتِ أمر مراسلاته على أكمل وجه. وأدرتِ البيت في نظام تام. أما أنا فمجرد ريفية! ولديَّ ذوق مختلف …
فانيسا : لا تنتقصي من قيمة نفسك بهذه الصورة! لقد جعلتِ البيت مريحًا جدًّا. ووضعتِ هذه الستائر الرائعة …
أستير : ستائر شنيعة!
فانيسا : إنها رائعة! (تلجأ ثانيةً إلى الممثلين) أنتم ترون أيضًا! ستائر مَن هي الأجمل؟
أستير (بيأسٍ) : ما أهمية الستائر؟ (تجثو على قدميها أمام العميد) أيها الجليل، اصفح عني، تزوجها هي، تزوجها!

(يكاد سويفت أن يتفوه بشيء ما ولكنه يترنح. الطبيب يُهرع إليه.)

الطبيب (للمرأتين) : أنتما تقتلانه …
سويفت (يحاول أن يبتسم) : لقد حذرتكم: هذا المشهد لن ينجح أبدًا … لقد تدربنا عليه سنوات … وظل مفتقرًا للوضوح. السخرية لم تؤدِّ مهمتها، وإلهامي لم يتفوق في المجال الغنائي العاطفي. اعذراني! (متحولًا إلى الممثلين) الحياة معقدة وهي تتمرد دومًا على الأفكار المنظمة الراسخة. كلتا هاتين المرأتين أسرت قلبي، وليس لديَّ لا القدرة ولا الحق لتفضيل واحدة على أخرى … سجِّل هذا أيها الطبيب: «ستيلا وفانيسا وسويفت عاشوا على هذه الأرض! أحبوا بقدر ما استطاعوا، وعانوا بقدر ما استطاعوا … لكن مقاصدهم كانت شريفة. ولا داعي لأن تحاول الأجيال القادمة حلَّ هذا اللغز … فليكن عذابهم كافيًا …»

(يدق الناقوس. يظهر الليليبتاني الأول والشرطي جنجر عند باب المكتب المفتوح.)

الليليبتاني الأول : حان الوقت أيُّها العميد!
سويفت : أجل … أعلَم … (للطبيب) لا تنظر خائفًا هكذا أيها الطبيب. هذا ما يجب أن يكون … أنا بين أصدقاء: منهم مَن جاء ليراني أغرُب، ومنهم مَن جاء ليحتفي بي … هو الأمر دومًا هكذا!

(يدق الناقوس بصوتٍ أعلى. يتجه سويفت نحو الباب. المرأتان، والممثلون والمواطنون يتبعونه بصمت. الطبيب يراقبهم وهم يمضون.)

باتريك (يلمس كُم الطبيب) : اصعد الدَّرَج يا سيدي، سترى المشهد بصورة أفضل من هناك، كما لو كنتَ في مقصورة المسرح.
الطبيب : لا، يمكنني أن أرى كل شيء من هنا (يتجه إلى المكتب ويغمس الريشة بالحبر).
باتريك (مصغيًا إلى ضجة الحشد) : سوف يجري الجنَّاز بصورة رائعة هذا اليوم!
لقد حسب العميد حساب ذلك كله …

(جلبة في الخارج.)

انظر! لقد ترنح!

(تصفيق.)

إنهم يؤدون ذلك بشكل جيد، لكن الجمهور لا يضحك كثيرًا … لم يعُد الناس يفهمون الفن الرمزي!

(الحشد يهدر.)

إنه يسقط! (ينظر من النافذة) إنهم يحملونه! وهو لا يتحرك … (يُدير وجهه المصطبغ بالانفعال إلى الطبيب) يمكنك أن تكمل الباقي بنفسك … يا سيدي … أنا لا أستطيع … حتى الخدم لديهم أعصاب.
الطبيب (يكتب) :
اندفعتُ إلى الساحة، والحشد يصرخ.
وهناك وجدتُ جوناثان سويفت.
كان مستلقيًا على الأرض دون حراك …
وضعت أصابعي على معصمه البارد،
وأذني على صدره الصامت،
ولما هممتُ بإعلان موته،
رأيتُ عينه تومض فجأةً
بغمزةٍ جريئةٍ لعوب.
وأدركتُ عندئذٍ أن أمامي ممثلًا
بلغَ في مهنته حدَّ الكمال، وأنجزَ
ما يقتضيه الفن.
لقد تمكن حقًّا من إيقاف قلبه ونَفَسَه،
وما كان لنا أن نقرر هل هو حيٌّ أم ميت،
ولقد أوضحتُ هذا للمواطنين.
أما الممثلون فقد حملوا الجثمان على الخشبة،
والنظارة اختفوا …

(يدق الناقوس بصوتٍ أعلى.)

(ستارة)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥