الملك «تانوت آمون»
باكارع | تانوت آمون |
وهو ابن الملك «شبتاكا» كما ذكرنا من قبل.
وعلى أية حال يجب علينا أن نعترف بأن «تانوت آمون» «وبسمتيك» قد حكما سويًّا مدة حوالي سبع سنوات، ولا غرابة في ذلك؛ لأنه عندما طرد الآشوريون الفاتحون ملك «كوش» «تانوت آمون» تقهقر من الدلتا نحو الجنوب في حين أن «آشور بانيبال» قد نصب «بسمتيك» الساوي الأصل على عرش والده «نكاو» على شرط أن يعمل على صد هجمات الملك المهزوم، وأن يخبره بأية محاولة يقوم بها ملك «كوش» لاسترجاع ملكه في الدلتا، وتدل شواهد الأحوال على أن «تانوت آمون» قد تراجع من الدلتا إما إلى عاصمة ملكه «نباتا» أو يحتمل أنه آوى إلى «طيبة»، والواقع أنه ليس لدينا أي أثر للملك «بسمتيك الأول» في «طيبة» قبل السنة العاشرة من حكمه، وهو التاريخ الذي يحتمل أن «تانوت آمون» مات فيه، ومن ثم يمكننا أن نفهم السبب الذي من أجله تجاهل «مانيتون» وجود الملك «تانوت آمون» بين ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الذين حكموا مصر والسودان معًا.
وقد اشترك «تانوت آمون» في حكم البلاد مع «تهرقا» في نهاية حكمه كما سنرى بعد، ومن الغريب أن هذا الفرعون لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى حروبه مع ملك «آشور» المسمى «آشور بانيبال»، وكما قلت: إن كل ما نعرفه عن هذه الحروب كان من المتون الآشورية، وأهم آثار هذا الفرعون ما يأتي:
(١) اللوحة المسماة لوحة الحلم
ومحتويات هذه اللوحة تشمل نهاية تاريخ العصر الكوشي في مصر، فقد كان الوجه القبلي في هذه الفترة في يد حكام معينين من قبل ملك «آشور»، وذلك بعد أن هُزم «تهرقا» على يد الملك «آشور بنيبال»؛ أي بعد تولية «تهرقا» بقليل عام ٦٦٨ق.م، وقد كشف أتباع «آشور بانيبال» في الدلتا أن المصريين كانوا يتآمرون مع «تهرقا» على الملك «آشور بانيبال»، غير أن مؤامرتهم كشف أمرها، وبعد أن أرسل «نكاو» أحد ملوك الدلتا إلى «نينوة» أسيرًا عفا عنه وأعيد إلى مقر حكمه في «سايس»، وكذلك نصب ابنه ملكًا على «أتريب» تابعًا «لآشور»، وفي هذه الفترة من حكم «آشور بانيبال» مات «تهرقا».
ولوحة «تانوت آمون» التي نحن بصددها تقص علينا سير الأحوال السياسية في مصر العليا خلال المدة الأخيرة من حكم «تهرقا» وخلال حكم «تانوت آمون» القصير.
وقد ظهر أن «تانوت آمون» كان مشتركًا في حكم البلاد مع «تهرقا» في السنة الأخيرة من حكمه حوالي عام ٦٦٣ق.م، وهي السنة الأولى من حكم «تانوت آمون» حيث توج فيها ملكًا على البلاد مصرها وسودانها منفردًا، وقد ادعى في رؤيا رآها في أثناء نومه قبل أن يذهب إلى «نباتا» أنه سيستولى كذلك على الأرض الشمالية «الدلتا» التي كانت وقتئذٍ في يد «الآشوريين».
- وصف اللوحة وترجمتها: تشاهد في الجزء الأعلى من اللوحة منظرًا منحوتًا مثل في أعلاه قرص
الشمس المجنح يحيط به صِلَّان، وفي أسفله نشاهد على اليمين آلهًا برأس
كبش على رأس قرص وريشتان ويقبض بيديه على سيف، وهذا الإله هو «آمون رع»
رب تيجان الأرضين في الجبل المقدس «أي جبل برقل» وهو يقول: «إني أعطيك
كل الحياة والسلطة»، ويقف أمام الإله الملك «تانوت آمون» مرتديًا
قميصًا ومعلقًا في حزامه ذيلًا طويلًا من جهة اليسار وينتعل حذاء،
ويقدم تعويذة في صورة صدرية لوالده آمون وخلفه تقف زوجه الأخت الملكية
سيدة «تاستي» «قلهاتا»، وهي تلعب بالصناجة بيدها اليمنى وتصب القربان
بيدها اليسرى.
وعلى اليسار يشاهد إله في صورة إنسان على رأسه قرص الشمس وريشتان، ويقبض بإحدى يديه على الصولجان وبالأخري على رمز الحياة، وهو يلبس كالإله الآخر قميصًا يصل إلى ركبتيه، ومعلق في حزامه ذيلًا طويلًا، وهذا الإله هو «آمون رع» رب تيجان الأرضين القاطن في الكرنك يقول للملك: «إني أمنحك كل الحياة والسلطة»، وأمامه يقف «تانوت آمون» يقدم رمز العدالة لوالده آمون خالقه ومعطي الحياة، وخلفه تقف أخته وزوجه ملكة مصر «بيعنخي أرتي» التي تصب القربان بيدها اليمني وتلعب بالصناجة بيدها اليسرى.
وبين المنظرين السالفين سطر عمودي من النقوش، وتقرأ في السطر الذي يتبع المنظر الأيمن ما يأتي: نطق: إني أمنحك أن تظهر ملكًا للوجهين القبلي والبحري على عرش «حور» الأحياء مثل «رع» أبديًّا.
وفي السطر الذي على الجهة اليسرى نقرأ: نطق: إني أعطيك كل الأراضي وكل البلاد الأجنبية وأقوام الأقواس التسعة مجتمعة تحت قدميك أبديًّا.
- الترجمة: (١) إنه الإله الطيب (= الملك) في اليوم الذي ولد فيه، وإنه الإله «آتوم» للشعب، رب القرنين، وحاكم الأحياء، والأمير القابض على كل أرض، المظفر بالقوة في يوم المعركة، والذي يواجه المقدمة في يوم الطعان، ورب الشجاعة مثل «منتو» العظيم القوة مثل الأسد المفترس العينين، العادل القلب، مثل «حسرت» (تحوت)، ومن يعبر البحر في طلب قرنه ومطاردًا مؤخرة عدوه (؟)، لقد استولى على هذه الأرض ولا أحد يحاربه، ولا أحد يقف مواجهًا له، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «باكارع»، ابن الشمس «تانوت آمون»، محبوب آمون صاحب «نباتا».
- الحلم: في السنة الأولى التي توج فيها ملكًا … (٤) رأي جلالته حلمًا ليلًا، فرأى ثعبانين: واحد على يمينه والآخر على يساره.
- تفسير الحلم: واستيقظ بعد ذلك جلالته ولم يجدهما، فقال جلالته: من أين حدث لي هذا (؟)، وعندئذ أجابوه قائلين: إن أرض الجنوب ستكون لك، وستستولى على أرض الشمال، والإلهتان تضيئان على جبينك «أي الإلهة «نخبيت» والإلهة «وازيت»»، وتعطى الأرض طولًا وعرضًا، ولا يقاسمك إياها آخر.
- الحلم يحقق: وعندما توج جلالته على عرش «حور» في السنة الأولى خرج جلالته من المكان الذي كان فيه كما خرج «حور» من بلدة «خب» أو خميس، «وهي مكان كوم الخبيزة الحالية الواقعة في شمال الدلتا، وهو المكان الذي يقال إن «إزيس» ولدت فيه «حور»» وذهب من … في حين أنه (٧) أتى إليه ملايين ومئات الآلاف خلفه، فقال جلالته: تأمل إن الحلم صحيح، إنه «أي الحلم» مفيد لمن يضعه في قلبه وشر لمن لا يفهمه.
- تأكيد تفسير الحلم على يد آمون «نباتا»: ثم وصل جلالته إلى «نباتا» في حين لم يقف أمامه أحد «معارضًا له»، ووصل جلالته إلى معبد «آمون» صاحب «نباتا» القاطن في الجبل المقدس، وكان قلب جلالته فرحًا عندما رأى والده «آمون رع» رب طيبة القاطن في الجبل المقدس «برقل»، وأُحضرت الأكاليل لهذا الإله الطيب.
- عيد «آمون» صاحب «نباتا»: بعد ذلك أظهر بهاء جلالته «آمون» صاحب «نباتا»، وعمل له قربات عظيمة، وأسس له وقفًا يتألف من ستة وثلاثين ثورًا وأربعين آنية من جعة «عش» ومائة ريشة.
- السفر إلى مصر: ثم انحدر جلالته في النيل إلى أرض الشمال ليرى «آمون» الذي أخفى اسمه من الآلهة، ووصل جلالته إلى «الفنتين» (أسوان)، ثم عبر جلالته «الفنتين» ووصل إلى معبد «خنوم رع» رب الشمال، وأقام له قربات عظيمة فقدم خبزًا وجعة لآلهة الكهفين «اللذين ينبع منهما النيل»، وأرضى «نون» (أي النيل) في كهفه.
- إقامته في «طيبة»: ثم انحدر جلالته في النيل إلى «طيبة» وساح جلالته إلى داخل «طيبة» ودخل جلالته معبد «آمون رع» رب تيجان الأرضين، ثم أتى إلى جلالته الكاهن العظيم للتصميمات، والكهنة غير الرسميين لمعبد «آمون رع» رب تيجان الأرضين، وحملوا له أكاليل «لآمون» الخفي الاسم، وكان قلب جلالته منشرحًا عندما رأى هذا المعبد، وطلع «آمون رع رب طيبة» ببهاء وأقيم له عيد عظيم في كل الأرض.
- السفر إلى «منف»: ثم انحدر جلالته نحو الشمال، وكانت الابتهالات على اليمين وعلى الشمال «تبعث» من الشعب قائلين: مرحبًا بمقدمك، مرحبًا إن حضرتك في سلام لتحيي الأرضين ولتقيم المعابد التي تهدمت ولتنصب تماثيلها في محاريبها، ولتقدم قربانًا للآلهة والإلهات وقربات جنازية للمنعمين «المتوفين»، ولتضع الكاهن المطهر في مكانه، ولتعطي كل شيء من القربان المقدس، والذين في قلوبهم حرب قد صاروا في سرور.
- الاستيلاء على «منف»: وعندما وصل جلالته إلى «منف» خرج عليه هناك أولاد الثورة ليحاربوا جلالته، وعندئذ أوقع مذبحة عظيمة بينهم وعدد قتلاها لا يحصى، واستولى جلالته على منف، ودخل معبد «بتاح» (القاطن) جنوبي جداره، وقدم قربانًا «لبتاح سكر»، وأرضى الإلهة «سخمت» العظيمة التي تحبه.
- إقامة مبانٍ «لآمون» في «نباتا» شكرًا على النصر الذي أحرزه: وكان قلب جلالته فرحًا ليقيم آثارًا لوالده «آمون» صاحب «نباتا»، وأصدر جلالته أمرًا خاصًّا بذلك إلى النوبة ليقام له قاعة جديدة لم يُبْنَ «مثلها» في عهد الأجداد، وأمر جلالته أن تقام بالأحجار المغشاة بالذهب، وألواحها من خشب الأرز ومعطرة بمر بلاد «بنت»، ومصراعا بابها من السام، وضبتها «مزلاجها» من القصدير، وأقام لنفسه قاعة أخرى في المخرج الخلفي لجمع لبن حيواناته التي تعد بعشرات الآلاف والآلاف والمئات والعشرات، ولم يعرف عدد العجول الصغيرة التي مع أمهاتها.
- الذهاب إلى الدلتا ومقاومة مدنها: والآن بعد هذه الأشياء ساح جلالته شمالًا ليحارب رؤساء أهل الشمال، وعندئذ دخلوا معاقلهم مثلما تزحف الحيوانات إلى أحجارها، ومضى جلالته عدة أيام أمامهم ولكن لم يخرج واحد منهم لمحاربة جلالته.
- الملك يعود إلى «منف»: والآن انحدر جلالته في النهر نحو البيت الأبيض «منف» وجلس في قصره
يتشاور مع قلبه كيف يجعل جيشه يحيط بهم.
ثم قال جيشه: إن واحدًا أتى ليخبره قائلًا: إن هؤلاء العظماء قد أتوا إلى المكان الذي فيه جلالته، وقالوا: يا مليكنا، فقال جلالته: هل أتوا ليحاربوا؟ أو هل أتوا ليخضعوا؟ وإذن سيعيشون من هذه الساعة، فقالوا لجلالته: لقد أتوا ليخضعوا للملك سيدنا، فقال جلالته: أما عن سيدي هذا الإله الفاخر «آمون رع رب تيجان الأرضين» القاطن في الجبل المقدس، الإله العظيم الفاخر، ومن اسمه معروف، فإنه ساهر على من يحبه ويعطي القوة لمن يواليه، ومن يحمل مشاريعه «آراءه» لا يضل، ومن يرشده لا يخطئ، تأمل لقد أخبرنى بها ليلًا ورأيتها نهارًا، وقال جلالته: أين هم في هذه الساعة، فقالوا لجلالته: إنهم هنا منتظرون في القاعة.
- الملك يقابل الأمراء على باب القصر: وبعد ذلك خرج جلالته من قصره كما يضيء رع في مسكنه اللامع، فوجدهم منبطحين على بطونهم يقبلون الأرض أمام جلالته، وقال جلالته: تأمل إنه حق ما نطق به، وهو كلمة تدبيره، تأمل إنه يعلم ما سيحدث، إنه قرار الإله وعلى ذلك وقع، وإني أقسم بقدر حب الإله «رع» لي، وبقدر إكرام «آمون» لي في بيته، تأمل لقد رأيت هذا الإله الفاخر صاحب «نباتا» يقطن في الجبل المقدس، وعندما كان واقفًا بجانبي قال لي: إني قائدك في كل طريق، ويمكن ألا تقول: ليت كان عندي … «يلحظ هنا أن خاتمة كلام «تانوت آمون» ممزقة وغامضة إلى حد بعيد، وما تبقى من كلامه فيه ما يكفي للدلالة على أنه كان لا يحتوي إلا على جمل تدل على النصر وليس لها أهمية تاريخية، ومن الواضح أنه يحدث الرؤساء الخاضعين لسلطانه بأن خضوعهم ما هو إلا إنجاز لوعد «آمون» له» … (٣٥) … وبعد ذلك أجابوه قائلين: تأمل إن هذا الإله قد كشف لك البداية وقد أنجز لك النهاية في سعادة، تأمل لا تفعل … ما يخرج من فمه يا أيها الملك يا سيدنا، وبعد ذلك قال الأمير الوراثي وحاكم «سبد» (صفط الحناء) العظيم «بكرور»: إنك تذبح من تريد وتدع من تريد يعيش … وقد أجابوه في نفَس واحد: أعطنا النفس يا رب الحياة ومن بدونه لا حياة، دعنا نخدمك مثل العبيد الذين هم رعايا لك كما تقول في الأول في اليوم الذي توجت فيه ملكًا، وقد انشرح قلب جلالته عندما سمع هذه الكلمة وأعطاهم خبزًا وجعة وكل شيء طيب.
- صرف حكام الدلتا: وبعد مضى بضعة أيام بعد هذه الحوادث ومنح كل شيء بكثرة … قالوا: لماذا لا نزال هنا يا أيها الملك يا سيدنا؟ فقال جلالته: إلى أين؟ فقالوا لجلالته: دعنا نذهب إلى مدننا حتى نأمر عبيدنا لتحضر جزيتنا إلى البلاط، فسمح لهم جلالته بالذهاب إلى مدنهم وأصبحوا رعاياه.
- حكمه القصير في منف: وقد ذهب الجنوبيون إلى الشمال وذهب الشماليون إلى الجنوب، إلى المكان
الذي كان فيه جلالته، حاملين كل شيء طيب من أرض الجنوب، وكل مؤن أرض
الشمال لإشباع قلب جلالته، وذلك عندما ظهر ملك الوجه القبلي والوجه
البحري «باكارع» ابن «رع» «تانوت آمون» له الحياة والسلطة والصحة، على
عرش «حور» سرمديًّا.
وهكذا ترى من محتويات هذه اللوحة أنها لا تشير إلى أي حرب قامت بين مصر «وآشور»، بل لا نجد في غيرها من نقوش هذا العصر في المتون المصرية ما يشير من قريب أو من بعيد إلى نشوب حرب بين «آشور» ومصر، ولا غرابة في ذلك؛ فإن ملوك مصر لم يتحدثوا قط عن أية حروب هُزموا فيها قط في كل أطوار تاريخهم، ولم يشذ بطبيعة الحال «تانوت آمون» وأسلافه، وكل ما نعرفه عن الغزو الآشوري لمصر وصل إلينا من المتون الآشورية، وسنفرد لذلك بابًا خاصًّا كما ذكرنا من قبل.
(٢) ولدينا متن من عهد هذا الملك مؤرخ بالسنة الثالثة اليوم الثاني من أيام النسيء لكاهن يدعى «بدي خنسو» يتحدث فيه عن دخوله في زمرة كهنة «آمون»، وهذا الرجل كان يشغل وظائف كهانة أخرى، فكان كاهنًا للإله «خنسو» والإلهة «موت» والإله «منتو»، وهو من أسرة عريقة في الكهانة؛ إذ نجد أفرادها منذ سبعة عشر جيلًا يشغلون وظيفة الكهانة، وهذا المتن عثر عليه في الأقصر في مبنى الكنيسة القبطية القديمة، وقد نزع الحجر من مبنى الكنيسة ونقل إلى متحف برلين، وأهميته كما قلنا تنحصر في أنه مؤرخ بالسنة الثالثة من عهد الفرعون «تانوت آمون» وهو من الحجر الجيري الأبيض، وهاك النص الذي جاء عليه:(١) السنة الثالثة اليوم الثاني من أيام النسيء، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «با كارع» ابن رع «تانوت آمون» معطي الحياة أبديًّا وسرمديًّا، (٢) في هذا اليوم عين «في وظيفته» للإله «آمون» صاحب الأقصر الثور صاحب الساعد المرفوع (٣) منجب الآلهة، الكاهن والد الإله والكاهن سماتي «الذي يقوم بتحضير العقاقير للاحتفال بدفن الإله وإحيائه»، وثور أمه وكاهن الشهر لمعبد «آمون» الأقصر للطائفة الأولى (٤) وللطائفة الرابعة من الكهنة، وكاهن الشهر لبيت الإلهة «موت» العظيمة ربة «أشرو» للطائفة الرابعة، وكاهن (٥) الشهر لمعبد الإله «منتو» رب مدينة «أرمنت» للطائفة الثانية ولمعبد «خنسو» التابع لآمون الأقصر لأجل الطائفة الرابعة، المسمى «بدي خنسو ورسنب» ابن الكاهن والد الإله … وكاتم سر (٧) بيت «موت» العظيمة ربة «آشرو» لأجل مدة أربعة أشهر، وكاهن الشهر لهذا المعبد لأجل الطائفة الرابعة (٨) «بدي خنسو موت» المرحوم.
ثم يأتي ذكر سلسلة أفراد يجب أن تقرأ من أسفل إلى أعلى:- (١) ابن مثيله «في الألقاب» مين مس المرحوم صاحب التبجيل.
- (٢) ابن مثيله «وننفر» المرحوم.
- (٣) ابن مثيله «عش خت» المرحوم.
- (٤) ابن مثيله «حور» المرحوم.
- (٥) ابن كاهن «آمون» الكرنك وكاهن «خنسو» باشري أمن مس المرحوم.
- (٦) ابن مثيله «نس حر عن» المرحوم.
- (٧) ابن مثيله «زت موت أوف عنخ» المرحوم.
- (٨) ابن مثيله «عنخ موت» المرحوم.
- (٩) ابن مثيله «حور» المرحوم.
- (١٠) ابن مثيله خادم بيت آمون «زت موت أوف عنخ» المرحوم.
- (١١) ابن كاهن «منتو» رب طيبة وكاهن «موت» ربة السماء «حور» المرحوم.
- (١٢) ابن مثيله «بدي موت» المرحوم.
- (١٣) ابن مثيله «نسر با حر عن» المرحوم.
- (١٤) ابن «بدي موت» المرحوم «ذكرت ألقابه فيما سبق».
- (١٥) «بدي خنسو ورسنب» (ذكرت ألقابه).
وسلسلة النسب هذه تؤكد لنا أن ما قاله «هردوت» عن توارث الوظائف في الأسرات صحيح، ويرجع إلى أزمان سحيقة إلى أن أصبحت تلك الوظائف حقًّا مكتسبًا يتوارثها الابن عن الأب،٦ وسلسلة نسب هذا المكان ترجع به إلى الدولة الوسطى.(٣) ويوجد بالمتحف المصري لوحة اشتراها «لجران» من أحد تجار الآثار بالأقصر عثر عليها إما في الكرنك أو في مدينة «هابو» في أثناء البحث عن السباخ كما في العادة.
وهذه اللوحة مصنوعة من الحجر الرملي الرديء النوع، ويبلغ ارتفاعها أربعين سنتيمترًا وعرضها اثنين وثلاثين سنتيمترًا، وهي مستديرة في أعلاها، والجزء الأسفل منها فُقِدَ، ويشمل ما تبقى منها أحد عشر سطرًا، وتنحصر أهمية اللوحة في أنها مؤرخة بالسنة الثامنة من عهد الملك «تانوت آمون» وهو آخر تاريخ معروف لنا عن حكمه.
وقد جاء في هذا المتن أن مغنية آمون المسماة «عنخنسا تفس» ابنة الساعي «بدي إزيس» قد سلمت عشرة أرورات من الأرض العالية من أملاك أناس فقراء من إقليم آمون، إلى الكاتب وتشريفاتي المتعبدة الإلهية المسمى «ني أمن تكنف نفو» ابن «قم-أمن»، الذي يعلن أنه تسلم الثمن، وهذا العقد قد كتبه فرد يدعى «خنسو» بن نوتي سفينة آمون المسمى «أريت حور رو» بن «بدو أوبت».
والظاهر أن هذا المتن ينتهي باللعنة على كل من يخل بشروط هذا العقد.٧(٤) ومن أهم الآثار التي خلفها وراءه الجزء الذي أكمله في مقصورة معبد «أوزير بتاح» بالكرنك، فقد وجد اسمه مرات عدة على جدران هذه المقصورة.٨(٥) ولدينا لوحة غريبة في بابها اشتريت من الأقصر٩ باسم الملك «تانوت آمون»، وهذه اللوحة قطعة من الحجر الرملي طولها ٥٦ سنتيمترًا وعرضها ٣٦ سنتيمترًا، وقد مثل فيها الملك «تانوت آمون» يضمه إلى صدره الإله «أوزير بتاح» وخلف الإله عمود من الرموز الكبيرة، وهذه الرموز تشغل كل الجزء الأيمن من اللوحة، ومن ثم كان لها أهمية خاصة، ومثل هذه الرموز نشاهدها على آثار أخرى، ويكون حجمها دائمًا أكبر من الإشارات الهيروغليفية المعتادة، والواقع أنها ليست متنًا، بل تؤلف جزءًا من المنظر المرسوم نفسه لا تفسير له، وهذه الرموز لم نصادفها في المناظر الدينية للدولة القديمة، ولكن نجد أنها قد بدأت تظهر في عهد الدولة الوسطى في المناظر، ومنذ الأسرة الثامنة عشرة نجد سلسلة منها في المناظر، ثم بقيت مستعملة حتى العهد الروماني وهي رموز، فنجد في كل هذه الآثار صور هذه الرموز في عمود كامل من النقوش على وجه عام مرسوم خلف الملك، وذلك في لحظة تؤدى فيها شعيرة اللف حول المحراب عند «تدشين» المعبد (تأسيس المعبد)، على أن هذه الرموز لم تكن مخصصة فقط لهذا الغرض، بل توجد على وجه عام في المتون السحرية، وقد درس هذه الرموز الأستاذ «جكييه»١٠ واستخلص منها أنها تمثل السائل السحري الذي يحيط به الملك المعبد الجديد عند تأسيسه.(٦) ووجد لهذا الفرعون في معبد آمون بجبل «برقل» (B. 500) في الشمال من البوابة الأولى تمثالان واحد منهما في متحف «بوستون»، والثاني في متحف مروي.١١
(٢) مقبرة الملك «تانوت آمون»١٢
عثر على مقبرة الملك «تانوت آمون» بن الملك «شبتاكا» في جبانة «الكورو».
ويحتمل أن المبنى الذي كان فوق حجرات الدفن هرمي الشكل؛ إذ في الواقع لم يوجد من آثار هذا البناء العلوي إلا خندق الأساس، وتبلغ مساحته حوالي ٨٫٢٥ من الأمتار المربعة.
أما السور الذي كان حول هذا القبر فكان مقامًا من الحجر الرملي ولم يبقَ منه إلا بعض أحجار من الجدار الجنوبي، كذلك بقي من المقصورة أو المعبد الجنازي التابع لهذا الهرم بعض قطع من الحجر الرملي من الجدار الشمالي، ومن المحتمل أن شكلها كان بسيطًا، ولم يعثر على أية ودائع أساس لهذه المقبرة.
ومكان الدفن الأصلي وجد منهوبًا، وفيما بعد دفنت فيه امرأة ومعها ثلاث أوانٍ من الفخار، وقد وجدت عدة أشياء صغيرة من الذهب تركها اللصوص، وكذلك بعض أشياء نقش عليها اسم الملك «تانوت آمون» نذكر منها ما يأتي:
(٣) جبانة خيل الملك «تانوت آمون»
وجد في جبانة «الكورو» الخاصة بالخيل مقبرتان لجوادين من جياد «تانوت آمون».
جواد «تانوت آمون»٢٧ (١)
جواد «تانوت آمون»٢٩ (٢)
تشبه الحفرة التي دفن فيها هذا الجواد حفرة الجواد السابق رقم ٢١٩ وقد وجد فيها عظام جواد مبعثرة عند مكان الرأس.
أما الأشياء التي وجدت في الحفرة فتنحصر في عين سليمة «وازيت» من الخزف المطلي الأزرق، وفي بعض خرزات على هيئة حلقات من الخزف الأزرق كذلك، ثم محارة للزينة مما نراه يستعمل ليزين حتى الآن سروج الخيل الحديثة عند العرب.
(٤) أسرة «تانوت آمون»
الملك «تانوت آمون» هو ابن الملك «شبتاكا» كما ذكرنا من قبل وأمه «قلهاتا».
قلهاتا
زوجاته
(١) «بيعنخي أرتي»: وقبرها لم يعرف بعد، وهي أخت «تانوت آمون» وزوجه، ومن المحتمل أن اسم «أرتي» هو نفس اسم «بيعنخي أرتي»، وإذا كان الأمر كذلك فإن «أرتي» هذه تكون أخت «شبتاكا» وزوجه وقد تزوجت بعد موته ابن أخيها «تانوت آمون».
وبنهاية حكم «تانوت آمون» انتهى عصر ملوك الأسرة الخامسة والعشرين في مصر؛ إذ في عهده استولى الآشوريون على مصر السفلى ومصر العليا، مما اضطر «تانوت آمون» إلى التقهقر إلى «نباتا» عاصمة ملكه القديمة، والواقع أننا نجد آثارًا لملوك العهد «الساوي»؛ أي الأسرة السادسة والعشرين على حسب ترتيب «مانيتون»، بعيدة جدًّا في الجنوب حتى الشلال الأول، ومع ذلك بقي ملوك «كوش» يدعون أنفسهم بلقب ملك الوجه القبلي والوجه البحري فترة طويلة من الزمن على نقوشهم التي تركوها في بلادهم.