الحرية
كِعَابٌ أَتَتْ فِي الْحُسْنِ فَخْرَ الْكَوَاعِبِ
لُبَانَتُهَا نِيطَتْ بِحَدِّ الْقَوَاضِبِ
لَهَا كَوْكَبٌ فِي كُلِّ عَيْنٍ مُنَوِّرٌ
يُفَاخِرُ بِالْأَنْوَارِ كُلَّ الْكَوَاكِبِ
لِمَاذَا وَلَمْ تَطْلُبْ سِوَى الْحَقِّ رَائِدًا
تَحُفُّ بِهَا الْأَضْدَادُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
رَغِبْتُ إِلَى الْأَقْوَامِ أَنْ يَحْتَفُوا بِهَا
فَلَمْ تَنْزِلِ الْأَقْوَامُ عِنْدَ رَغَائِبِي
إِذَا ابْتَسَمَتْ فَاللُّؤْلُؤُ الصِّرْفُ ثَغْرُهَا
وَإِمَّا بَكَتْ فَالْمَاسُ تَحْتَ الْحَوَاجِبِ
وَفِي طَرَفِ الْأَجْفَانِ سُلَّتْ مَضَارِبٌ
تَقُومُ عَلَى أَحْدَاقِهَا كَالْمَضَارِبِ
لَقَدْ وَصَمَتْهَا زُمْرَةُ الْجَهْلِ بِالرِّيَا
وَأَلْوَتْ عَلَى أَفْعَالِهَا بِالْمَثَالِبِ
وَمَا زُمْرَةُ الْجُهَّالِ إِلَّا غَيَاهِبُ
سَيَخْرِقُ نُورُ الْفَجْرِ لَيْلَ الْغَيَاهِبِ
بَصُرْتُ بِهَا وَالدَّمْعُ فَوْقَ خُدُودِهَا
وَمَا دَمْعُهَا إِلَّا رُمُوزُ الْمَصَائِبِ
وَقَدْ حَمَلَتْ مِنْ شِدَّةِ الْحُزْنِ رَأْسَهَا
وَأَلْقَتْ سَوَادَ الثَّغْرِ فَوْقَ التَّرَائِبِ
فَقُلْتُ لَهَا خَلِّي الْهُمُومَ فَإِنَّهَا
لِنَاحِيَةِ الْمَغْلُوبِ لَا لِلْغَوَالِبِ
فَلَيْسَ نَصِيرُ الظُّلْمِ إِلَّا مُعَاقَبًا
سَيَلْقَى مِنَ الْأَيَّامِ شَرَّ الْعَوَاقِبِ
أَلَسْتِ ابْنَةَ «الْبَسْتِيلِ» يَوْمَ خَرَبْتِهِ
وَشَيَّدْتِ بُرْجَ الْعَدْلِ فَوْقَ الْخَرَائِبِ
وَحَكَّمْتِ سَيْفَ الْحَقِّ فِي عُنُقِ الرِّيَا
فَسَالَتْ دِمَاءُ الْجَوْرِ مِنْ كُلِّ خَائِبِ
أَمَا أَنْتِ مِنْ رَأْسِ الْوُجُودِ دِمَاغُهُ
تَجِيئِينَ أَبْنَاءَ الْوَرَى بِالْعَجَائِبِ
جَعَلْتِ دِيَانَاتِ الشُّعُوبِ شَقَائِقًا
وَآخَيْتِ فِي الْأَكْوَانِ كُلَّ الْمَذَاهِبِ
دُمُوعُكِ مِنْ جَفْنِ اللُّيُوثِ مُذَابَةٌ
فَلَا تَذْرِفِيهَا مَوْرِدًا لِلثَّعَالِبِ
وَكُونِي عَلَى رَغْمِ النَّوَائِبِ لَبْوةً
تَسِيرُ مَعَ الْأَشْبَالِ فَوْقَ النَّوَائِبِ
وَأَعْطِي دُرُوسًا لِلشُّعُوبِ شَرِيفَةً
تُعَلِّمُهُمْ كَيْفَ ارْتِقَاءُ الْمَنَاصِبِ
وَأَنَّ حُقُوقَ الْإِجْتِمَاعِ خَلِيقَةٌ
بِأَهْلِيَّةٍ فِي الشَّخْصِ لَا بِمَآرِبِ
لَقَدْ أَخْرَسُوا فِي مِرْشَفَيْكِ حَقِيقَةً
مُهَدَّدَةً بِالْوَيْلِ مِنْ كُلِّ غَاضِبِ
فَلا تَخْذُلِي يَا أُخْتُ كُلَّ فَضِيلَةٍ
فَلَيْسَ حُسَامُ الْمُسْتَبِدِّ بِقَاضِبِ
لَدَيْكِ مِنَ الْجُنْدِ الْعِظَامِ كَتَائِبٌ
فَسِيرِي عَلَى جِسْرِ الْوَلَا بِالْكَتَائِبِ
•••
عَشِقْتُكِ طِفْلًا يَوْمَ كُنْتِ نَسَائِمًا
تَهُزِّينَ مَهْدِي كَالْغُلَامِ الْمُدَاعِبِ
وَقَبَّلْتُ مِنْكِ الثَّغْرَ مُذْ كُنْتِ زَهْرَةً
تُقَطِّرُكِ الْأَنْدَاءُ عِنْدَ الْمَغَارِبِ
عَشِقْتُكِ بَدْرًا فِي السَّمَاءِ مُنَوَّرًا
يُطِلُّ عَلَى الدُّنْيَا كَعَيْنِ مُرَاقِبِ
فَيَنْظُرُ أَبْنَاءُ الْوُجُودِ مُحَاطَةً
بِأَسْدَالِ إِظْلَامٍ كَأَثْوَابِ رَاهِبِ
عَشِقْتُكِ دُونَ الْبَعْضِ رُوحًا تَمَرَّدَتْ
عَلَى كُلِّ غَدَّارٍ مُحَابٍ وَكَاذِبِ
لَقَدْ حَطَّمَتْ دُونَ الْجَمِيعِ قُيُودَهَا
وَسَارَتْ بِأَبْطَالٍ لَهَا فِي الْمَوَاكِبِ
عَشِقْتُكِ دَوْمًا أُمَّةً مُسْتَقِلَّةً
وَلَا شَأْنَ فِي اسْتِقْلَالِهَا لِلْأَجَانِبِ
عَشِقْتُكِ فَوْقَ الْكُلِّ شَاعِرَةً لَهَا
مَوَاهِبُ تَسْمُو فَوْقَ كُلِّ الْمَوَاهِبِ
كَتَبْتِ عَلَى لَوْحِ الْوُجُودِ بِرِيشَةٍ
لَهَا مَهْبِطُ الْإِلْهَامِ أَكْبَرُ كَاتِبِ
أَلَا حَرِّرُوا هَذَا الْوَرَى مِنْ عُبُودَةٍ
هِيَ الذِّئْبُ كَمْ غَالَ الْوَرَى بِالْمَخَالِبِ
في ١٤ تموز سنة ١٩٢٣