الفضيلة
بَكَتْ وَهْيَ صَرْعَى مِنْ هُمُومٍ تَحِيقُهَا
كَبَائِسَةٍ فِي النَّاسِ ضَاعَتْ حُقُوقُهَا
وَصَارَتْ تُوَالِي بِالشَّهِيقِ أَنِينَهَا
فَأَسْمَعَنِي لَحْنَ الْحَيَاةِ شَهِيقُهَا
وَأَلْقَتْ عَلَى صَدْرِي مِنَ الْحُزْنِ رَأْسَهَا
غَرِيبَةُ دَارٍ قَدْ نَآهَا صَدِيقُهَا
وَأَدْمُعُهَا كَانَتْ رَحِيقًا مُذَوَّبًا
فَأَسْكَرَ قَلْبِي الْمُسْتَهَامَ رَحِيقُهَا
وَلَمَّا اسْتَتَبَّ النَّوْمَ فِي غُلْفِ عَيْنِهَا
وَنَامَ «كَمَا نَامَ الْجَرِيحُ» خُفُوقُهَا
سَكَتُّ فَلَمْ أَلْهَثْ حَذَارِ تَنَهُّدِي
يَمُرُّ عَلَى أَجْفَانِهَا فَيُفِيقُهَا
وَكَانَ ظَلَامُ اللَّيْلِ يُرْخِي سُدُولَهُ
وَأَنْجُمُهُ يَذْوِي النُّفُوسَ بَرِيقُهَا
كَأَنَّ شُعَاعَ الزَّهْرِ فِي شَاسِعِ الْفَضَا
سِهَامٌ عَلَى قَلْبِ الْوُجُودِ مُرُوقُهَا
فَقُلْتُ وَفِي صَدْرِي مِنَ الدَّمْعِ بِرْكَةٌ
تَحَمَّلَ أَقْذَارَ الْحَيَاةِ عَمِيقُهَا
إِذَا كَانَتِ الظَّلْمَاءُ فِينَا مُنِيرَةً
فَأَحْرَى بِهَا أَلَّا يَزُولَ غُسُوقُهَا
أَحَقُّ بِنَا الظَّلْمَاءُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةٍ
فَفِينَا وُجُوهٌ يَسْتَبِدُّ صَفِيقُهَا
وَفِينَا حَزَازَاتٌ إِلَى الْبَغْيِ تَنْتَمِي
وَفِينَا شِفَاهٌ مِنْ طِلَى الْحِقْدِ رِيقُهَا
•••
نَظَرْتُ إِلَى مَنْ خَدَّدَ الدَّمْعُ خَدَّهَا
فَأَلْفَيْتُ شَمْسًا لَا يَغِيبُ شُرُوقُهَا
كَأَنَّ نَثَارَ الدَّمْعِ تِبْرٌ بِعَيْنِهَا
يُذَوِّبُهُ فَوْقَ الْعَقِيقِ مَرِيقُهَا
فَقُلْتُ عَزِيزٌ يَا بَنِي الشَّرْقِ أَنْ نَرَى الْـ
ـفَضِيلَةَ يَمْشِي فِي الْمَكَاسِدِ سُوقُهَا
تَهِيمُ وَلَا تَدْرِي طَرِيقَ نَجَاتِهَا
كَأَنَّ ضَلَالَ الْعَالَمِينَ طَرِيقُهَا
هِيَ الزَّهْرَةُ الْبَيْضَاءُ فِي عَوْسَجِ الْوَرَى
يَحُفُّ بِهَا شَوْكُ الْخَنَا وَيُحِيقُهَا
وَقَدْ عَصَفَتْ رِيحٌ عَلَيْهَا شَدِيدَةٌ
فَنَثَّرَهَا مِثْلَ الدُّمُوعِ خَرِيقُهَا
هِيَ النَّجْمَةُ الزَّهْرَاءُ فِي حَدَقِ الدُّجَى
يُسَامِرُهَا بَدْرُ الْعَفَافِ شَقِيقُهَا
وَلَكِنَّ غَيْمَ الْجَهْلِ لَاصَقَ نُورَهَا
فَحَجَّبَهَا عَنْ كُلِّ عَيْنٍ لَصِيقُهَا
هِيَ ابْنَةُ آمَالِي وَلَكِنْ سَجِينَةٌ
تَنَاسَى هَوَاهَا الْكُلُّ حَتَّى عَشِيقُهَا
يَشُوقُ فُؤَادِي أَنْ يَرَاهَا طَلِيقَةً
وَلَكِنْ قُيُودُ الظُّلْمِ لَيْسَ يَشُوقُهَا
•••
غَفَتْ مِلْءَ عَيْنَيْهَا وَلَكِنَّ رُوحَهَا
تَرَدَّدَ فِي صَدْرِ الْحَيَاةِ زُهُوقُهَا
كَأَنَّ الَّذِي أَخْنَى عَلَيْهَا بِجُورِهِ
إِلَى هُوَّةِ الْإِعْدَامِ جَاءَ يَسُوقُهَا
أَشَاحَ خَيَالُ الْحُبِّ عَنْهَا بِوَجْهِهِ
وَأَعْرَضَ عَنْهَا فِي الْحَيَاةِ رَفِيقُهَا
فَمَا وَجَدَتْ إِلَّا الْمَدَامِعِ مُؤْنِسًا
لِذَلِكَ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ تُرِيقُهَا
في ٢٩ آذار سنة ١٩٢٤